الجمعة 2016/12/02

“أحمد الجربا” قصر يُبنى في الرميلان ومكاتب تُهدم في عينتاب

لا نذيع سرا إذا قلنا: إن الثورة السورية؛ التي خرجت شعبية كانت في بحث محموم عن قيادة سياسية تمثلها، ولا نذيع سرا إذا قلنا أيضا: إن النخب السياسية والثقافية السورية وقفت إلى جانب النظام والاستثناءات كانت قليلة، وهذه الاستثناءات كانت تتبع لأحزابها بإديولوجياتها المختلفة والمتناقضة، ولا نذيع سراً أيضا إذا قلنا أيضاً : إن تشكيل المعارضة بصيغة المجلس الوطني أو الائتلاف كانت تحمل في تضاعيفها بذور تناقضها، ومن ثم تفككها لتناقض الإديولوجيات وتعدد المشارب، وسعيها الدائم لإنتاج مشروع عفا الزمان عليه، ولم يعد صالحاً بعد أن كفرت الثورة بالقيادات السابقة والمشاريع الداثرة.

استفاق السوريون في شهر تشرين الثاني 2012 على خبر ولادة كيان سياسي جديد اسمه الائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة في الدوحة، بعد أن كان الخبر الذي تداولته وسائل الإعلام وصول أعضاء المجلس الوطني إلى الدوحة للتوسعة، وكان على رأس هذه الكيان الجديد معاذ الخطيب، الذي أمضى في الائتلاف مدة كانت عنوانها خطاب المهادنة للنظام ، والحث على الجلوس للتفاوض معه ، ثم ظهر أحمد الجربا رئيسا للائتلاف في عملية؛ شكلها السطحي انتخابات شفافة وتداول للسلطة، ولكن القضية في العمق إرادة سعودية دفعت بالجربا ليكون رئيسا للائتلاف، وقام ميشيل كيلو بدور العراب، الذي يروج للجربا، ويقف خلفه يحركه سياسيا.. 

خرج أحمد الجربا من رئاسة الائتلاف، واستقر به المقام في مصر؛ التي التفت بعباءة السيسي، وأسس من هناك تيار الغد، الذي تضمن أمشاجا متناقضة من اليساريين والقوميين، وغير المنتمين لأي شيء ، ثم نشط أعضاء التيار بالتواصل مع نشاط في الداخل السوري تحت مظلة تقديم مساعدات إغاثية، وتم افتتاح مكاتب لهذا التيار، لكن سرعان ما انفض نشطاء الداخل عن هذا التيار بعدما تبين لهم أن قضية الإغاثة والدعم الطبي ، هي فخ لحشد أكبر عدد ممكن من الأعضاء لإظهار جماهيرية التيار، وكانت الانسحابات بالجملة ، وظل للتيار مكتب في القاهرة وبضعة مكاتب في تركيا. 

الشهر التاسع من عام 2016 انكشاف جديد للتيار ومشاريعه العميقة، بعد أن عقد مؤتمراً في القاهرة ضم هيئة التنسيق، التي يعتبرها السوريون فصيلاً عميلا لنظام الأسد، وتم تصنيعه في غرف المخابرات الجوية، ليشوش على الثورة، لأن كل أعضائها من حلفاء النظام سابقا، مؤتمر القاهرة هذا كان الخطوة التي أُسِّس التيار من أجلها، وهو تشريع عمل المليشيات الكردية الانفصالية في الشمال السوري ، واعتبار ما تقوم به من تطهير عرقي وتهجير للعرب والتركمان عملاً ثوريا في سياق الثورة السورية على الرغم من دعم نظام الأسد والاحتلال الروسي لهذه المليشيات بالعتاد والسلاح. 

أحمد الجربا الذي غادر إستانبول بعد أن ترك رئاسة الائتلاف، وصار يدير نشاطه السياسي من قاهرة السيسي، بنى لنفسه مقرين : الأول قصر في الرميلان في محافظة الحسكة؛ حيث تسيطر المليشيات الكردية مع نظام الأسد على المنطقة، والمقر الثاني على الأراضي التركية كمكاتب لحزب الغد؛ التي أغلقتها الحكومة التركية، لأنه يتعامل مع وحدات الحماية الكردية؛ التي يرأس مكتبها السياسي صالح مسلم المطلوب للأمن التركي بتهمة الإرهاب.

فجأة ظهر الجربا دون رصيد ثوري أو خبرة سياسية أو أكاديمية، وفُرض على الثورة السورية، ليبدأ انفصال الزيت عن الماء لعدم التجانس، وليكون قصر الرميلان، الذي بُني تحت إشراف النظام والمليشيات الكردية الانفصالية هو الحقيقة العميقة للرجل وتياره أما المكاتب التي اندثرت في تركيا هي الوهم الذي أراد تلبيسه على الشعب السوري.