الخميس 2020/12/10

صحيفة: ما وراء انسحاب فصائل “السيستاني” من “الحشد الشعبي”

 

قررت أربعة فصائل شيعية مرتبطة بالمرجع علي السيستاني، الانسحاب من الحشد الشعبي، في ضربة للجهة الأقوى الموالية لإيران، بحسب وسائل إعلام.

 وذكرت صحيفة "ميدل إيست آي" أن هذه الفصائل الأربعة، قررت تشكيل قوة موازية، بحسب ما قاله قادة عسكريون.

 

وستعرف هذه القوة الجديدة باسم "حشد العتبات" وسترتبط بالسيستاني والسلطة الدينية التي يشرف عليها في مدينة النجف العراقية.

 

وهذا الإعلان هو الأخير ضمن سلسلة من الضربات التي وجهها السيستاني على مدى العامين الماضيين لإيران في محاولة لفك قبضتها عن قوات الحشد الشعبي، المجموعة التي تشكل مظلة شبه عسكرية.

 

وبهذا الانسحاب تكون المجموعات المسلحة المدعومة إيرانياً ضمن سلطة الحشد الشعبي قد جردت من الحماية الشعبية والأيديولوجية التي يوفرها السيستاني، السلطة الشيعية العليا في العراق، بما يثير شبهات لدى الجمهور حول ولاءاتها وانتماءاتها.

 

كان السيستاني قد لعب دوراً مركزياً في إيجاد سلطة الحشد الشعبي من خلال إصداره فتوى في عام 2014 دعا فيها العراقيين إلى النفير وقتال مجموعة الدولة الإسلامية بتوجيه من الحكومة العراقية.

 

في إعلان انسحابها في الأول من كانون الأول/ديسمبر، أكدت المجموعات الأربع – فرقة العباس القتالية ولواء علي الأكبر ولواء أنصار المرجعية وفرقة الإمام علي – أن القوة الجديدة سوف تتضمن بشكل حصري المقاتلين الذين "يطبقون حرفياً فتوى السيستاني ويتبعون تعليماته".

 

تتكون القوة الجديدة من خمسة عشر ألف مقاتل وتتلقى تعليماتها بشكل مباشر من مكتب القائد العالم للقوات المسلحة العراقية، بحسب ما صرح به لموقع ميدل إيست آي قادة حشد العتبات.

 

وطبقاً لسياسي شيعي بارز تحدث مع موقع ميدل إيست آي مشترطاً عدم البوح باسمه فإن السيستاني يرى في المجموعات المسلحة المدعومة إيرانياً مخلباً لإيران في العراق تستخدمه لخدمة مصالحها.

 

وقال السياسي: "لقد حذر السيستاني إيران أكثر من مرة بألا تخرب المصالح العراقية ولكنهم لم يأخذوا تحذيره على محمل الجد. فمنحهم فرصة لعامين حتى ينظموا عمل الفصائل ويشرعنوه ويسيطروا عليه، ولكن بدلاً من ذلك ظلوا على ما هم عليه إلى أن خرجت الأمور عن السيطرة."

 

وأضاف: "وبهذه الخطوة يكون قد استبقهم -أي الفصائل المسلحة- ولدغهم، فهم الآن عراة وحيدون، وقد أنهكهم الفساد والخلافات الداخلية، وبذلك فإن ما أنشأته إيران على مدى سبعة عشر عاماً تهاوى في سنة واحدة."

 

حافز على التحرك

في مواجهة الانتشار المرعب لتنظيم الدولة وانهيار الجيش العراقي، استغل رئيس الوزراء حينذاك نوري المالكي فتوى السيستاني وشكل سلطة الحشد الشعبي في يونيو / حزيران من عام 2014 لكي يؤلف بين الفصائل والأفراد المسلحين الذين تطوعوا لإخراج تنظيم الدولة الإسلامية من شمال العراق وغربه.

 

منذ ذلك الحين والعمود الفقري لسلطة الحشد الشعبي يتشكل من مجموعات شيعية مدعومة إيرانياً مثل منظمة بدر، أقدم وأضخم المجموعات شبه العسكرية، وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله. وهذه الثلاث هي أقوى الفصائل المسلحة في العراق.

 

حتى حين ظل الأمر الذي أصدره السيستاني باستهداف تنظيم الدولة الإسلامية فقط لا غير مطاعاً.

 

ولكن فيما بعد، عندما أسس المالكي سلطة الحشد الشعبي ككيان مستقل للإشراف على المنظمات شبه العسكرية وسلم قيادته لزعماء موالين لإيران، فقدت الحكومة العراقية السيطرة على القوات وغدت منذ ذلك الحين امتداداً للنفوذ الإيرانية.

 

على الرغم من تلقيها للتمويل والتجهيزات من الحكومة العراقية إلا أن الغالبية العظمى من فصائل سلطة الحشد الشعبي لا تنصاع للأوامر الصادرة عن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة.

 

وكثير منها تورط في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ضد المدنيين واستهدف أو هدد باستهداف الدوائر الحكومية والبعثات الدبلوماسية، وبات يشكل تهديداً أمنياً كبيراً للحكومة نفسها.

 

وكان قرار فصل الفصائل الأربعة عن سلطة الحشد الشعبي مالياً ولوجستياً وعملياتياً قد وقع عليه في الأصل رئيس الوزراء في ذلك الحين عادل عبد المهدي في شهر إبريل / نيسان من عام 2019، إلا أن المنظمات شبه العسكرية المسنودة من قبل إيران ضغطت على سلفه مصطفى الكاظمي حتى يضع القرار على الرف.

 

ثم ما لبثت المجموعات المدعومة إيرانياً أن سعت إلى زيادة هيمنتها على الحشد الشعبي وكسب المزيد من المواقع الكبيرة داخل السلطة "بشكل غير قانوني وبمساعدة فالح الفياض رئيس سلطة الحشد الشعبي" كما يقول أحد القياديين البارزين في القوة الجديدة مشترطاً عدم البوح باسمه.

 

وذلك ما حفز السيستاني على اتخاذ المبادرة ثانية وإعلان هذا التشكيل، كما يقول القيادي المذكور آنفاً.

 

ولاحظ هذا القيادي أن زعيم كتائب حزب الله عبد العزيز المحمداوي "أبو فدك" عين رئيساً لهيئة أركان سلطة الحشد الشعبي على الرغم من معارضة الكاظمي، كما عين رئيس عصائب أهل الحق قائداً لعمليات بغداد.

 

ويضيف: "وهم يخططون لتوقيع خمسة عشر قراراً جديداً لتعيين شخصيات أخرى من الكتائب والعصبة وبدر في مواقع مختلفة. وقد أفضت بنا هذه التطورات إلى الاعتقاد الراسخ بأنهم عازمون على الاستمرار في هذه المقاربة، ولذلك توجب علينا توجيه ضربة قوية لهم، وإلا فإننا سنفقد السيطرة إلى الأبد."

 

الفض يلوح في الأفق

 لقد أكد انفصال المجموعات الأربع وجود الانقسامات والتصدعات والولاءات المتضاربة داخل قوات الحشد الشعبي إلى الحد الذي يستحيل معه التغلب عليها.

 

وبات الناس كرد فعل يشيرون إلى الفصائل المدعومة إيرانياً بأنها "الحشد الموالي" لتسليط الضوء على ولائها لإيران وقائدها الأعلى علي خامنئي.

 

كما نجم عن الانفصال مراكمة الضغط على زعماء الشيعة المدعومين إيرانياً، والذين يصرون على أن ولاءهم هو للسيستاني بينما يتلقون الأوامر في واقع الأمر من إيران، حتى بات الآن من المستحيل عليهم تقريباً أن يمتطوا الحصانين معاً.

 

في هذه الأثناء، فتح باب الخروج على مصراعيه أمام المقاتلين الذين همشوا ونكل بهم وأجبروا على ارتكاب أعمال إجرامية من قبل بعض الفصائل المدعومة إيرانياً ومن قبل قادتها.

 

ولقد صرح قياديون في سلطة الحشد الشعبي لموقع ميدل إيست آي أن بعض الفصائل، وبشكل خاص تلك التي يترأسها قادة فاسدون، متورطة في سرقة رواتب المقاتلين وامتنعت عن منح الامتيازات التي تتمتع بها المجموعات الأخرى، مثل التسليح والقروض والمكافآت.

 

لوحظ وجود اهتمام كبير بالانضمام إلى حشد العتبات. ففي أسبوع واحد فقط يقول قادة القوة الجديدة إنهم تلقوا خمسين ألف طلب انضمام من قبل مقاتلين ينتمون إلى كافة أشكال الفصائل.

 

وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال أحد قادة "حشد العتبات": "ثلاثون ألفاً من هذه الطلبات جاءت من الفصائل السنية بينما جاءت البقية من مقاتلين ينتسبون إلى الفصائل الشيعية.

 

وأضاف: "والمفاجأة الكبرى أن معظم الطلبات التي تصلنا من الفصائل الشيعية جاءت من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر. والمضحك في الأمر أننا تلقينا ثلاثة آلاف طلب من مقاتلي واحد من هذه الفصائل الثلاثة، ولئن قبلناها جميعاً فإن هذا الفصيل سينهار تماماً، ولن يبقى له أي وزن في الساحة العراقية من بعد ذلك."

 

وبحسب ما يقوله هذا القيادي فإن حشد العتبات على استعداد لاستيعابهم جميعاً.

 

ويضيف: "نحن بانتظار الضوء الأخضر من النجف، وبمجرد أن نحصل عليه فلسوف تنهار معظم هذه الفصائل دون صدامات مسلحة أو مشاكل حقيقية."