السبت 2017/03/04

أبناؤنا المفقودون في مسالخ سوريا

تحمل قصاصات هذا القميص أسماء 57 سجيناً سورياً مكتوبة بالدم والأوساخ والصدأ. ويخبرنا الرجل، الذي خاطر بكل شيء لتهريب هذه الأجزاء، عن الحياة داخل غرف التعذيب السرية لنظام الأسد الوحشي.

جثى السجناء معصوبي العيون ومكبّلي الأيدي، في الممر القذر في أحد السجون السورية السرية في انتظار مصيرهم. لقد أخبرهم السجان للتو بأنه يجب عليهم أن يدلوا "بأمنياتهم الأخيرة". إنهم في الطريق إلى الإعدام.

كان ذلك في شهر فبراير/ شباط عام 2012، وكان قمع الرئيس بشار الأسد لمتظاهري الربيع العربي يغدو أكثر وحشية. لقد اختفى كثيرون في مراكز الاعتقال السرية التي عُذبوا فيها ومن ثم قُتلوا.

وكان أحد المعتقلين في ذلك الممر ذاك اليوم "منصور العمري"، الذي اعتُقل على إثر توثيقه للاعتقالات والتعذيب الذي يمارسه الجيش بحق المواطنين. واليوم يختبر تلك الوحشية بنفسه لأول مرة.

رجل طويل القامة بعينين مظلمتين حزينتين، أمضى العمري الذي يبلغ من العمر الآن (37 عاماً)، أمضى عاماً محتشداً مع آخرين في زنزانات مظلمة كريهة الرائحة، تعرضوا فيها للضرب وتصرفات أكثر سادية وقسوة. وعلى غرار المعتقلين في معسكرات الاعتقال النازية، تحولت أطرافهم إلى أعواد من الجوع بينما غارت عيونهم في محاجرها. لقد كانوا على حافة الموت، إلا أنهم لم يُهزموا.

ونظراً لعمله ناشطاً في مجال حقوق الإنسان، كان العمري يعلم أن الأسد ينكر درايته بوجود مراكز الاعتقال، وأن عوائل المعتقلين كانوا في انتظار ليعلموا أي كلمة عن أحبائهم الذين اختفوا دونما أثر، ولكن كان الانتظار عبثاً.

وبمساعدة 4 من أصدقائه _ وفي خطر كبير من الاكتشاف والتعرض لعقوبة الإعدام _ شرع في وضع قائمة لعشرات المعتقلين في زنزانته. كانت الفكرة تدور حول إيجاد طريقة لتهريب أسمائهم وإبلاغ أقاربهم والعالم أجمع عما يتعرضون له.

ويخبرني في مدينة هيرلين الهولندية، التي قدم إليها في زيارة لأخيه: "لقد كان ذلك رسالة للنظام أنه بغض النظر عما فعلتموه بنا، سنستمر في توثيق جرائمكم".

لم يكن لدى المعتقلين أي شيء ليكتبوا به. كانوا محرومين من التحدث كما أن أجسادهم قد وهنت بسبب الجوع والمرض. لقد سطَّر تغلبهم على الوحشية قصة رائعة في البطولة والأمل.

وفي الوقت الذي صدح فيه تنظيم داعش بهمجيته تجاه العالم، لم تحظَ الأعمال الوحشية التي كانت تُرتكب في زنازين الأسد السرية بنفس القدر من الاهتمام. إن رصيد العمري هو لمحة نادرة وصادمة على ذلك الرعب. لقد كانت عيناه تمتلئان بالدموع وهو يذكر الأحداث التي شوهت جسده وعقله.

يقول مسترجعاً اليوم الذي أجبروا فيه على الركوع في الممر لساعات بانتظار الموت: "لقد كانت قدماي ترتجفان. وكان أي شخص في حال وقوعه يتلقى الضربات. كان السجانون يسخرون منا ويدعوننا بالخائنين الذين يستحقون الموت".

وعندما طلبوا إليهم أن يتلفظوا بآخر أمنياتهم، قال أحد المعتقلين، وكان طالباً: "أود رؤية والدتي". بينما تلعثم آخر في ذعر: "أرجوكم، أنا بريء. لم أفعل شيئاً". واعترف آخر بقوله: "سامحونا أرجوكم".


وجاء دور العمري ليعبر عن آخر أمنياته، فقال: "أتمنى لو نستطيع العيش بحب كأخوة".

وفي الأشهر التي تلت ذلك، شعر العمري في بعض الأحيان أن الأمور كانت لتكون أفضل لو أنهم أخرجوهم ومن ثم أطلقوا عليهم النار. لكن التهديدات بالموت والإذلال كانا جزءاً من التعذيب النفسي؛ فبدلاً من أن ينفذ حكم الإعدام بحق المعتقلين، كانوا يحالون إلى سجن سري آخر، تكون الظروف فيه أسوأ من سابقه بكثير.

وقد بدأ دخولهم في الجحيم في فبراير/ شباط عام 2012، عندما اقتحم الجنود المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) وسط دمشق لاعتقالهم.


وعندها اقتيد العمري و14 من زملائه بالإضافة إلى أحد الزوار في ذلك البناء إلى حافلة عسكرية. لم يكن لديهم أدنى فكرة عن المكان الذي ستقودهم إليه تلك الرحلة، إلا أنهم حاولوا أن يكونوا متفائلين وأخذوا يغنون أغنية عيد الميلاد لأحد الأصدقاء الذي كان يخطط لإقامة حفلة ذلك المساء. لكن عندما اتجهت الحافلة إلى مقر المخابرات الجوية، المشهور بتنفيذ أعمال النظام القذرة، قال العمري: "علمنا أننا قد لا نخرج من هناك أحياء".

والغريب في الأمر أن أول شخص استجوبنا كان لطيفاً ويرتدي ملابس مدنية.

ويتابع العمري: "قال لنا: تفضلوا، اجلسوا. سألني بضع أسئلة حول عملي، وأخبرته كل شيء. ووضحت له أننا لم نكن جزءاً من المعارضة السياسية، وأن أياً منا لا يملك أي سلاح. ثم قال لنا: تبدون أشخاصاً طيبين، لم أنتم هنا. لا أعلم بالضبط. أخبرناه عن حفلة عيد الميلاد، وقلنا له إنه في حال أطلق سراحنا، سيكون موضع ترحيب في الحفلة. فأجاب: أجل، أود ذلك. شكراً لكم".

على أية حال، كانت تلك تمثيلية خبيثة، ليكتشف المعتقلون في وقت لاحق أن ذلك الرجل كان ضابطاً عديم الرحمة يحب إرسال المعتقلين إلى التوابيت، يشير بمسدسه إلى رؤوسهم ويهددهم بالقتل ما لم يعترفوا. وقد بدا أن المحققين الآخرين كانوا أقل اهتماماً في انتزاع الاعترافات، إذ كانوا يميلون إلى الاعتداء على المساجين وإذلالهم لمجرد التسلية.


لقد اعتاد العمري كل يوم سماع الصيحات والصرخات في الممر، منذ كان في أول زنزانة عاش فيها في بناء المخابرات الجوية.

ويسترجع العمري ذكرياته، فيقول: "كان هناك رجل طلبوا إليه أن يمشي على أربع مثل الكلب. لقد أرادوا أن ينبح كالكلب. وقد فعل. لكنهم قالوا له: لا، انبح من قلبك! لقد أرادوا تمثيلاً أفضل للكلب. وقد فعل أيضاً".

لكن ذلك لم يرضهم، ليأمروه بعدها، بينما يضربونه بالهراوات بأن يقلد صوت زوجته في وضع حميمي، ذلك أنه كان قد ارتكب خطأً عندما أخبرهم أنه تزوج حديثاً ليبرر عدم مشاركته في الحياة السياسية المعارضة.

"لقد حاول أن يقلد صوت زوجته وهو يبكي".

وقد تم تسليم المعتقلين، من سجن المخابرات الجوية، إلى الجيش، كما تم تكديس عشرات الرجال في زنزانتهم الجديدة، وكان بعضهم طويل اللحية بشعر رمادي. يقول العمري: "تساءلت ما إذا كان سينتهي بي الأمر كحالهم. كما كانت الرائحة كريهة على نحو لا يصدق".

اعتاد الحراس أن يأتوا كل يوم لضربنا بالهراوات. وقد كان أحد هؤلاء الساديين يُلقّب بـ "الكهربائي" لاستخدامه الممنهج للكابل الكهربائي.


كانت حصصهم من الطعام 3 حبات زيتون في كل يوم، وقطعة خبز في بعض الأحيان. وكانوا يحظون مرة في الأسبوع ببقايا دجاجة. وسرعان ما غطت التقرحات أجسادهم، وعجت ملابسهم بالقمل.

وكانت أصوات الموسيقى أو بعض المحادثات تتسلل بين حين وآخر عبر الفتحة الوحيدة أعلى الجدار. وكانت الروائح تنتشر أيضاً: كالثوم والشاي، "كانت كل تلك الأشياء التي لا نملكها تعد تعذيباً بحد ذاتها". وقد سمع العمري في أحد المرات واحداً من الحراس يتحدث إلى فتاة عبر الهاتف، يسألها عن الهدية التي تريدها لشهر رمضان، فيقول لها: "هل تريدين مني أن أحضر لك بعض الإرهابيين؟".

لكن العمري، الذي درس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، لم يكن إرهابياً. لم يكن أحد منهم إرهابياً. أما جريمتهم الوحيدة، كانت التظاهر ضد الأسد وتوثيق انتهاكات نظامه.


لقد شعروا أنه لم يكن لديهم خيار آخر سوى الجهر. يقول العمري: "لقد كنا نعلم مدى خطورة الأمر، فقد تصل بك الأمور إلى حد الاختفاء في سوريا بطرفة عين. لكننا عندما رأينا أن التغييرات قادمة، لم نتمكن من أن نظل متفرجين، أو نغادر. كانت لدينا فرصة، أملاً في التخلص من هذا النظام الطاغي، هذا النظام السيء للغاية".


حاول العمري الحفاظ على معنوياته، وذلك عن طريق إعطاء دروس باللغة الإنكليزية لزملائه من المساجين. وكان يجب أن يتم الأمر عن طريق الهمس، فالتحدث كان ممنوعاً. أخبر طلابه عن الحبكات في الأفلام الأوروبية؛ فقد عمل في أحد المرات مترجماً للأفلام من الإنكليزية إلى العربية. وروى لهم أيضاً مسرحيات شكسبير مثل روميو وجولييت، "وكان ذلك طريقة لنخرج من الجحيم الذي كنا نعيشه".

بحلول صيف عام 2012، بدأت الأمور تتخذ منحى أكثر سوءاً بالنسبة للأسد، عندما بدأت البلاد تنحدر في حرب أهلية كانت ستقسم سوريا إلى رقعة من الأراضي تحت سيطرة مجموعات الثوار المتنافسة، بما فيها تنظيم داعش. لكن المعتقلين لم يكونوا على علم بذلك، غير أنهم في بعض الأحيان كانوا يسمعون أصوات القصف قريباً إلى درجة تهتز فيها الزنزانة وتسقط فيها سحب من الغبار من السقف.

وقد تم تسليم المعتقلين، من سجن المخابرات الجوية، إلى الجيش، كما تم تكديس عشرات الرجال في زنزانتهم الجديدة، وكان بعضهم طويل اللحية بشعر رمادي. يقول العمري: "تساءلت ما إذا كان سينتهي بي الأمر كحالهم. كما كانت الرائحة كريهة على نحو لا يصدق".

اعتاد الحراس أن يأتوا كل يوم لضربنا بالهراوات. وقد كان أحد هؤلاء الساديين يُلقّب بـ "الكهربائي" لاستخدامه الممنهج للكابل الكهربائي.

كانت حصصهم من الطعام 3 حبات زيتون في كل يوم، وقطعة خبز في بعض الأحيان. وكانوا يحظون مرة في الأسبوع ببقايا دجاجة. وسرعان ما غطت التقرحات أجسادهم، وعجت ملابسهم بالقمل.

وكانت أصوات الموسيقى أو بعض المحادثات تتسلل بين حين وآخر عبر الفتحة الوحيدة أعلى الجدار. وكانت الروائح تنتشر أيضاً: كالثوم والشاي، "كانت كل تلك الأشياء التي لا نملكها تعد تعذيباً بحد ذاتها". وقد سمع العمري في أحد المرات واحداً من الحراس يتحدث إلى فتاة عبر الهاتف، يسألها عن الهدية التي تريدها لشهر رمضان، فيقول لها: "هل تريدين مني أن أحضر لك بعض الإرهابيين؟".

لكن العمري، الذي درس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، لم يكن إرهابياً. لم يكن أحد منهم إرهابياً. أما جريمتهم الوحيدة، كانت التظاهر ضد الأسد وتوثيق انتهاكات نظامه.


لقد شعروا أنه لم يكن لديهم خيار آخر سوى الجهر. يقول العمري: "لقد كنا نعلم مدى خطورة الأمر، فقد تصل بك الأمور إلى حد الاختفاء في سوريا بطرفة عين. لكننا عندما رأينا أن التغييرات قادمة، لم نتمكن من أن نظل متفرجين، أو نغادر. كانت لدينا فرصة، أملاً في التخلص من هذا النظام الطاغي، هذا النظام السيء للغاية".


حاول العمري الحفاظ على معنوياته، وذلك عن طريق إعطاء دروس باللغة الإنكليزية لزملائه من المساجين. وكان يجب أن يتم الأمر عن طريق الهمس، فالتحدث كان ممنوعاً. أخبر طلابه عن الحبكات في الأفلام الأوروبية؛ فقد عمل في أحد المرات مترجماً للأفلام من الإنكليزية إلى العربية. وروى لهم أيضاً مسرحيات شكسبير مثل روميو وجولييت، "وكان ذلك طريقة لنخرج من الجحيم الذي كنا نعيشه".

بحلول صيف عام 2012، بدأت الأمور تتخذ منحى أكثر سوءاً بالنسبة للأسد، عندما بدأت البلاد تنحدر في حرب أهلية كانت ستقسم سوريا إلى رقعة من الأراضي تحت سيطرة مجموعات الثوار المتنافسة، بما فيها تنظيم داعش. لكن المعتقلين لم يكونوا على علم بذلك، غير أنهم في بعض الأحيان كانوا يسمعون أصوات القصف قريباً إلى درجة تهتز فيها الزنزانة وتسقط فيها سحب من الغبار من السقف.

وترك القميص معلقاً على أحد الأسياخ البارزة من الجدار. وفي حال تم إطلاق سراح أحد الأصدقاء الخمسة، سيرتديه.

في صباح أحد الأيام طرق أحد الحراس على الباب ونادى باسم العمري. أخبره أن لديه 5 دقائق ليكون جاهزاً، كان سيغادر. ارتدى القميص بسرعة وتجمهر حوله السجناء الآخرون ليودعوه، على افتراض أنه كان سيحرر.

يستذكر العمري: "كانوا يقولون لي: أرجوك اتصل بأهلي. تذكرنا، أرجوك، أردت أن أقول لهم: لدي أسماؤكم كلها مكتوبة بالدم على قميصي. لكني لم أستطع. كانت مخاطرة كبيرة".

ما تزال وجوههم محفورة في ذاكرته، واليوم يعتقد أن معظمهم إما ميت أو ما يزال أسيراً في مراكز الاعتقال.

وبعد تلقي "ضربات الوداع"، تم تحويله إلى سجن مدني، حيث تمكن من التواصل مع عائلته. وبعد بضعة أسابيع، مثَل العمري أمام أحد القضاة ليطلق سراحه وهو يرتدي منامة السجن. وبهذا تكون مدة اعتقاله وصلت إلى 356 يوماً.

ومن بين الأسماء التي بلغ عددها 57، بقي هناك 37 اسماً يمكن قراءته عندما خرج. وذلك أن العمري بسبب خوفه من أن يتم تفتيشه وإعدامه، تعرّق كثيراً على قميصه ما أدى إلى تلطخ بعض الكلمات.

استطاع التواصل مع معظم عوائل المعتقلين الذين ظلت أسماؤهم في القائمة. وقد تسبب ذلك بالألم الممزوج بالأمل بأن الآخرين قد يخلى سبيلهم. سألته أمهات المعتقلين عن صحة أبنائهن وما إذا كانوا يأكلون على نحو جيد. لم يذكر لهن التفاصيل المريرة والبشعة، لكنه أخبرهن أن أبناءهن كانوا شجعاناً.


يقول العمري: "أذكر أماً وأختاً لأحد المعتقلين وهما تستمعان إليّ وتذرفان الدموع بينما أحادثهما عبر سكايب وتقولان: إنه صغير جداً، لم يرتكب أي خطأ. كل ما تعرفانه هو أنه خرج مع أصدقائه ولم يرجع أبداً".

"وقد طلبت إليّ والدة أخرى أن أحدثها مرة في الأسبوع لأخبرها المزيد من القصص عن ابنها وعن الظروف داخل السجن".

بحلول ذلك الوقت، كانت دمشق قد أصبحت مكاناً مخيفاً أكثر من ذي قبل. وبعد مواجهتين مرهقتين للأعصاب على حواجز الميليشيات، قرر العمري مغادرة البلاد. ويقول في ذلك: "أفضل أن أقتل نفسي على أن أعتقل مرة أخرى".

توجه إلى لبنان ومن ثم إلى تركيا، التي قدم فيها طلباً لدى المفوضية العليا لللاجئين للحصول على وضع لاجئ. وقد استقبلته السويد. وفي المنفى، استمر في التواصل مع أقارب رفاق زنزانته، وواصل المحاولة في الكشف عن مصيرهم، ليصل إلى نتائج تفطر القلوب.

وفي بحثهم عن الأدلة، جاب أقارب المفقودين صفحات نشرة شنيعة لصور تم تهريبها من سوريا في شهر أغسطس/ آب من قبل مصور عسكري منشق يستخدم اسماً مستعاراً "القيصر"، وهو يختبئ حالياً في أوروبا.

كان عمل القيصر يتمثل في تصوير جثث المعتقلين الذين قتلهم الجيش. ويبدو أن السوريين كانوا منهجيين كحال النازيين في أرشفة الأعمال الوحشية التي يرتكبونها. وتُظهر الصور 6.786 معتقلاً قضوا داخل السجون. وتذكّرنا جثثهم العظمية بأولئك الذين لقوا مصرعهم في مراكز الاعتقال النازية. كما أن أجسادهم مغطاة بالجروح المروعة، والبعض منهم كانت قد اقتُلعت عيناه. وقد تجمدت معظم وجوه الجثث بتعبير عن الحزن، كما تحمل كل جثة رقماً، كتب في بعض الأحيان باستخدام قلم على الجبهة. وكان من بينهم الخياط سامي، الذي تعرّفت عائلته على جثته.


وتم التعرف على سجين آخر في تلك الصور وهو "أيهم غزولي"، الذي كان طالباً في جامعة دمشق واعتقل إلى جانب العمري. وظهر في نشرة القيصر المصورة المروعة تحت علامة "الجثة رقم 321". تواصل العمري مع والدة غزولي، مريم، ووصف لها كيف كان أيهم يشجع المعتقلين الآخرين على الغناء كي يرفع من معنوياتهم.

وتذكر مريم، التي هربت إلى لبنان، كيف انضم أيهم إلى الاحتجاجات ضد الأسد عام 2012 بحماسة واندفاع. تقول مريم: "كانت عيناه تتلألأان، وقلبه متوهج. لقد جلب الكثير من السعادة إلى منزلنا. كان شخصاً ودوداً ومحبوباً". والآن كل ما تريد أن تعرفه هو ما الذي حل بجثته. وتقول: "أريد قبراً له".

ولم ينجُ من بين أصدقاء العمري الأربعة سوى واحد فقط. كان أبازيد الطالب الذي ساعد في جمع الأسماء. ويشعر الآن بالسعادة لأنه قد أدى دوراً، فيقول: "لقد شاركت في ذلك لأني أردت أن قدم شيئاً لدعم ثورتنا. اعتقلنا النظام، وأوقفونا إلا أننا ما زلنا قادرين على القيام بشيء في ظل هذه الظروف الرهيبة".

أما مصير الآخرين على القائمة، فليس مؤكداً. لكن الوثائق التي تحتوي على مئات الآلاف من الصفحات التي تعود إلى المعتقلين، والتي وُجدت في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، لا تبشر بالخير بالنسبة لوضعهم.

كما ظهرت مزاعم جديدة عن القتل الممنهج في تقرير صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية جاء فيه أن الحكومة السورية قد أعدمت 13 ألف سجين في سجن عسكري بالقرب من دمشق بين العامين 2011 و2015. وخلص التقرير إلى أن الإعدامات ما تزال مستمرة على الأرجح.


ويأمل "ستيفن راب"، مسؤول سابق في الخارجية الأمريكية والمسؤول عن قضايا الحروب، يأمل باستخدام الكم المتزايد من الأدلة لإخضاع الأسد للمحاكمة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

ويقول: "لقد قيل في نورمبرغ أن النازيين قد أدينوا بسبب أدلتهم الموثقة. وفي سوريا، لديك بلد تشبه النازيين في طريقة جنون التوثيق، إنهم يوثقون أموراً تورطهم".

وبالنسبة لاحتمال إدانة الأسد، فيبدو أن الأمر أبعد منالاً في وقت يجد فيه العديد من قادة العالم قضية مشتركة مع الأسد في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وفي الوقت نفسه، عمل الدعم الروسي على تغيير كبير في موازين القوى في سوريا، ما عزز من قوة نظام الأسد.


يأمل العمري أن يحدث فرقاً، ويقوم الآن بتأليف كتاب يتحدث فيه عن تجربته كما سيظهر على القناة الرابعة في وثائقي عن المفقودين. ويقول العمري إنه على الرغم من الأدلة، "استطاع الأسد التهرب من العقوبة عن جرائمه. وحتى الآن ما تزال هناك أماكن اعتقال سرية تعج بالمعتقلين".

لكنه لم يفقد الأمل. ويقول: "أعلم أنه لا بد وأن يأتي يوم يحاسَب فيه الأسد وزبانيته. إني أعيش لأرى ذلك اليوم".