الجمعة 2017/03/31

أعيدوا لنا القذافي

في إحدى القرى في الريف الصيني ، فيما سلف من الأيام كان المزارعون يعملون في ظروف بائسة ؛ فالمطر شحيح ، والأرض حُرمت الخصوبة ، ولا يساعدهم على تجاوز شظف العيش وبؤس الحياة سوى انتظار فرقة السيرك ؛ التي ستأتي من شنغهاي ، ويظل القرويون البسطاء يسردون في أثناء عملهم في الحقول أو في سهراتهم اللحظات الممتعة ؛ التي قضوها أثناء أسبوع السرك في العام المنصرم ، ويختص بعض الفلاحين بتقليد حركات الدببة ، والكلاب والقرود ، والنمور ، حتى يأتي العام الجديد، ويأتي موسم السيرك ، الذي يأخذ كل مدخراتهم التي اقتطعوها من قوت يومهم ، حتى يشاهدوا رقصات المهرجين والحيوانات ، وبعد أن يغادر السيرك يقفون على تلة البلدة يودعون السيرك وعيونهم دامعة.

منذ خمسينات القرن الماضي كانت الشعوب العربية تنام فوق جهاز الراديو منتظرة تحرير فلسطين والتخلص من سنيِّ الفقر؛ التي جلبها المستعمر الأثيم . 

انتهى زمن الراديو، ودخلنا زمن التلفاز ، ثم الفضائيات ، وظل العرب يجلسون أمام وسائل الإعلام منتظرين التغيير .

سقط كل شيء في الوحل ، وصارت القناعة الضمنية عند الشعوب العربية أن التغيير الذي ينشدون ،محضُ  وهمٍ لا يمكن تحقيقه ، بل إن الحفاظ على آخر ما تبقى لم يعد حلماً بالنسبة لهم ، وصاروا كمن لجأ إلى أعلى الجبل منتظراً أن يصل السيل إليه .

في كل عام عربي ثمة مناسبة ظاهرُها سياسي ، ولكن باطنَها فني صار ممتعاً للشعوب العربية، حيث يجتمع بعض الرؤساء والأمراء والملوك العرب في عاصمة حددت مسبقاً لتداول شؤون العرب ، ولكن الوقائع تحمل غير ذلك ، فمرة يتبادل الرؤساء الشتائم ، ومرة تكون القمة عرضاً للأزياء كما كان يفعل القذافي.

الجمهور العربي صار يتجهز لهذه القمة كمن ينتظر مسرحاً ، أوسيركاً للمتعة ، وكأنَّ أفق توقعه صار واضحاً ، فهذا الاجتماع سيحدث فيه أمر ممتع.

في القمة الأخيرة كان مقدار الدهشة والمتعة كثيفاً ، فقد سقط بعض الرؤساء ، ونام آخرون ، وضبطت الكاميرا من كان يدخل أصبعه في منخره ، وازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من السخرية ، ولكن كثيراً من المدونين شعر بحسرة لغياب القذافي عن هذه القمة ، لأنه كان يأخذ دائماً دور البطولة ، ورصيده في الأعمال السابقة ، يجعله نجم الشباك الأول. 

في القرية الصينية كان صاحب السيرك يأخذ من المزارعين ثمن المشاهدة عن كل عام فقط ، أما أصحاب السيرك العربي ، فإنهم قبضوا ثمن الأدوار التي يقدمونها من ماضي ومستقبل العرب، بينما الصينيون العرب مازالوا مستمتعين بالأداء ويطالبون بالمزيد من الإثارة .