الخميس 2020/10/01

ميدل إيست آي: التطبيع الإماراتي الإسرائيلي “كارثة على السيسي”

قال رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” ديفيد هيرست إن اتفاقيات التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل تعتبر كارثة على مصر، مشيراً إلى أن القاهرة تخسر موقعها القيادي والمساعدات المالية بسبب اتفاقيات التطبيع التي رعتها واشنطن، ما انعكس وبشكل سلبي على المواطنين المصريين.

وأشار إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حفلة التوقيع الإماراتية- البحرينية- الإسرائيلية في 15 أيلول/سبتمبر بأنها “فجر لشرق أوسط جديد”. وقد استفاقت مصر على ما ستجلبه هذه المرحلة الجديدة عليها. مشيراً إلى كارثتين في محاولة الإمارات التحول إلى الشريك العربي الرئيس مع إسرائيل، كلاهما متوقع ومباشر. ولو بدأنا بالمخاطر طويلة الأمد، فخط أنابيب النفط السري الذي بدأ بين شاه إيران وإسرائيل يمكن أن يلعب دوراً كبيراً بربط شبكة الأنابيب العربية والبحر المتوسط. وهي شركة خط أنابيب أوروبا – آسيا (254 كيلومترا) الذي يمر عبر البحر الأحمر إلى ميناء أشكلون. وإلى جانب خط الأنابيب تخطط شركة موانئ دبي العالمية للتشارك مع الشركة الإسرائيلية دوفرتاور لتطوير الموانئ الإسرائيلية ومناطق حرة وفتح خط شحن ملاحي مباشر بين ميناء إيلات وميناء جبل علي في دبي. وهذه ليست من الأخبار الجيدة ،عند النظر إلى خط الأنابيب أو الرابط بين الموانئ لقناة السويس التي افتتح الرئيس المصري تفريعة جديدة لها بكلفة 8 مليارات دولار.

وتضم هذه الأموال التي أجبر رجال الأعمال المصريين والناس العاديون على دفعها وشراء أسهم في المشروع الفاشل. وفي ليلة وضحاها سيتم تجاوز قناة السيسي عبر وسائل أرخص لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط.

وماذا عن المخاطر المباشرة؟

يقول هيرست إنها كثيرة، فمع اتفاقيات التطبيع الجديدة تخسر مصر الدور الذي لعبته ولعقود كوسيط بين الدول العربية وإسرائيل. ومع هذا خسارة الورقة الفلسطينية التي طالما ظلت مصر تلعب دور الوسيط في اتفاقيات إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة أو ترتيب لقاءات المصالحة بين حركة فتح وحماس. واللافت في الأمر أن لقاء المصالحة الأخير بين الحركتين لم يحدث في القاهرة ولكن في إسطنبول.

وبالنسبة لمعلقين مثل "محمد عصمت" الذي كتب في "الشروق" فإن خسارة موقع مصر يذهب أبعد من هذا بل و “سيتفكك كل نظام الأمن القومي العربي وبأبعاده العسكرية والسياسية والاقتصادية. وسيتحجر كل الخطاب العربي حول الحرية والوحدة والتنمية المستقلة ويوضع في المخزن”. وأضاف أن مصر لعبت خلال فترة المواجهة مع إسرائيل “الدور الرئيسي في تحديد الردود العربية رغم خلافاتها مع هذه الدولة العربية أو تلك. ولن يستمر هذا الوضع لأن إسرائيل تريد أخذ مكان مصر وقيادة المنطقة العربية وبناء على معادلة جديدة تطيح بكل مؤسسات العمل العربي المشترك وأهمها الجامعة العربية نفسها”.

وإلى جانب المكانة تخسر مصر المال، خاصة أن السعودية والإمارات توقفتا عن دعم ديكتاتورية السيسي العسكرية التي ضخت فيها مليارات الدولارات. وتوقفت السعودية عن تقديم الدعم المالي والنفط إلى مصر بسبب مشاكل الميزانية. أما ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد فقد وجد دمى جديدة لكي يلعب فيها غير ضخ أموال في حفرة السيسي التي لا قعر لها، والذي أصبح شيئاً من الماضي. ومن القضايا التي تهتم بها إسرائيل هي شركة الاستثمار مبادلة في أبو ظبي التي واحدة من الصناديق السيادية الإماراتية بقيمة 230 مليار دولار. ووصفها أكاديمي إسرائيلي قضى وقتاً في أبو ظبي بأنها “مغيرة للعبة” لقطاع التكنولوجيا الإسرائيلي.

ويرى هيرست أن خسارة الدعم الخليجي أثرت كثيرا على السيسي الذي طلب مساعدة من صندوق النقد الدولي وفرض حالة من التقشف وأجبر رجال الأعمال الأغنياء على الدفع ولم يبق أمامه إلا فرض الضريبة على المواطنين العاديين. وكما هو معروف عنه فإنه فرض الضرائب على الفقراء أولاً. وتضاعف الدين القومي المصري ثلاثة أضعاف منذ وصوله إلى السلطة عام 2014 من 112 مليار دولار إلى حوالي 321 مليار دولار. وتعيش نسبة 67% من سكان محافظة أسيوط تحت خط الفقر و736 جنيه مصر (47 دولار) في الشهر. ويعلق الاقتصادي ممدوح والي أن الأرقام غير حقيقية لو أخذنا بعين الاعتبار زيادة كلفة المعيشة، ما يعني أن معدلات الفقر أعلى.

وتعود الأرقام إلى السنة المالية 2018- 2018 حيث كانت نسبة الفقر في محافظة سوهاج 60% فيما وصلت في الأقصر والمنيا 55%. واعترف المسؤولون بأن الأرقام عدلت مرتين. ورغم ضيق العيش فقد زاد السيسي أسعار الكهرباء والماء والغاز والنقل العام. وأدخل طريقة جديدة للحصول على المال من خلال هدم البيوت التي أقيمت بدون رخصة، وفي بعض الأحيان بيوت عائلة قائمة منذ عقود طويلة.

ويمكن للسكان تجنب الهدم لو دفعوا 50 جنيهاً مصرياً عن كل متر مربع. وفي بعض الأماكن يرتفع سعر المتر للمباني التجارية إلى 180 جنيهاً مصرياً. وأدى تراجع الاقتصاد لتوقف قطاع الإنشاءات وبقاء الباحثين عن عمل يومي في بيوتهم. وأصبحت المواصلات العامة وبشكل متزايد غير متاحة. وفي القطارات التي تعتبر الوسيلة الأهم بين الشمال والصعيد ارتفعت أسعار تحميل الصندوق إلى ما بين 12- 140 من الجنيهات المصرية.

لكل هذا اندلعت المظاهرات في القرى بطريقة غير مسبوقة وسلمية. فلم يعد الناس قادرين على التحمل. وعندما دعا المقاول محمد علي المصريين للمشاركة في يوم الغضب فوجئ بخروج تظاهرات في أكثر من 40 بلدة وقرية رغم الإجراءات الأمنية المكثفة. وكانت الرسالة واضحة وبسيطة وهي أن الرئيس الذي يتباهى بعد القصور التي يملكها لن يسمح للفقراء حتى العيش في بيوتهم. وتختلف التظاهرات في مصر عن 2011 فهي بدون قيادة أو شعار سياسي، محافظة ودينية لكن بدون دور للإخوان المسلمين. وفيما خرج الثوريون في 2011 من المدن فإن التظاهرات خرجت من صفوف الفقراء وغير المتعلمين ومعظمهم كانوا صغاراً عندما حدثت ثورة 2011. ومن بين المقابلات مع الفلاحين تلك المؤثرة مع "نفيسة عطية محمد"، وهي تعيش في كوخ مهدد بالهدم: “هنا ترى السقف من الأعمدة ولا أجد شخصاً يغطيه بالبلاستيك وأبيع الفضلات بجنيه أو خمسة أو عشرة حتى يغمى علي من الحر”. وعندما سئلت عن المبلغ الذي طلبته الحكومة منها لتأمين بيتها قالت ألف جنيه ثم زادته إلى أربعة آلاف جنيه “من أين أحصل عليها؟”.

ولا يستطيع السيسي ترك التظاهرات تنتشر في كل مصر التي لم تعد تتحمل سوء إدارة وفساد أكثر. والوقت يقترب سريعاً حينما يتحول غضب الناس ضد النظام. ومعظم الناس في الأرياف يحملون تقليدياً السلاح وسينتقمون لو أطلق النار عليهم. ومع ذلك فالتظاهرات لا تزال سلمية.

وهذا هو النظام العسكري المدمّر الوحشي والقاسي الذي نصّبه الأمراء في السعودية والإمارات. ولم يكن السيسي قادراً على الخروج عن الصف وخيانة الرئيس الذي اختاره وزيراً للدفاع لولا الوعود التي تلقاها من الرياض وأبو ظبي. ولو خسروا السيسي ومصر فكل خططهم للهيمنة على المنطقة ستتداعى. وعندها ستصل المنطقة إلى نقطة تحول مهمة ولكن ليس تلك التي يريدها محمد بن زايد أو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.