الجمعة 2018/01/19

أبلغوه مأمنه

ما حصل في معارك ريفي حماة وإدلب وفي معارك حرستا مؤخراً فيه أمور لافتة كثيرة...وقد كان من أبرزها ما يخص الروح القتالية عند جنود النظام ويخص مسارعتهم للاستسلام عند أول فرصة تسنح لهم...بل إلقاء السلاح والانشقاق في الوقت المناسب .

وكان المقطع الذي انتشر عن مخاطبة أحد الثوار المقاتلين في ريف إدلب للمختبئين ليسلموا أنفسهم دالَاً واضحا.

وكذلك المقطع الذي فيه مجموعة منشقة خاطبها أحد الواعظين في حرستا وحرص المصور على أن لا يُظهر وجوههم.

وشواهد أخرى كثيرة...كل ذلك يخبرنا اليوم بوضوح أنهم:" لا يريدون القتال ويريدون فقط أن يحصلوا على الأمان وأن يبلغوا مأمنهم".

هذا الأمر موجود منذ بداية تسليط النظام للجيش على الشعب ليقمع ويخمد الثورة السورية ولكن يبدو أنه قد بلغ أقصى حد له في هذه الأيام....حد استراتيجي هام.

يبدو أن الرقابة و المراقبة اللصيقة من الشبيحة لأفراد الجيش والمقاتلين في طرف النظام قد انخفضت لأدنى حدودها فالمخلصون للنظام الذين كانوا يراقبون الجنود دائماً وينتشرون وسط المقاتلين قد كثر القتل فيهم وقلَّ عديدهم.

ويبدو أن معظم من يدفع النظام بهم إلى الجبهات والخطوط الأمامية هم من المرغمين بشدة وأغلبهم تحت خدمة الاحتياط الإلزامية وكثير منهم خُطف من الشوارع عند حواجز التفتيش والخطف.

ويبدو أن إحساس المقاتل السوري أنه بين أجانب غرباء يحتلون بلاده ويتحكمون بالقرارات الرئيسية والفرعية قد زاد إلى درجة مؤثرة.

ويبدو أن الثوار المقاتلين المستمرين مازالوا ينتصرون بالرعب مسيرة شهر.

والنزعة الطائفية للنظام ومن معه من الميليشيات قد وصلت لأقصى حد لها ولم يعد يمكن أن يغفل عنها المقاتل السوري مهما "كبسلوه" وخدروه....هو أصلاً يواجه الموت فلمن يضحي وبأي دافع؟....لم يبق دافع مصنوع يمكن أن يُخدع به المقاتل السوري.

إنه تطور لافتٌ موثق ولابد أن تُؤسس عليه خطوات مدروسة عاجلة فيها دعاية وإعلام ووصول...وصول إلى المقاتل المرغم اليائس الذي يريد مخرجاً ومهرباً ومن أهم الأسس في الحرب الثورية أن تضرب طلائع عدوك ضربات شديدة تشرد بها من خلفها و تترك لعدوك مهرباً...مهرب جغرافي في الميدان ومهرب معنوي أنه لن يُقتل ولن يُؤذى إن سلم سلاحه ونفسه.

ولا بد أن يكون المهرب الثاني أشد ضمانا وأماناً للمقاتل ...فالمهرب الأول سيكون إلى صفوف النظام الخلفية حيث الإرغام والخطر والذلة وتكرار الزج في خطوط النار... فإذا تأكد هذا المقاتل أن المهرب الثاني يفضي إلى مأمنه فسيسعى له ويبقى على الثوار المقاتلين أن ينظّموا خطواتهم في هذا الأمر ليكون وفق برنامج منظم مدروس يُخضعون المقاتلين فيه إلى تدريبات وتطبيقات مبتكرة ومُجدية...لقد أبهرنا الذي كان ينادي على المقاتلين المختبئين وهو يقنعهم ويعطيهم الأمان ويخاطبهم بلفظ "أخي" حتى استسلم على يديه أكثر من سبعة عشر مقاتلاً.

لابد أن يكون هناك نهج وتطبيق عند الثوار المقاتلين عنوانه: "أبلغه مأمنه" وفق معنيين...

أن يوصل الثوار صوتهم إليه فيبلغونه أنه آمن إن ألقى سلاحه واستسلم، وأن يوصلوه ليبلغ مكاناً آمناً له دون ذلة أو أذى إن انشق وترك صفوف النظام قبل أن يقدر الثوار عليه.

إنه أمر استراتيجي هام قد يصل إلى تغيير كبير في ميزان القوى والمعادلة العسكرية على الأرض.

أبلغوا المقاتل المرغم في صفوف العدو مأمنه واجعلوا له مخرجاً ومهرباً ويُسراً إلا من ظلم واستمر.