الثلاثاء 2018/06/05

فورين بوليسي: بعد عام على الأزمة هكذا ربحت قطر المنازلة

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للمحلل حسن حسن من معهد التحرير في واشنطن، يقول فيه إنه عندما قررت السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض حصار على دولة قطر، فإن الهدف كان هو عزلها بشكل كامل، لكنها خرجت بعد عام أكثر تأثيرا في الغرب.

 

ويقول حسن في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "الرباعي فرض حصارا تاريخيا، من البر والجو والبحر، على قطر، وكان الهدف هو إجبار الدوحة على الالتزام بسلسلة من المطالب، التي شملت مزاعم دعم المتطرفين الإسلاميين في الشرق الأوسط، بما فيها دول الحصار، التي باتت تعرف بالرباعي المعادي لقطر".

 

وتذكر المجلة أن هذه الحملة حصلت على زخم قوي بعد يوم واحد، عندما كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تغريدة قال فيها: "من الجميل أن تثمر زيارة السعودية مع الملك و50 دولة، وقالوا إنهم سيتخذون خطا متشددا ضد تمويل التطرف، والإشارات كلها كانت تشير إلى قطر، وربما كانت هذه بداية لإنهاء رعب الإرهاب".

 

ويعلق الكاتب قائلا إنه "بعد عام، فإن قطر لم تتجاوز العاصفة فحسب، بل خرجت الرابح الحقيقي في النزاع، حيث فشل الرباعي في مهمته لإجبارها على تطبيق 13 مطلبا، التي ضمت إغلاق قناة (الجزيرة) والمؤسسات الإعلامية الأخرى، التي قالت إن الدوحة تمولها، وكذلك التوقف عن دعم الجماعات الإسلامية في المنطقة، سنية كانت أم شيعية، واتهم القطريون بالخيانة وبأنهم يدعمون المتمردين الحوثيين الذين كانت قطر تشارك في الحملة ضدهم، إلا أن المطالب كانت أكبر مما يمكن لقطر أن تقبله وتطبقه مباشرة".

 

ويورد حسن نقلا عن مسؤولين خليجيين بارزين، لهم علاقة بالأزمة، قولهم إن المعسكر السعودي لم يكن مقتنعا بتغيير قطر سلوكها، حتى بعد تنفيذها المطالب، مشيرا إلى أن هدف الرباعي كان هو تحويل قطر إلى دويلة غير قادرة على ممارسة سياسة خارجية مستقلة، ولتحقيق هذا فإن الرباعي بدأ حملة علاقات عامة ضخمة لزيادة الضغط على قطر، وتحويل الرأي العام ضدها.

 

ويعتقد الكاتب أن "الأزمة وبالإجراءات التي اتبعت كلها لعبت لصالح قطر، وأهم ملمح لهذا التغير سلسلة التعليقات التي قدمها الرئيس ترامب مع الأمير تميم بن حمد آل ثاني في نيسان/ أبريل، فهاجم الرئيس الأمريكي السعودية، مشيرا بشكل خاص إلى دعم الإرهاب، ومدح التقدم الذي حققته قطر في هذا المجال، وبدلا من إقناع المعلقين والسياسيين في الغرب بأن لدى الدوحة مشكلة خطيرة عليها معالجتها، كان الأثر هو العكس، وهذا بسبب فشل الرباعي في توقع الرد القطري، حيث شنت الدوحة حملة علاقات عامة فاعلة في الغرب".

 

وتنقل المجلة عن مصدر مطلع على جهود اللوبي الخليجي، قوله إن قطر أنفقت منذ بداية الأزمة ما يقرب من 1.5 مليار دولار على جهود العلاقات العامة، ويتوقع أن مبالغ مشابهة أنفقتها السعودية.

 

ويبين حسن أنه "على خلاف الدول التي كانت تقوم بعلاقات عامة قبل الأزمة، مثل أبو ظبي والرياض، إلا أن الدوحة رفعت من سقف جهودها في مجال العلاقات العامة، قبل أو في الفترة التي قادت للأزمة، وتم إلغاء حملات دعائية على قنوات تلفزيونية، مثل (سي أن أن) بحملات مضادة على القنوات ذاتها، وكانت النتيجة هي تكبد الرباعي نكسات مهمة على صعيد السمعة، فالجهود السعودية الطويلة للحديث عن الدعم القطري للمتطرفين في أماكن مثل سوريا وليبيا أضعفتها الحزبية التي تبعت الأزمة، فاستطاعت قطر الكشف عن أن المزاعم هي جزء من جهود مدفوعة الثمن مولها المعسكر السعودي".

 

ويشير الكاتب إلى أن "التطورات الإقليمية التي تزامنت مع الأزمة لعبت لصالح صورة قطر، وكان أول تطور لأسباب لا علاقة لها بالأزمة، حيث أصبحت قطر غير منخرطة في دعم الجماعات المتشددة في سوريا، مع التقدم الذي بات نظام بشار الأسد يحققه، والزخم الجديد في الحرب الأهلية السورية، ولم تكن هذه التطورات محفزة للدوحة كي تواصل دعمها لجماعات مثل (أحرار الشام) في الشمال، وتحولت تركيا للداعم الرئيسي لها، ورغم أنها لم تقم بتحولات استراتيجية كبيرة، إلا أن التحرك أعطى مصداقية للدوحة من ناقديها الأشداء في الغرب".

 

ويلفت حسن إلى أن "التطور الثاني والموازي كان هو صعود محمد بن سلمان، الذي أصبح وليا للعهد بعد ثلاثة أسابيع على بدء الحصار، وترك صعوده نتائج مختلطة على قطر، فمن ناحية استخدم ابن سلمان الأزمة لتقوية قاعدة دعمه في الداخل وضد أعدائه الإقليميين في الخارج، حيث وصم الزعيم السعودي الجديد نقاده بالعملاء لقطر، وفهم الشيوخ والمواطنون السعوديون المؤثرون بأن عليهم الحديث علنا ضد قطر، والتعبير في الوقت ذاته عن الولاء المطلق لولي العهد".

 

ويستدرك الكاتب بأن "سياسة ابن سلمان الخارجية المشوبة بحملات قمع داخلية أربكت المفهوم الدولي للسياسات السعودية، ونفعت هذه الدينامية قطر، حيث طغى النقد للزعيم السعودي على بقية القضايا الإقليمية الأخرى، فانتقد في الغرب وفي الشرق الأوسط بعامة؛ بسبب حرب اليمن، التي بدأت بعد شهرين من تعيينه وزيرا للدفاع عام 2015".

 

وينوه حسن إلى أن "قطر، التي طردت من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، بدأت بموضعة نفسها بصفتها داعما للقضايا العربية والإسلامية، بدلا من متابعة المكائد الجيوسياسية التي تخدم المصلحة الذاتية، وبالإضافة إلى هذا فإن تطورا جديدا أدى إلى منفعة قطر، وهو التقارب السعودي مع إسرائيل، ورغم أن مفهوم تقارب السعودية وحلفائها مع إسرائيل سابق على الأزمة، وفهم على أنه جزء من الإجماع الإقليمي ضد إيران، لكن العدوانية المتزايدة في المنطقة سمحت لقطر بتصوير العلاقة على أنها تحالف رجعي".

 

ويجد الكاتب أن "الدينامية الأخيرة تعد حيوية في عملية إعادة الاصطفاف الإقليمية الجيوسياسية والاجتماعية في ظل الأزمة القطرية، ففي الوقت الذي صور فيه الرباعي المعادي لقطر إيران والجماعات الوكيلة لها بالتهديد الأكبر على منطقة الشرق الأوسط، إلا أن العرب والشرق الأوسط بعامة بدأوا ينظرون للرباعي على أنه مؤامرة استبدادية ضد طموحات التغيير السياسي، التي عارضها الرباعي بشكل مستمر منذ ثورات الربيع العربي عام 2011، وينظر للسعودية والدول المتحالفة معها من خلال سياستها الخارجية المعادية للحركات الإسلامية والثورية، وبالمقارنة فإنه ينظر لقطر على أنها صديقة للقوى السياسية في العالم العربي، التي تريد التغيير، ولأنها صورت نفسها ضحية للغدر السعودي".

 

ويفيد حسن بأنه "في الوقت الذي تربح فيه قطر معركة العلاقات العامة والرأي العام، فإن الجانب السعودي يعتقد أنه ربح الجولة من خلال تغييره الحقائق على الأرض، فالأزمة القطرية من منظور المعسكر السعودي تساعده على التركيز، وإعادة رسم الخريطة السياسية والعسكرية للمنطقة، في وقت كبلت فيه الدوحة بالضغوط الاقتصادية المستمرة، وبالنسبة لهم فإن الدوحة ليست قادرة الآن على أداء دور المخرب في ليبيا واليمن والعراق ومصر، ونسبت  المكاسب التي حققها الجنرال الليبي خليفة حفتر في الأسابيع الأولى من الأزمة للدعم الإماراتي والسعودي والمصري".

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول: "يعترف، حتى المسؤولون في الخليج، ممن يعارضون الدوحة، وإن سرا، بأن منافستهم تربح ملمحا مهما من النزاع، وفي سؤال من مجلة (فورين بوليسي) وجهته قبل فترة لمسؤول عربي، عما إذا كانت تربح حرب العلاقات العامة، اعترف بأن قطر فازت بحرب العلاقات العامة، ولعبت أوراقها بالشكل الصحيح".