الأربعاء 2020/12/09

في ظل تباين الحلفاء.. هل يكتب النجاح للمصالحة الخليجية؟

رغم المحاولات المكثفة والحثيثة التي بذلتها الكويت على مدار الأعوام الثلاثة المنصرمة لرأب الصدع الخليجي الناجم عن فرض حصار بري وبحري وجوي على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومن خلفها مصر، فإن أي اختراق فعلي لم يحدث.

 

ولكن الأيام القليلة الماضية حملت مؤشرات وصفها مراقبون ومحللون سياسيون بالإيجابية مع إعلان وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصباح، يوم الجمعة الماضي، أن مباحثات "مثمرة" جرت خلال المدة الماضية لحل الأزمة الخليجية.

 

وأوضح الصباح أن هذه المباحثات "أكد فيها جميع الأطراف حرصهم على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي، وعلى التوصل إلى اتفاق نهائي يحقق ما تصبو إليه من تضامن دائم بين دولهم، وتحقيق ما فيه خير شعوبهم".

 

ومنذ 5 يونيو/حزيران من العام 2017 تفرض الدول الأربع حصارا على قطر بزعم دعمها للإرهاب، في وقت تنفي فيه الدوحة تلك الاتهامات وتعدها محاولة للنيل من سيادتها وقرارها المستقل.

 

الدول المعنية

بعد ساعات من صدور البيان الكويتي، قال وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إن بلاده تنظر "ببالغ التقدير لجهود دولة الكويت الشقيقة لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الخليجية"، وشكر "المساعي الأميركية في هذا الخصوص".

 

وأضاف -في تغريدة له على تويتر- "نتطلع إلى أن تتكلل الجهود الكويتية والأميركية بالنجاح لما فيه مصلحة وخير المنطقة".

 

وقال أيضا في مداخلة له بمنتدى المتوسط إنه "تم إحراز تقدم ملحوظ بشأن الأزمة الخليجية بفضل الجهود الكويتية والأميركية، ويحدونا الأمل أن يفضي هذا التطور إلى اتفاق أخير"، مضيفا "طبعا متفائل لأننا نقترب من وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق بين جميع الدول الخليجية لنتوصل إلى حل مرض للجميع".

 

 

بدورها، سارعت قطر للتعليق على الخطوة الكويتية، حيث قال نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني -في تغريدة له على تويتر- إن "بيان دولة الكويت خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية".

 

وأضاف "نشكر للكويت الشقيقة وساطتها منذ بداية الأزمة، كما نقدر الجهود الأميركية المبذولة في هذا الصدد، ونؤكد أن أولويتنا كانت وستظل مصلحة وأمن شعوب الخليج والمنطقة".

 

صمت فتعقيب

بعد صمت مريب دام نحو 5 أيام قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الثلاثاء -في تغريدة له على تويتر- "تثمن الإمارات جهود الكويت الشقيقة والمساعي الأميركية نحو تعزيز التضامن في الخليج العربي، وتدعم المساعي السعودية الخيرة وبالنيابة عن الدول الأربع، وتؤكد أن علاقات مجلس التعاون مع مصر الشقيقة ركن أساسي في المحافظة على الأمن العربي واستقرار المنطقة، وتتطلع إلى قمة خليجية ناجحة".

 

وفي مفارقة لافتة وعقب مرور ساعات قليلة فقط على الموقف الإماراتي، صدر أول تعليق مصري على البيان الكويتي، حيث أعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير أحمد حافظ عن تقدير مصر استمرار الجهود المبذولة من الكويت وأميرها لرأب الصدع العربي وتسوية الأزمة الناشبة منذ سنوات عدة بين قطر ودول الرباعي العربي، وذلك في إطار الدور المعهود للكويت وحرصها الدائم على الاستقرار في المنطقة العربية.

 

وقال حافظ "نأمل في هذا الصدد أن تسفر هذه المساعي المشكورة عن حل شامل يعالج كل أسباب هذه الأزمة ويضمن الالتزام بدقة وجدية بما سيتم الاتفاق عليه. وتؤكد مصر في هذا المقام، انطلاقا من مسؤولياتها ووضعها، أنها تضع دائما في الصدارة الحفاظ على التضامن والاستقرار والأمن العربي".

 

الإمارات غير راضية

وفي حين لم تعلق البحرين حتى الآن على الأقل على المساعي الكويتية، قال المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية الدكتور علي باكير "إلى اللحظة يبدو أن الانتظام الأساسي في جهود الحل هو بين قطر والسعودية، ولا يبدو أن الإمارات راضية عن هذا الوضع".

 

وأضاف باكير -في تصريحات للجزيرة نت- "لقد سبق لأبو ظبي أن عرقلت الجهود السابقة في هذا المسار ويبدو أنها ستعيد الكرة مرة أخرى، ولذلك فإن توقع تراجع المسار الإيجابي للمفاوضات قد يبقى قائما إلى حين حصول المصالحة وفرض الأمر الواقع".

 

وقال باكير أيضا "لا أعتقد أن الجانب المصري يعارض المصالحة لكنه سيخضع لضغوط إماراتية بمعارضة المصالحة في حال تمت فعلا بين قطر والسعودية، وذلك لأن أبو ظبي لا تريد أن تصبح معزولة، ولذلك ستستخدم مصر كورقة لدعم موقفها وقد سبق لها أن فعلت ذلك في ملفات عديدة".

 

تقدم طفيف

ورأى باكير أن هناك تقدما طفيفا حدث في المكان الصحيح انعكس في نهاية المطاف بتصريحات إيجابية من الأطراف المرتبطة بالموضوع مباشرة، أي الكويت وقطر والسعودية والأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي، لكن ذلك لا يعني أنه قد تم التوصل إلى حل، إذ لا تزال دونه عقبات تحتاج إلى تسوية، ومنها على سبيل المثال مسألة التوقيت، متسائلا "هل سيتم في الأيام القليلة المتبقية من عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أم سيتم إعلانه مع بداية عهد إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن؟".

 

ولفت إلى أن هناك محاولات للمضي قدما في جهود التسوية، وهي مدفوعة بشكل أساسي من قبل إدارة ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، معتبرا في الوقت ذاته أن العامل الأساسي في هذه المحاولات يعود إلى التغييرات في الداخل الأميركي، إذ إن الإدارة التي تستعد للرحيل تريد تسجيل التوصل إلى الحل والمصالحة الخليجية ضمن لائحة إنجازاتها لعل ذلك يكون بمنزلة ذخيرة لترشيح ترامب أو كوشنر للانتخابات الرئاسية المقبلة بعد 4 سنوات.

 

وأشار باكير إلى أنه "في المقابل وبالنسبة إلى الإدارة الأميركية المقبلة، فإن الضغوط المتوقعة من تدارك بايدن للأمور قد تدفع السعودية للمسارعة إلى حلحلة بعض القضايا والملفات العالقة ومن بينها الأزمة الخليجية".

 

"طاح الحطب"

من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت عبد الله الشايجي "أول مؤشر يدل على أنه قد طاح الحطب (أي انتهت الأزمة والخلاف)، وبدأنا بخطوات المصالحة الخليجية، وطي صفحة الأزمة هو تهدئة التراشق الإعلامي بين أطراف الخلاف، يعقب ذلك تفاصيل فتح الحدود والمجال الجوي وإسقاط قطر الدعاوى، ومصالحة في القمة الخليجية بحضور رفيع المستوى".

 

وأضاف الشايجي -في سلسلة تغريدات له على تويتر- عقب صدور تعقيب قرقاش، أن هناك تطورا لافتا ومهما ومنعطفا يبشر بالقفز على المعادلة الصفرية، معتبرا أن جميع الأطراف بقيادة السعودية متفقون على حل الأزمة الخليجية قبل القمة الخليجية المرتقبة في البحرين، ولكن "يبقى السؤال هل الاتفاق جماعي أم خطوة-خطوة؟ سنرى".

 

ووفقا لوكالة الصحافة الفرنسية، فإن محللين أشاروا سابقا إلى أن أي اختراق سيشمل فقط العلاقات الثنائية بين الرياض والدوحة، وسيستثني الإمارات خصوصا، التي كانت أكبر منتقدي الدوحة منذ بدء الأزمة، إلا أن تصريحات وزير الخارجية السعودي قد تعني -حسب الوكالة- أن الحلحلة قد تكون أشمل.

 

وقال الشايجي "لا يزال الغموض البناء سيد الموقف بعد 4 أيام من إعلان الكويت عن اختراق لحلحلة الأزمة الخليجية وبيانات رسمية متفائلة من السعودية وقطر، وتبعتها اليوم (أمس) تغريدات من الإمارات ومصر أكدّتا فيها أن السعودية تعبر عن الرباعية، وأنهما تدعمان جهود الكويت وتثمّنانها وترحبان بها لرأب الصدع. نأمل ذلك".

 

تباين بين الحلفاء

توقف مراقبون عند التباين الواضح بين أركان "الحلف الرباعي" في ظل عدم صدور تعقيب بحريني إلى جانب تأخر التعليقات الإماراتية والمصرية الرسمية على البيان الكويتي، وأشار هؤلاء إلى سلسلة مواقف وتغريدات لمقربين من دوائر السلطة في كلا البلدين بدت وكأنها "غير مرحبة" بما شهدته الساحة الخليجية خلال الأيام الماضية.

 

وأثار الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله جدلا واسعا عبر تويتر إثر تغريدة قال فيها إن قطار المصالحة الخليجية لن يتحرك مليمترا واحدا دون علم وموافقة ومباركة الإمارات أولا، على حد تعبيره.

 

بدوره، قال عضو مجلس النواب المصري السابق عماد جاد -في تصريحات صحفية- إن السعودية اتخذت موقفا منفردا بالمصالحة مع قطر، مضيفا أن "الموقف المصري الآن بعيد عن أجواء المصالحة".

 

وأضاف جاد أن مطالب مصر "لم تؤخذ بالاعتبار، ويبدو أن الأمر كذلك بالنسبة للإمارات والبحرين"، مستبعدا في الوقت نفسه وجود تنسيق بين الرباعي في المصالحة الحالية.

 

وكانت مصادر خليجية حذّرت، وفق تقرير نشرته "بي بي سي" (BBC)، من أن المبادرة التي تقودها الكويت والولايات المتحدة قد تتعثر إذا لم تتمكن البحرين والإمارات ومصر من الاتفاق على طريقة حل النزاع مع قطر.

 

مكان المصالحة

كانت صحيفة الرأي الكويتية قد نقلت قبل أيام عدة عن مصدر دبلوماسي وصفته بالرفيع قوله إن "المصالحة الخليجية ستتم في اجتماع القمة الخليجية المزمع عقدها في مملكة البحرين (مبدئيا) خلال الشهر الحالي، وستطوى صفحة الخلاف".

 

وأشار المصدر إلى أن نقاط الخلاف والطلبات والشروط التي تم الحديث عنها خلال عمر الأزمة الذي تجاوز 3 سنوات "ستتم مناقشتها في لجان خليجية خاصة سعيا للتوصل إلى حلول لها بما يضمن عدم تجددها، واستمرار تماسك المنظومة الخليجية والعربية".

 

مواقف وتصريحات

رحبت سلطنة عمان بالبيان الكويتي معتبرة أن الجهود الكويتية والأميركية في هذا الصدد تعكس حرص جميع الأطراف على التضامن والاستقرار الخليجي والعربي، بهدف الوصول إلى اتفاق نهائي يحقق التضامن الدائم بين جميع الدول.

 

أما الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف فلاح الحجرف، فقد أشار بدوره إلى أن بيان دولة الكويت بشأن تعزيز التضامن الخليجي يعكس قوة المجلس وتماسكه.

 

وقد أجرى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يوم الاثنين الماضي اتصالا هاتفيا بأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، عبّر خلاله عن ثنائه وتقديره لمساعي الكويت في سبيل الحفاظ على الوحدة الخليجية.

 

ووفقا لوكالة الأنباء الكويتية، فقد أعرب الشيخ تميم بن حمد عن شكره وتقديره للشيخ نواف الأحمد على ما بذلته الكويت من جهود للحفاظ على الوحدة الخليجية، ودعم وتعزيز وحدة صف الأشقاء بدول مجلس التعاون الخليجي.

 

من ناحيتها، ذكرت وكالة الأنباء القطرية أن أمير قطر أثنى خلال الاتصال على المساعي التي بدأها أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح لاحتواء الأزمة، وحرصه الدائم على وحدة دول مجلس التعاون الخليجي ومصالح شعوبه.

 

وفي وقت سابق، أعرب أمير الكويت عن ارتياحه لما وصفه بالإنجاز التاريخي الذي تحقق بالتوصل إلى الاتفاق النهائي لحل الخلاف الخليجي.

 

وبعث أمير الكويت برسالتي شكر إلى كل من أمير قطر وملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، على جهودهما لاحتواء الأزمة الخليجية، والتوصل إلى اتفاق نهائي.

 

وقال نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله إن "الأزمة الخليجية طويت وتم التوصل إلى اتفاق نهائي بين الأطراف الخليجية"، مضيفا "سوف يترتب على هذا الاتفاق الدخول في التفاصيل المتعلقة به قريبا".

 

وأضاف الجار الله في تصريح تلفزيوني أن "هناك خطوات قريبة سوف يتم إعلانها للانطلاق نحو المستقبل وطي صفحة الخلاف"، مشيدا بجهود الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد وأمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح والجهود الأميركية في هذا المجال.

 

وتعليقا على هذه التطورات أيضا، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن الوقت قد حان لحل الخلاف الخليجي، مؤكدا أنه يأمل أن تتم المصالحة الخليجية لأنها مهمة لشعوب دول المنطقة.