الأربعاء 2017/07/19

أيها السوري .. لا تترك ثورتك

في مثل هذه الأيام من عام 2011 كانت الثورة السورية قد انتشرت كالنار في الهشيم، ووصلت إلى كل حي وشارع وبيت من المدن التي ثارت مبكراً، أذكر كيف كان يخرج مئات الآلاف لتشييع الشهداء في مدينتي التي لا يتجاوز عدد سكانها الكامل مليون نسمة، حينها كان جميع الناس يعلمون ما معنى أن تخرج بثورة ضد بشار الأسد ابن حافظ الذي لم يتوان عن قتل نحو أربعين ألف نسمة خلال أسابيع بمجزرة حماة إضافة إلى مجازر حلب وتدمر وصيدنايا ودير الزور.. حافظ الذي وأد عشرات آلاف السوريين في سجونه لتثبيت دولة الخوف وتحصين السلطة التي اكتسبها في ظروف غامضة.

عرف الناس منذ اللحظة الأولى أن ثمن الخروج على هذا النظام سيدفعونه أنهارا من الدماء، أدركوا تماما أن أي خط للعودة عن هذه الثورة يعني الموت المحتم، حتى من ادعى أن المظاهرات خرجت في البداية من أجل بعض الإصلاحات كان متيقنا في داخله زيف تلك الرواية، ففي الغابة المسماة زوراً "دولة" كانت المخابرات تستدعي من يصلي الفجر في المسجد لمدة أسبوع متصل فكيف بمن خرج في الشارع وصاح "يلعن روحك يا حافظ".

حتى ذلك الوقت ورغم حداثة المشهد على الصعيد السوري إلا أنه لم يصل ذروة الخطورة، فالصراع كان مقتصرا بين مكونات الشعب الثائر من جهة ونظام الأسد من جهة أخرى، دون تدخل المليشيات الشيعية الأجنبية، ووصول الدعم العسكري المباشر من حلفاء النظام الدوليين، ما يعني أن من يفكر للحظة بالتراجع عن الثورة يمتلك في ذلك الحين خيارات كثيرة، وخاصة في ما يرتبط بالدين، فقبل أن تدخل إيران على الخط لم تكن قد نشأت النظرية السائدة حاليا وهي أن بقاء الأسد في الحكم مستقبلا يعني اضطرار الملايين من السنة إلى التماهي المطلق مع المذهب الشيعي أو ربما اعتناقه قسرا،  كإحدى الثمار التي تنتظر إيران قطافها لقاء تدخلها لوأد الثورة.

رغم كل ما جرى لن أبالغ إن توقعت أن عشرة ملايين سوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كلهم سيختارون الموت إن كان خيارهم الثاني بقاء الأسد في الحكم، ومثلهم الملايين في دول الشتات وحتى داخل مناطق سيطرة النظام ، لكن عند الحديث عما آلت إليه الثورة بمنطق العقل نجد أنفسنا غرقى بالصراعات في البيت الداخلي للثورة، متشتتين عسكريا وسياسيا ومعظمنا يعاني انحراف البوصلة بين اللجوء والحصار، في وقت نجح فيه نظام الأسد للأسف بانتهاز الفرصة وتمكن عبر لوبياته المنتشرة في الأصقاع من تغيير النظرة الدولية حيال القضية، وإدراج جرائمه المستمرة في طي التجاهل المتعمد وفق الاعتبارات الجديدة، فضلا عن تقدمه عسكريا على الأرض، وميل الكفة لصالحه في أهم جولات المحافل الدولية (أستانا وجنيف).

في هذه المرحلة الحساسة ثمة من قد يثخن فيه الإحباط واليأس ويدفعانه إلى الاستسلام للأمر الواقع والتخلي عن بعض المُسلّمات، ولهؤلاء نقول : إياكم أن تتركوا ثورتكم، ولا تلتفتوا إلى المواقف الدولية التي أعلنت التخلي عن شرط رحيل الأسد كفرنسا، ولا إلى بقية الدول التي من المحتمل أن تسير على نفس خطا فرنسا، واعلموا أن المجتمع الدولي الذي أعلن التخلي عنكم لم يكن أصلا يدعمكم أبداً لا بل استغل في معظم الأحيان قضيتكم لتحقيق مصالح جانبية، وليكن تخاذل العالم عنكم دافعا للتشبث أكثر بالقضية ولا تنسوا أنها معركة بقاء (أكون أو لا أكون)

إلى آخر نفَس.. لا تكفَّ أيها السوري عن تبني الثورة ولا تلتفت إلى ما سوف يحاول الشرق والغرب تصويره لك كأمر واقع، فالظروف تتبدل في كل لحظة وأسباب النصر لا تزال موجودة سواء المادية أو المعنوية، ولنا في التاريخ القريب والبعيد أمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، منها انهيار الاتحاد السوفيتي في حرب لم يملك فيها سببا للهزيمة، وكذلك الفتوحات الإسلامية وانتصارات رسول الله صلى الله عليه وسلم في معارك أشبه بالمعجزات.

صدِّق أيها السوري أن إصرارك على إسقاط النظام المجرم ومحاكمته سيكون   العلامة الفارقة في فشل كل المخططات التي تحاك ضد الثورة، فأنت يا من تقاتل إياك أن ترمي رشاشك، وأنت أيها الإعلامي والمسعف والناشط حذار من التراجع من موقعك مهما حصل، وأنتم يا من صبرتم على مرارة النزوح والمخيمات لانتظار لحظة النصر لا تظنوا أن ما بذلتموه سيذهب هباء، وللذين ساندوا الثورة بالدعم المادي والمعنوي استمروا فلن يجرؤ التاريخ على أن يدون ثورتنا في سجلات الفشل، وإن قدر الله ذلك فعندها ستقوم الساعة .. والله أعلم .