الخميس 2017/08/10

كرة القدم بين المدرجات الرياضية والمنصات السياسية…

يراها المتابع العادي متنفسا له من مشاغل الحياة ومتاعبها ويجد بها رؤساء الشركات مكانا للاستثمار ويلجأ لها الموظفون لتكون مصدراً للرزق ويمتهنها اللاعبون مهنة تلبي شغفهم.

ولأنها مرتبطة بكل صغيرة وكبيرة في حياتنا اليومية منذ نشأتها، سنسلط الضوء في هذا المقال عن بعض الأمثلة التي تدمج الرياضة مع جانب آخر من جوانب الحياة لربما يراها الكثيرون بعيدا عنها لكن في الحالات التي سنسردها سنرى أن السياسة جزء من الرياضة.

ففي عام 1934 استقبلت الحكومة الفاشية في إيطاليا كأس العالم في ثاني نسخه وفازت بالبطولة ليستغل الزعيم موسوليني هذا الحدث ويقول لشعبه هذه البطولة هي نتاج للعمل الجاد الذي قام به هو وحزبه.

مع بداية الأربيعنات اشتعلت الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي والمعسكر الرأسمالي بقيادة أمريكا.

انتقل هذا الصراع إلى نهائي كأس العالم 1954 بين ألمانيا الغربية التي تمثل الرأسماليين والمجر الشيوعية.

رغم أن الشيوعيين انتصروا في الدور الأول وهزموا الألمان بنتيجة 8-3 وأنهم كانوا الفريق الأفضل في البطولة إلا أن المعجزة حدثت وانتصر المعسكر الغربي بنتيجة 3/2.

العلاقة المتوترة بين ألمانيا وإنكلترا منذ القدم يتحرى الهوليغانز استفزاز عشاق المانشافت بالغناء عن حربين عالميتين وكأس عالم ويقصدون بها نهائي ويمبلي 1966 الذي شهد انتصار الإنكليز بعد التمديد بنتيجة 4/2.

وبالطرف الثاني من العالم وتحديدا أمريكا الشمالية كانت مباراة التصفيات بين هندوراس وجارتها السلفادور الشعر التي أشعلت الحرب بعد علاقة متوترة طويلة جدا بين الدولتين المتلاصقتين.

ولا تقتصر العلاقة بين الكرة والسياسية على المشاكل الخارجية بل هي أداة تستخدم بين الحكومات والشعوب.

في الدوري الروسي الممتاز فريق من فرق الوسط يسمى "روبين كازان" من إقليم تتارستان، هذا الإقليم في توترات شديدة ومطالبة بالانفصال عن الجمهورية الاتحادية والانضمام لأذربيجان.

في منتصف عام 2008 وتقريبا بعد عشرة جولات من منافسات الدوري الروسي الممتاز اندلعت مظاهرات في الإقليم الواقع على السفوح الغربية لجبال الأورال.

فسلكت الحكومة الروسية طريق كرة القدم وسهلت على فريق العاصمة التترية الحصول على لقب الدوري الروسي للمرة الأولى في تاريخه وبهذه الطريقة نجحت حكومة الرئيس ديمتري ميدفيدف بإخماد نيران الثورة.

أيضاً الجماهير استخدمت الملاعب على مدى سنوات طويلة مدرجات الملاعب لإيصال صوتها لرؤوس الأنظمة الحاكمة في مصر منذ تأسيس ناديي الأهلي والزمالك كان الفريقين الأكبر وهذا هو الحال حتى يومنا الحالي جماهير الأبيض كانت من الطبقة الغنية التي كانت تربطها علاقة وثيقة بالحركات الداعمة للاستعمار والنظام الملكي.

أما جماهير الأحمر كانوا من الطلاب الثوريين بل أكثر من ذلك الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان يتفاخر بانتمائه لهذا النادي الذي ترأسه في أحد الأيام والألتراس الخاص بالفريقين لطالما كان صوتا للشعب في مهاجمة الفساد المتفشي داخل أروقة الحكم وتجلى ذلك في أحداث ثورة 15 يناير فالتنظيم العالي للالتراس انعكس على ميادين الاعتصامات.

أما عن الدول التي تحكمها عوائل مالكة كالسعودية فكانت الجماهير تستغل المباريات الكبرى لتوجيه النقد اللاذع للعائلة المالكة بل وقد تصل إلى أن يرشق الأمراء بقوارير الماء وولاعات السجائر وكانت الجماهير الغاضبة وراء استقالة رئيس اتحاد الكرة عام 2012.

والحال ذاته في المغرب والأردن الجماهير توصل رسائلها لأعضاء البرلمانات من ذات المنبر .

الجماهير الأوكرانية هي الأخرى تستغل المناسبات التي تجمعها بالفرق الروسية للتعبير عن غضبها من تصرفات الحكومة الروسية حيال شبه جزيرة القرم.

في إيران يعتبر جماهير فريق تبريز ممثلة للعرق الأذري ودائما ماتكون محركا للمظاهرات المطالبة بتوحيد محافظة أذربيجان الشرقية مع دولة أذربيجان والانفصال عن إيران والحادثة المعروفة في جنازة اللاعب الراحل ناصر حجازي الذي كان يعرف بمعارضته للرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد التي تحولت إلى مظاهرة ضد الأخير.

الجماهير ذاتها كانت داعما لبعض السياسيين في حملاتهم الانتخابية على جميع محاور الحكم من برلمانات ومجالس بلدية وحتى السباقات نحو كرسي الحكم فالرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك كان يولي اهتماما كبيرا للرياضة لمعرفته بأهمية القاعدة الجماهيرية في الميادين الرياضية.

والرئيس الفرنسي الذي اعتمد في حملته الانتخابية عام 1998 على لقب المونديال الفرنسي في حملته الدعائية.

وفي الاتجاه المقابل استغل كثير من الرياضيين شهرتهم الرياضية الواسعة للوصول إلى مناصب حكومية.

ومن أشهر هذه الأسماء الجوهرة السوداء بيليه الذي أجبر الحكومة البرازيلية على اختراع منصب وزير الرياضية ومنحه هذه الحقبة عام 1995 قبل أن يستقيل بيليه ويتم إلغاء هذا المنصب ودمجه بوزارة التعليم.

روماريو النجم البرازيلي استغل شهرته ليصبح نائبا برلمانيا عام 2010 ليقود حملة ضد الفساد ويقف مع الفقراء الذين عانوا من الصرف الباهض من قبل الحكومة لتلبية متطلبات الفيفا من أجل استقبال كأس العالم 2014

وليترشح عام 2016 لمنصب عمدة ريو دي جانيرو ولكنه سقط في الانتخابات.

جورج وياه النجم الليبيري صاحب الكرة الذهبية الإفريقية الوحيدة حاول استغلال شعبيته للوصول إلى سدة الحكم عام 2006 إلا أنها لم تكفيه ليخسر في المنافسة على كرسي الحكم في آخر جولة.

نجم ميلان أندريه شيفشينكو هو الآخر حاول الوصول إلى عضوية مجلس الشعب ولكن مصيره كان هو مصير زميله جورج وياه.

يبدو أن نادي ميلان كان يعلم السياسة في غرف الملابس فالمدافع الجورجي كاخا كالادزه المتوج بدوري الأبطال 2003 أصبح وزيرا للطاقة في بلده بالإضافة لكونه عضوا برلمانيا.

في عام 2013 صاحب الشعر الأصفر كارلوس فالديراما الكولومبي ترشح لعضوية مجلس الشيوخ الفنزويلي ممثلاً للحزب الحاكم وظفر بها فعلا.

إيريك كانتونا نجم المانيو وصاحب التجارب الهوليودية بطل العالم في إثارة الجدل حاول المشاركة في انتخابات الإيليزيه لكنه فشل في تحقيق الشروط.

بين اختلاف ألوان الإستغلالات السياسية أسود وأبيض نجد الوضوح في ثقل الجماهير العاشقة في أروقة السياسة ودورها الكبير مهما حاول السياسيين إيقافها وإخماد هذه النار المشتعلة إلا أنها ستظل كما كانت دائما متنفسا للشعوب وطريقا لإعلاء صوت الحق .