الأحد 2019/01/20

صحيفة تركية تجري لقاء مع أطفال سوريين هجر النظام عائلاتهم

أجرت صحيفة تركية عدة لقاءات مع أطفال سوريين أشاروا خلالها إلى أنهم لا يملكون أية ذكرى متعلقة ببلدهم الأم سوريا جراء اضطرار عائلاتهم للهجرة وهم في سن مبكرة جداً، حيث ترعرعوا وسط الثقافة التركية، وباتوا يشعرون بالانتماء إلى تركيا.

وبحسب ما ترجمه موقع "الجسر تورك" عن صحيفة حرييت التركية، فإن تركيا تحتضن اليوم مليون و 646 ألف و 53 طفلاً سورياً، وشهدت الفترة الممتدة بين شهر أيار من غام 2011 حتى شهر كانون الثاني من العام الحالي ولادة 410 آلاف طفل سوري على الأراضي التركية، وذلك وفقاً للإحصائيات الرسمية التي أعلنت عنها المديرية العامة للهجرة.

وتحدثت الصحيفة إلى الطفلة السورية مريم (8 أعوام) التي قدمت إلى تركيا برفقة عائلتها قبل خمسة أعوام، حيث قالت: "لا أذكر بالضبط من أين أتينا، جلّ ما أتذكره أصوات الرصاص والمدفعية، أذهب اليوم إلى المدرسة، وصديقتي المقربة تركية تدعى ياغمور، بقية أصدقائي جميعهم سوريون، حدثتني والدتي عن منزلنا القديم في سوريا، قالت لي إنه واسع وجميل للغاية، أما اليوم فمنزلنا صغير جداً في تركيا".

أما الطفل محمد (11 عاماً) فقد جاء إلى تركيا برفقة عائلته حينما كان يبلغ من العمر 3 أعوام فقط، تحدث قائلاً: "لا أذكر سوريا إطلاقاً، والدتي تقول إننا لن نعود إلى هناك، لكني لا أعلم بالأصل أين تقع سوريا، أعرف هذا الشارع فقط لأني كبرت هنا، كنت أذهب في العام الماضي إلى المدرسة غير أن المعلم لم يعاملني بشكل جيد كزملائي الأتراك، كان يضربني ويغضب مني بشكل مستمر، وكان يعامل الطلبة الأتراك بشكل أفضل، لكنني ولدت هنا، وأتحدث التركية شأني شأنهم، نحن سعداء في تركيا ولن نعود".

أما أحمد البالغ من العمر 10 أعوام فقد قدم من حلب برفقة عائلته قبل 5 أعوام، وأشار إلى أنهم يقيمون اليوم في منزل صغير جداً، وتابع قائلاً: "الجوار هنا لا يحبوننا، يدعوني دائما (بالسوري عديم القيمة) ويضحكون، لم يقدموا المساعدة لنا إطلاقاً، ويغضبون منا فور إصدارنا أي صوت في المنزل".

بدورها حصلت الطفلة نسرين على الجنسية التركية بفضل والدها التركي، تحدثت قائلة: "قدمنا من حلب قبل 5 أعوام، لا أملك ذكرى جميلة في سوريا، لكني أذكر لحظة قصف الطائرة لإحدى المدارس هناك، كنت برفقة شقيقتي الكبرى متجهين إلى منزل عمي، شعرنا حينها بخوف كبير، وقدمنا بعدها جميعاً إلى تركيا، في البداية أقمنا في غازي عنتاب، من ثم انتقلنا إلى عثمانية، واليوم نعيش في اسطنبول، تزوجت والدتي من تركي هنا، وحصلت على الجنسية بفضل والدي التركي".

أما الطفلة صبرية (8 أعوام) لم تر سوريا إطلاقاً، أشارت إلى أنها تنحدر من تركيا في حين أن والداها سوريين، وتابعت قائلة: "يقومون بتصوير مسلسل تلفزيوني (الحفرة) داخل حيّنا، أعمل بعد خروجي من المدرسة كدليلة للزوار الذين يأتون لرؤية موقع التصوير ومنازل الممثلين، لم أر سوريا على الإطلاق، والداي سوريان أما أنا فأنحدر من تركيا".

محمد البالغ من العمر 16 عاماً تعرض لإصابة خلال قصف مدفعي طال منزلهم في حلب ما اضطره للخضوع لعمل جراحي، وقدم إلى تركيا قبل 8 أعوام برفقة بقية أفراد عائلته، تحدث للصحيفة قائلاً: "لم نعد قادرين على العودة إلى حلب فمنزلنا بات دون سقف، أذهب إلى المدرسة ولدي أصدقاء أتراك، في الواقع أشعر أني تركي، ولا يميّز أحد أني سوري إذا لم أخبره أنا بذلك".

أما زهرة (13 عاماً) جاءت إلى تركيا وهي في الخامسة من عمرها، ولا تذكر شيئاً كثيراً حول سوريا، تابعت قائلة: "والدتي تحدثني دائما عن سوريا، وعائلتي لا تفكر بالعودة، لكن لو قرروا العودة إلى هناك في يوم من الأيام فأنا لا أرغب بذلك، لقد ترعرعت هنا واعتدت على تركيا، كما أني أملك عدداً كبيراً من الأصدقاء، أشعر كما لو أني أنتمي إلى تركيا، وحينما يسألني أحدهم أجيبهم بأني تركية".

وتحدّث بدوره البروفيسور "مراد أردوغان" مؤسس مركز أبحاث الهجرة في جامعة هاجيتيبيه في العاصمة أنقرة للصحيفة بعد إطلاعه على مقابلاتها مع الأطفال قائلاً: "حتى عام 2015 كان هنالك إمكانية لعودة السوريين إلى بلادهم لكن منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا حدثت الكثير من التغييرات، إذ تحولت سوريا إلى ساحة صراع للقوى الكبيرة، وبات البلد في حالة خراب، كما أن الكثير من السوريين بدؤوا بتأسيس حياة جديدة لهم في تركيا، العودة باتت مستحيلة، والأطفال يعلمون ذلك أيضاً، فقط في عام 2018 المنصرم وُلد 140-150 ألف طفل سوري على الأراضي التركية، قلتُ سابقاً بأن 80 بالمئة من السوريين سيبقون في تركيا، أما اليوم يمكنني القول أن 90 بالمئة منهم سيبقون".

وأشار مراد إلى وجود جيل ضائع مؤلف من نحو مليون طفل سوري لا يذهبون إلى المدرسة اليوم، مضيفاً أن هذه القضية باتت حساسة للغاية وتمس المستقبل التركي، وأن عملية الاندماج لا تتمحور حول السوريين فحسب، إذ أن هؤلاء الأطفال ليسوا جزءاً من الحرب، ولم يختار أي أحد منهم إقامته هنا في تركيا بمحض إرادته، مردفاً: "نحن بحاجة إلى إيلاء اهتمام أكبر تجاه الأطفال من أجل مستقبلنا من خلال ضمان حياة كريمة لهم، ومنع هذا الجيل الضائع من التوسع".

بدورها أشارت البروفيسورة "شبنم كوشر أكشابار" العضوة في هيئة تأسيس مركز أبحاث الهجرة في جامعة كوش بولاية اسطنبول إلى أن نحو 350-390 طفلا سوريا يولد بشكل يومي في تركيا، مضيفة أن بعض المدارس تشهد حالات من التمييز والاستبعاد الاجتماعي، حيث يرجع سبب ذلك إلى التقوقع، واضطرار بعض العائلات اللاجئة للإقامة في أحياء منخفضة المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ما تسبب بإدخالها في حالة من عدم التساوي الاجتماعي.

وتابعت أكشابار أن 96 بالمئة من السوريين يقيمون اليوم في مدن تركية، غير أنهم يعيشون دون اختلاط أو تلاحم كبير مع المجتمع، ومن الضروري تحديد مشاكل واحتياجات المجموعات المختلفة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بدلاً من اتباع سياسة موحدة مع الجميع.

وأشارت إلى ضرورة تدريب السوريين وتأمين فرص عمل لائقة لهم لضمان الاكتفاء الذاتي، مضيفة في ختام حديثها: "شئنا أم ابينا تركيا بلد هجرة، ويتوجب علينا إدارتها بشكل جيد".