الثلاثاء 2017/09/19

واشنطن بوست … وعود محمد بن سلمان تحولت إلى “اعتقالات” !

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالا للكاتب والصحافي السعودي جمال خاشقجي، يتحدث فيه عن حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت عددا من المثقفين ورجال الدين في المملكة.

يتساءل خاشقجي في مستهل المقال: «عندما أتحدث عن الخوف والتهديد والاعتقالات والتشهير بمثقفين ورجال دين كان لديهم الجرأة ليعبروا عن رأيهم، ثم بعد ذلك أخبركم أنني سعودي، هل تتفاجئون؟»

مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، وعد بتبني إصلاحات اجتماعية واقتصادية –يقول خاشقجي- قد تحدث عن جعل بلادنا أكثر انفتاحًا وتسامحًا، ووعد أيضًا بأنه سيحدد الأمور التي تقوض تقدمنا، مثل حظر المرأة من قيادة السيارة.

وأضاف الكاتب: «لكن كل ما أراه الآن هو الاعتقالات». ويشير إلى أنه في الأسبوع الماضي تداولت التقارير القبض على 30 شخصًا من قبل السلطات السعودية، تمهيدًا لصعود ولي العهد إلى عرش المملكة. «بعض هؤلاء الأشخاص الموقوفين هم من أصدقائي الأخيار». إن ما حدث يعد تشهيرًا بمثقفين ورجال دين تجرؤوا على التعبير عن رأيهم بما يخالف حكام الدولة –بحسب تعبير الكاتب.

يقول خاشقجي أن المشهد كان دراماتيكيًا إلى حد كبير، إذ احتل رجال الأمن الملثمين المنازل حاملين كاميرات، صوروا بها كل ما حدث، وصادروا ممتلكات الأشخاص من أوراق وكتب وأجهزة كمبيوتر. ويشير الكاتب إلى أن الموقوفين وجهت لهم تهم تتمثل في تلقي أموال قطرية، بالإضافة إلى كونهم جزءًا من مؤامرة مدعومة من قطر، ويقول: «فيما اختار عدد آخر -ضمنهم أنا- المنفى طوعًا، وربما نواجه القبض علينا في حال عودتنا إلى الوطن».

يستطرد الكاتب: «إنه يؤلمني حينما أتحدث إلى أصدقاء سعوديين في إسطنبول أو لندن ممن هم في منفى اختياري أيضًا. سبعة منا على الأقل، يتسائلون هل نحن نشهد الآن شتات سعودي؟ نقضي ساعات لا حصر لها نتحدث مع بعضنا هاتفيًا نحاول أن نفهم موجة الاعتقالات التي طالت صديقي رجل الأعمال وأحد مشاهير تويتر المثقفين عصام الزامل». كان الزامل عاد إلى السعودية قادمًا من الولايات المتحدة منذ الثلاثاء الماضي فقط، إذ كان في بعثة سعودية رسمية –يقول الكاتب- فبهذه السرعة الخاطفة قد تُسقطك المملكة من حساباتها. يضيف خاشقجي: «إن الأمر كله صادم إلى حد كبير، لكن ذلك لم يكن معتادًا في بلادي».

ويحكي الكاتب ما حدث معه عام 2003 وتكرر عام 2010، حينما أقيل من عمله رئيسًا للتحرير في صحيفة الوطن «المتحررة» -حسب تعبيره. ويشير إلى أنه خلال الفترة ما بين هذين العامين، عمل كمستشار إعلامي للأمير تركي الفيصل، سفير السعودية في بريطانيا ثم في الولايات المتحدة. «ربما يبدو الأمر غريبًا أن تقيلك الحكومة ثم تعمل في خدمتها في الخارج. حقيقة تلك هي المفارقة السعودية».

وبكلمات أوضح –يقول خاشقجي- تحاول المملكة جعل وجهات النظر المتطرفة لكل من الإصلاحيين الليبراليين، والدعاة المحافظين، أكثر اعتدالًا. لكن حملة الاعتقالات تجاوزت هذا الهدف.

يتساءل الكاتب عن سبب تفشي أجواء الخوف والتهديد في الوقت الذي يطلق فيه قائد شاب وذي كاريزما وعودًا بإصلاحات -طال انتظارها- لتدفع بالنمو والتنوع الاقتصادي. ويقول خاشقجي: «إن ولي العهد له شعبية، وخطته الإصلاحية لاقت دعم وتأييد معظم هؤلاء الثلاثين، من الدعاة الدينيين والكتاب ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتقلتهم السلطات في منتصف الليل».

ينتقل الكاتب للحديث عن عدد من السياسات الجديدة المتطرفة التي أقرتها السعودية، بداية من المعارضة الكاملة للإسلاميين، وحتى تشجيع المواطنين على تسليم أسماء بعينها إلى الحكومة ليكونوا ضمن القائمة السوداء. يقول خاشقجي: «هؤلاء الموقوفون كانوا ضمن القائمة. لقد طالب مرارًا عدد من الصحافيين المقربين من القصر الملكي بـ(إبادة) الإسلاميين. إنه ليس سرًا أمر كراهية ولي العهد لجماعة الإخوان المسلمين، لكن مع ذلك فإنه من الغريب والصعب تصنيف أحدهم على أنه ناشط من الإخوان المسلمين».

يقول خاشقجي أنه دائمًا ما يجد الأمر مثيرًا للسخرية حينما يوجه مسؤول سعودي اللكمات للإسلاميين، بينما تستمد السعودية سياساتها كاملة من الإسلام، حتى أنها توصف بأنها دولة إسلامية في «قوانينها العليا». ويقول: «نحن نتجنب مصطلح (دستور) بسبب ما ينطوي عليه هذا المصطلح من تفسير علماني، وغالبًا ما نقول أن القرآن هو دستورنا».

بغض النظر عمن تستهدفهم السلطة، فإن ما يحدث ليس ما تحتاجه السعودية في الوقت الراهن –يقول خاشقجي- فنحن بصدد تغير اقتصادي يدعمه الشعب، تغير سيحررنا من الاعتماد الكامل على النفط، وإرساء ثقافة العمل والإنتاج. ويصف الكاتب هذه العملية بأنها مؤلمة.

ويقول: «إن أفضل من خدم محمد بن سلمان هم أصحاب الآراء المشجعة والبناءة والمتنوعة من المشاهير مثل عصام الزامل ورجال اقتصاد آخرين، ودعاة، ومثقفين، ورجال أعمال، ممن طالتهم تلك الاعتقالات».

ويصف خاشقجي ما يشعر به هو وأصدقائه ممن هم خارج المملكة، بأنهم عاجزين ومغلوب على أمرهم، فهم يريدون أن يروا بلادهم تنمو، و«رؤية 2030» تتحقق. ويؤكد أنهم ليسوا معارضين لحكومتهم بل أنهم يولون عناية فائقة للمملكة، ويقول: «إنها الوطن الوحيد الذي نعرفه ونريده، ومع ذلك فنحن نعتبر الأعداء».

ويسرد الكاتب كيف ضغط النظام السعودي على واحدة من الصحف العربية اليومية الأوسع انتشارًا وهي «الحياة اللندنية»؛ حتى حذفت العمود المخصص له. كما حظرت الحكومة حساب الكاتب على موقع التغريد «تويتر» حينما حذر من الحماس المفرط تجاه الرئيس المنتخب –حينها- دونالد ترامب. ويقول: «لقد قضيت 6 شهور في صمت، عاكسًا لحالة بلادي».

وأضاف خاشقجي: «إن الأمر كان مؤلمًا بالنسبة لي، منذ سنوات، حينما اعتقلت السلطات عددًا من أصدقائي. لم أقل شيئًا حينها، لم أكن أريد أن أخسر وظيفتي أو حريتي، كنت قلقًا على أسرتي».

واختتم الصحافي جمال خاشقجي مقاله قائلًا: «لقد تحولت عن قراري الآن، لقد تركت وطني وأسرتي وعملي، وسيعلو صوتي. فأي شيء أفعله خلاف ذلك يعتبر خيانة لمن هم قابعين في السجن. أنا أستطيع الحديث في حين أن آخرين كثيرين لا يمكنهم ذلك، أريدكم أن تعلموا أن السعودية لم تكن دومًا على الحال التي هي عليه الآن، نحن السعوديين نستحق الأفضل».