الأحد 2018/05/20

واشنطن بوست: البغدادي على قيد الحياة ويدير مهمة “تقشعر لها الأبدان”

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا، تكشف فيه عن معلومات جديدة عن زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، نقلا عن مصادر في الاستخبارات الأمريكية.

ويؤكد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أن البغدادي على قيد الحياة، وبأنه يعمل على استراتيجية جديدة طويلة الأمد للتنظيم.

وتنقل الصحيفة عن مسؤولين استخباراتيين أمريكيين، قولهم إن البغدادي يسعى، على ما يبدو، إلى طرح استراتيجية طويلة الأمد سوف تتيح لتنظيمه البقاء، على الرغم من الانتصار عليه عسكريا في سوريا والعراق.

وبحسب التقرير، فالبغدادي منشغل بالتحضير لمهمة كبيرة، مشيرا إلى اجتماع دعا إليه البغدادي في العام الماضي قرب دير الزور، وشارك فيه أبرز قادة تنظيمه، في وقت انهارت فيه مناطق "الخلافة" في العراق، أما في سوريا فإن عاصمتها كانت تحت الحصار.

وتشير الصحيفة إلى أن زعيم تنظيم الدولة انشغل في ذلك الوقت ليس بتراجع حظوظ تنظيمه، بل بما يدرسه الأطفال، حيث قال مسؤول في التنظيم، اعتقل في عملية تركية عراقية مشتركة في بداية هذا العام، إن البغدادي كان يريد تغيير المقرر التعليمي، مستدركة بأنه رغم ما كان يعيشه التنظيم من مخاطر، فإن البغدادي أراد بحث موضوع لا علاقة له بإنقاذ جماعته، بقدر ما يمت بصلة للأيديولوجيا.

ويورد التقرير اعتراف أبي زيد العراقي، الذي بث على التلفزيون العراقي، حيث حضر الاجتماع بصفته رئيسا للجنة المقررات المدرسية، ويعتقد أن اللقاء تم في منتصف عام 2017، وهو الاجتماع الثالث للجنة التي أنشأها البغدادي، وكانت من أهم المشاريع المحبذة إليه.

وتعلق الصحيفة قائلة إن هذا الأمر يقدم رؤية عن حياة رجل ظهر مرة واحدة علنا، والتقطت له صورة في حزيران/ يونيو 2014، ولم يتحدث إلا مرات قليلة منذ ذلك الوقت، وهو ما أدى إلى انتشار عدد من التقارير التي تحدثت عن وفاته، أو إصابته بجراح خطيرة، وحتى شلله.

ويستدرك التقرير بأن مسؤولي مكافحة الإرهاب الأمريكيين يعتقدون أن البغدادي لا يزال على قيد الحياة، ويدير العمليات والخطط الاستراتيجية طويلة الأمد للتنظيم.

وتكشف الصحيفة عن أن رأي المسؤولين تدعمه الرسائل التي تنصتت عليها الاستخبارات الأمريكية، بالإضافة إلى التحقيقات التي جرت مع معتقلي تنظيمه، وكذلك البيانات والكتابات التي قدمها ناشطو التنظيم.

ويجد التقرير أن "الأدلة تظل غير مكتملة، ومن الصعب التأكد منها، إلا أنها تصور زعيما اختار أن يظل غير مرئي حتى داخل منظمته، وهو قرار أدى إلى ظهور شكاوى بين أتباعه، وأثر في قدرته على تعبئة قواته المحاصرة".

وتقول الصحيفة إن الرسائل التي تم التنصت عليها تشير إلى أن البغدادي حوّل انتباهه في الأشهر الأخيرة لرسم إطار أيديولوجي يبقى بعد نهاية الوجود الحقيقي للخلافة، فبالإضافة إلى جهوده تعديل المقرر التعليمي، فإن البغدادي كان مسؤولا عن سلسلة من الخطابات التي حاول فيها وضع حد للخلافات الأيديولوجية داخل فصائل التنظيم.

ويذهب التقرير إلى أن هذا كله يعني انسحابا منضبطا، وتهيئة الظروف للتحول من "الخلافة" إلى حركة تمرد سرية وإرهابية دولية، بحسب ما يقوله المسؤولون الأمريكيون السابقون والحاليون.

وتنقل الصحيفة عن نيكولاس راسموسين، الذي عمل مديرا للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب حتى كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، قوله: "حتى عندما كانوا يخسرون الموصل والرقة، فإن هناك إشارات إلى خططهم للعمل من جديد بصفتهم حركة سرية.. ومع طردهم من هذه الأماكن فإنهم قد خلفوا وراءهم نوعا من الخلايا".

ويؤكد التقرير هذه الاستراتيجية الجديدة من خلال الاتصال مع ناشط قدم نفسه على أنه من التنظيم، وذلك عبر الرسائل المشفرة، وقال إن البغدادي قرر، مع عدد آخر من قادة التنظيم البارزين، التركيز على تثقيف الأطفال وتجنيدهم داخل العراق وسوريا وخارجهما من خلال الإنترنت، لافتا إلى أن الجهود اتخذت طابعا مهما بعدما اكتشفوا أن الجيوب التي سيطر عليها التنظيم لن تبقى.

وقال الناشط للصحيفة: "اقتنعت القيادة أنه لو اختفت الدولة فإن فكرة الخلافة ستبقى على قيد الحياة طالما استمروا في التأثير على الجيل القادم"، وأضاف: "بناء على تعليمات البغدادي، فإنه سيتم زرع فكرة الخلافة في الأمة ولن تختفي".

وتفيد الصحيفة بأن لقاء دير الزور كان واحدا من سلسلة من اللقاءات التي ظهر فيها البغدادي، الذي نجح في الابتعاد عن الأضواء، مشيرة إلى أنه منذ إعلانه الخلافة في مسجد الموصل في نهاية حزيران/ يونيو 2014، فإن عدة تقارير انتشرت تتحدث عن مقتله، منها ثلاثة أكدت وفاته عندما قام الطيران الروسي باستهدافه، فيما قالت أخرى إن قوات النظام اعتقلته وجرح نتيجة القصف المدفعي، وزعمت أخرى أنه مات متأثرا بالسم أو اغتيل.

ويلفت التقرير إلى أنه عندما أكد المسؤولون الروس أنهم متأكدون "100%" من مقتل البغدادي، فإن المسؤولين في البنتاغون اعترضوا على ذلك، مشيرين إلى غياب الدليل القوي، وعبر المسؤولون الأمريكيون في الفترة الأخيرة عن ثقتهم بنجاة البغدادي بعد سقوط الموصل والرقة، وبأنه لا يزال ناشطا في تنظيمه، مع أن مكان وجوده غير معلوم.

وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول في مكافحة الإرهاب، قوله: "الإشارات كلها تؤكد أنه لا يزال على قيد الحياة"، وأضاف: "لا نزال نعتقد أنه يقوم بالتنسيق، ويساعد على إدارة التنظيم.. نعتقد أنه لا يزال في سوريا، وفي واحد من الأجزاء التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم الدولة".

وينوه التقرير إلى أن موقع البغدادي كان في الأسابيع القليلة الماضية أقل خطورة؛ بسبب انشغال المقاتلين الأكراد الذين تركوا أماكنهم في شرق سوريا لمواجهة الحملة التركية في بلدة عفرين، حيث سمح هدوء الجبهة الشرقية لمقاتلي التنظيم بتعزيز مواقعهم، وزيادة الإمدادات، واستطاع عدد من المقاتلين الخروج من حي اليرموك قرب العاصمة دمشق، وانطلقوا في رحلة طويلة عبر الصحراء، دون خوف من الغارات الجوية.

وتذكر الصحيفة أن مسؤول مكافحة الإرهاب أكد أن تنظيم الدولة أعاد تنظيم نفسه من جديد، حيث يقول: "سمحت فترة التوقف القليلة لهم بعمل هذا".

ويستدرك التقرير بأن هذا الهدوء القصير الأجل هو ما يراه المراقبون هزيمة محتومة للتنظيم، فمنذ عام 2015 عانى التنظيم من سلسلة متواصلة من الهزائم، وظل البغدادي طوال هذه الفترة صامتا، ولم يظهر لتعبئة مقاتليه باستثناء خطابات صوتية، كان آخرها في 28 أيلول/ سبتمبر 2017، أي قبل يومين من سقوط الرقة.

وتفيد الصحيفة بأن بعض المراقبين يرون أن غياب البغدادي هو جزء من استراتيجية مقصودة داخل تنظيم اختار عدم التركيز على القيادات بقدر ما تهمه الفكرة، حيث يقول كول بونزل، من جامعة برنستون، ومحرر مدونة "جهاديكا"، إن "عددا كبيرا من داعمي تنظيم الدولة قالوا إن البغدادي لم يرد ربط التنظيم بشخصيته"، ويضيف: "كانت هناك جهود بعدم الاهتمام بالشخصية على حساب التنظيم".

ويشير التقرير إلى أن غياب البغدادي لم يمنع من ظهور بعض الأصوات داخل التنظيم التي اشتكت من عدم ظهوره في الأزمات المهمة، لافتا إلى أن بعض الناشطين في دير الزور وضعوا رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، قالوا فيها إن البغدادي أبعد نفسه عن ساحة المعركة.

وتنقل الصحيفة عن مدير معهد أبحاث الشرق الأوسط في واشنطن ستيفن ستالينسكي، قوله إن غيابه يؤثر بالتأكيد على معنويات التنظيم وأنصاره، فيما رد بعض الأتباع بتأكيد بيعتهم للبغدادي، الأمر الذي يراه ستالينسكي مشكلة سلطة تواجه البغدادي من فصائل أخرى في داخل المنظمة.

وبحسب التقرير، فإن البغدادي (46 عاما) ظل قادرا على التواصل مع قادته ومساعديه المنتشرين في أي وقت يريده، مشيرا إلى أن مسؤولا في اللجنة التعليمية، الذي كان واحدا من خمسة قادة تم القبض عليهم في منتصف شباط/ فبراير، ذكر كيف تلقى دعوات متكررة من البغدادي لمناقشة قضايا التعليم والدعاية.

وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول المدير السابق للمركز الوطني لمكافحة الإرهاب راسموسين، إن الحملة العسكرية البطيئة والمستمرة منحت البغدادي الفرصة لتطوير طرق التواصل الخاصة به، والتحضير للمستقبل، بما في ذلك التحضير لعمليات إرهابية، والحفاظ على ما تبقى من التنظيم.