السبت 2017/08/12

تطور كرة القدم من …. إلى…

هي أكثر من مجرد لعبة، نمط حياة ، شغف، جنون،وعشق...

والكثير من العواطف بل إنها أكثر من ذلك بكثير فهي إحدى العلوم الحديثة التي تتطور مع التقدم بالزمن.

مع بداية الثلاثينيات كان الأسلوب المتبع هو الأسلوب البرازيلي 4-2-4, و4-2-2-2 المبالغ فيه هجوميا.

مع تطور اللعبة وتعديل القوانين كان لابد لهذا التكتيك أن يتطور فنتج عنه الخطة 4-4-2 قلبي دفاع وظهيرين دفاعيين بحتين ولاعب محور يميل للدفاع ولاعبي أجنحة على جانبي دائرة المركز وصانع ألعاب خلف مهاجمين أحدهما متحرك يقلب الرسم بين 4-4-1-1 و 4-4-2

والمهاجم الثاني هو اللاعب رقم 9 هداف الفريق الأول مهمته التسجيل واستغلال أنصاف الفرص .

سيطر هذا الأسلوب على الكرة العالمية حتى منتصف الثمانينيات عندما قرر بيلاردو مدرب الأرجنتين اللعب بـ 3-5-2 ليبرو يتأخر عن قلبي الدفاع بأمتار قليلة ولاعبي الارتكاز ، الأول ثابت في منتصف الملعب بينما يميل الثاني للأطراف وجناحان يغطيان طول الملعب بين الدفاع والهجوم وصانع اللعب رقم 10 محور الخطة وهداف الفريق المستفيد من تحرك المهاجمين.

رغم كل الانتقادات التي تعرض لها بيلاردو كان يبرر بأنه من الصعب مواجهة فرق أوروبا التي تتمتع بخطوط دفاع صلبة بالهجوم التقليدي وأن وجود لاعب زائد في المنتصف سيعطي الحرية لمارادونا للتوغل والتسجيل.

أوتي هذا الأسلوب أُكُلَهُ في مونديال "دييغو اراماندو مارادونا" عام 86 وبدأت الخطة تكتسح أوروبا وإيطاليا على وجه الخصوص وسطع نجم الهداف رقم 10 إلى جانب انتشار الكرة الشاملة في هولندا وإسبانيا.

جميع هذه العوامل كادت أن تؤدي إلى اندثار الأسلوب التقليدي 4-4-2.

إلى أن وصل الشخص الذي يعتبر بشكل أساسي من وجهة نظر شخصية قائد الحملة التي وأدت هذه الثورة "أريغو ساكي".

هذا الرجل الذي لم يحترف بلعب الكرة وصل إلى ميلان وكرة القدم في أوج مراحل تطورها التكتيكي الجديد الذي يكتسح إيطاليا ومارادونا وبلاتيني يسرحان ويمرحان في الكالتشيو .

كان عليه أن يفتح طريقاً جديداً ليتغلب على أسلوب الكثافة العددية وصراع خط الوسط الذي يعتمد على القوة البدنية في المقام الأول، أو أن يفتح طرقا قديمة ببعض الإصلاحات وهذا ما فعله بالعودة إلى 4-4-2 مع إضفاء الروح الجماعية على اللعب بشكل أكبر وأن يسلك طريق اللعب كمنظومة كاملة، أول المدافعين هو أول المهاجمين ويبدأ الهجوم من قلب الدفاع مع وجود حارس مرمى يجيد اللعب بالقدمين وظهيرين يقومان بالدفاع والهجوم معاً لاعب خط الارتكاز أصبح له مهام أخرى غير الدفاع أصبح صلة وصل بين نصفي الملعب يتبادل لاعبي أطراف المنتصف المواقع طيلة المباراة والعودة للمهاجمين بالوظائف القديمة أحدهما لا يهدأ داخل المنطقة والآخر يسجل من أشباه الفرص.

وتستطيع ملاحظة الأسلوب الجماعي إذا نظرت إلى تحرك الفريق بالكامل في ثلاث مربعات وهمية يتحرك فيها  بكافة خطوط الملعب فتراه كأنه قطعة واحدة يتنقل في تلك المربعات.

بالإضافة للتحكم بمصيدة التسلل بإيقاف المدافعين على خط واحد ، ولأن اللاعبين كانوا يجيدون التحرك بدون الكرة كان ذلك سهلا كيف لا يجيدونه وقد كانت تدريبات الفريق بإسلوب "كرة الشبح" حيث يجري الفريق كله نحو كرة ليست موجودة أصلاً في الملعب والجميع يعرف قصة كشف أحد الفرق المنافسة حين عاد إلى فريقه ووصف تدريب الميلان أنهم "يلاعبون أشباح".

جنى العبقري الإيطالي ثمار هذا الجهد بتحقيق الدوري عام 88 والفوز بأبطال أوروبا موسمي 89-90 على بوخارست وبنفيكا.

عادت الـ 4-4-2 إلى أرضيات ملاعب أوروبا مع احتفاظ بعض الفرق بأسلوب الكرة الشاملة حتى نهائي دوري الأبطال 94 ميلان ساكي واأقول هنا ميلان ساكي لأن كابيلو كان يحارب بسيف ساكي ضد برشلونة كرويف عبقري الكرة الشاملة التي انتصر فيها الإيطالي بأربعة أهداف نظيفة لتختفي الكرة الشاملة من خريطة الكرة الأوروبية.

بالتزامن مع هذه الأحداث بدأ نجم الهداف رقم 9 بالسطوع، رأس الحربة الصريح، الهداف الشره الذي يصنع لنفسه الفرص وشهدت أوروبا في تلك الفترة وفرة بهذا المركز.

فترة سُجِلَت فيها أرقام شخصية مخيفة من المهاجمين امتدت لأكثر من عشر سنوات.

مع مرور الأيام بدأ هذا السطوع يخفت شيئا فشيئا حتى وصل لمرحلة الندرة في عام 2010 ويعود السبب في ذلك برأيي لعاملين مهمين:

انخفاض جودة رؤوس الحربة والسبب الأهم ظهور الجناح الهداف وخاصة ميسي ورونالدو قطبي الكرة أجنحة بمواصفات كبيرة السرعة، القدرة على المراوغة، ودقة التصويب جعلت من المدربين يفكرون في إيجاد وظيفة أكبر من وظيفتهم التقليدية.

في موسم 2010 عانى بيب غوارديولا من بطء إبراهيموفيتش، فقرر أن يصنع من ليو ميسي جناحا هدافا.

أصبحت مهمة السلطان تكتيكية بحتة لم تعد مهمته التسجيل بل أصبحت تعبيد الطريق للبرغوث بالتحرك من دون كرة والتمركز داخل المنطقة أو على القوس مما يسهل عبور ميسي لداخل الصندوق و هذا ما أدى إلى استياء إبرا وتركه للفريق فيما بعد.

كذلك في أول مواسم مورينيو مع الميرينغي لاحظنا الشيء ذاته مع بنزيمة والتورنادو البرتغالي حيث أن هداف ليون والشاب هيغوايين لم يعودا يتمتعان بذلك الزخم التهديفي ليس بسبب تراجع مستواهما ولكن بسبب التوظيف الجديد لرأس الحربة الذي أصبح صانعا للمساحات بينما ارتفعت نسبة تسجيل رونالدو بشكل ملحوظ.

الآن وصلنا إلى مرحلة أن غالبية الفرق تلعب بخطة 4-2-3-1 المرنة تكتيكيا والتي تعتمد على انطلاقات الأجنحة والدخول من الأطراف إلى العمق وأصبح المهاجم الهداف عملة نادرة جدا فالفرق باتت تبحث عن لاعب يجيد التحرك بدون كرة وخلق المداخل للأجنحة إلى داخل منطقة العمليات.

ميسي ورونالدو كانا نقطة تحول في عالم الجلد المدور صحيح أنهما استفادا من التوظيف الجديد ولكن من دونهما لم يكن ليوجد هذا التكتيك أصلا وفائدة فريقهما منهما أعتقد أنها أكبر بكثير.

كنا محظوظين أننا شهدنا هذه النقلة النوعية في تكتيكات كرة القدم ولم نكتفي بالقراءة عنها وقد نكون محظوظين أكثر لأن اعتزال هذين الأسطورتين لم يعد بعيدا وهذا سيفسح المجال لوجود أساليب جديدة خاصة بعد أن بتنا نشاهد أسماء شابة في عالم التدريب وقد يكون قائد هذه الثورة ممن يقرأ هذا المقال من هنا لذاك الوقت دعونا نستمتع بسحر هذين اللاعبين بلا تعصب.