الأثنين 2017/01/16

أحرار الشام .. بين اتفاقات السر وتخبطات العلن !

يبدو من نافلة القول أن تكون محادثات أستانة المزمع عقدها في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، مختلفة بشكل كلي عن المحادثات التي عقدت سابقاً حول الملف السوري، ولعل الاختلاف الأهم في أن من يمثل المعارضة السورية في المحادثات هذه المرة، وفد عسكري منبثق من الفصائل الثورية التي وقَّعت على اتفاق وقف إطلاق النار برعاية روسية تركية في التاسع والعشرين من كانون الأول الفائت، بينما اختارت الهيئة العليا للمفاوضات ، التي تمثل الجناح السياسي الأبرز لقوى المعارضة السورية عدم الذهاب.

لا ريب في أن محاذير جلوس فصائل عسكرية وحدها في أي عملية تفاوضية يعد خطراً قائماً بحد ذاته، لكن الواقع يقول إن هذه الفصائل لو ذهبت بكلمة واحدة فلا بد أن ينعكس هذا التوحد في الموقف على مجريات التفاوض المعقدة، وهنا تبدو الإشكالية العظمى لدى فصائل الثورة المشاركة في الحراك السياسي.

مراقبون يرون أن فصائل لم يدفعها الدم والهدم الواقع في المدن السورية المحررة ، لن يكون لها حُكماً موقفٌ موحد على طاولة المفاوضات، التي يجلسون عليها بلا مرجعيات ، وبضمانات أقلُّ ما يقال فيها إنها هشة.

وفي وسط المشهد الذي رسمه "اتفاق أنقرة" برعاية روسية تركية إيرانية، تبرز حركة أحرار الشام، فصيلاً اختار أن يقفز على حبال السياسة في الوقت الضائع، فالحركة شاركت في قبول الاتفاق جملة وتفصيلاً ، لكنها لم تضع اسمها بين الموقِّعين لسبب لم توضحه الحركة بشكل صريح، فهل كان الأمر انقساماً بين جناحين في الحركة كما يقال ؟ أم إن أحرار الشام اختارت هذا الغموض منهجاً في مرحلة يلتبس فيها الخيط الأبيض بالأسود؟ 

قيل هذا و ذاك ، لكن ما لم يُقَلْ إن الحركة اطلعت على قرار استهداف جبهة فتح الشام ، واستثنائها من اتفاق الهدنة، وفي الوقت نفسه قالت للإعلام إنها لم تشارك في الاتفاق ولم توقع عليه، ولا ترى حرجاً من اندماج عسكري يحقق مصالح الثورة ولو كان مع " فتح الشام". 

غموض المشهد والتخبط لدى حركة أحرار الشام لم يكن اتفاق وقف إطلاق النار أول فصوله ، فلو عدنا بالذاكرة قليلاً لوجدنا التخبط نفسه إزاء عملية "درع الفرات" التي أطلقتها تركيا ضد تنظيم الدولة في الشمال السوري، ففي حين وقفت الحركة ضد هذه العملية بقرار غير معلن، واعتبرته إضعافاً لصف الثوار في جبهات مدينة حلب ، خرجت بشكل مفاجئ ببيان رحبت فيه بالعملية، ولم تر ضيراً من مشاركة فصائل حلب في "درع الفرات".

آخر فصول التخبط عند أحرار الشام يبدو جلياً اليوم بعد سلسلة اجتماعات جرت في العاصمة التركية أنقرة بين الفصائل العسكرية الموقعة على اتفاق وقف إطلاق النار، بغية حسم الموقف إزاء تشكيل وفد عسكري إلى أستانة.

ليبدأ السؤال الموجه إلى قادة الحركة من زاوية حرجة : إذا كنتم لم توافقوا أصلاً على اتفاق وقف إطلاق النار كما ادعيتم ، فلماذا تشاركون في محادثات بنيت أصلاً على معطيات هذا الاتفاق ؟ 

المتحدث باسم فصائل المعارضة أسامة أبو زيد قال إن إجماعاً حصل بين الفصائل نحو الذهاب إلى أستانة، ونفى وجود أي خلافات حول الموضوع، بينما خرجت أحرار الشام لتقول مجدداً إن الأمر لم يحسم ، وإنها لا تزال تدرس قرار الذهاب من عدمه !

ما من شك أن حركة أحرار الشام كانت من أكثر فصائل المعارضة تأثيراً خلال سنوات الثورة السورية الصعاب، لكن يبدو أن تعقد المشهد أمام الحركة ولا سيما قبيل معركة حلب وإبانها وبعدها، جعل الحركة تدخل في تخبط لا يقل ضراوة عما يجري في كواليس السياسة، ويبدو كذلك أنها اختارت هذا التخبط والغموض شعاراً لها في مرحلة تستوجب الفصل بين الأبيض والأسود بشكل لا لبس فيه ، فالأمر في نهاية الأمر لا يتعلق بحركة أو جماعة أو فصيل ، بل إنه يتعلق بنصف مليون شهيد ، ومئتي ألف معتقل يرون الموت أقصى أمانيهم، وثمانية ملايين مهجَّر ، ومثلهم من النازحين .. الأمر بات يتعلق بمصير شعب لم يعد لديه ما يدفعه أصلاً بعد الدم ، للوصول إلى مطالبِ حقٍّ لا يمكن بأي حال التنازل عنها، أو التخبط بشأنها في وقت يمسك فيه التاريخ بالقلم ، ليسجل عناوين مرحلةٍ مفصلية، إما أن تكون فيها سوريا لشعبها.. أو تؤول إلى أن تكون محافظة إيرانية يحكمها قاسم سليماني وسيد جواد.