الأربعاء 2018/06/06

رزان النجار .. حمامة السلام الفلسطينية

بعد انقضاء فترة العزاء بوفاة المسعفة الشابة رزان النجار، التي قتلت الجمعة الماضية برصاصة غادرة أطلقها قناص إسرائيلي احتلالي، سكنت في قلبها الصغير، خلال عملها على الحدود الشرقية لجنوب قطاع غزة، في إسعاف جرحى «مسيرة العودة، «كل شيء حزين في بيت العائلة، ففي ذلك المنزل البسيط الذي يمكن من أعلاه رؤية المكان الذي سقطت فيه رزان، يمكن أن تقرأ الحزن على وجه شقيقتها، وفي غرفة نومها التي تبعثرت فيها كل معاني الألم، وطالت دميتها التي حرصت رزان أن تكون قرب رأسها عند نومها.

في ذلك البيت البسيط الواقع على أطراف بلدة خزاعة على أقصى الحدود الشرقية لمدينة خانيونس، تطل أحدى النوافذ على منطقة الحدود الفاصلة عن الجانب الإسرائيلي، وهناك وقفت ريعان شقيقة رزان التي تليها في العمر، تطل برأسها، وقالت بعبارات حزينة وهي تشير بيدها صوب الشرق «هناك قتلت».

وتابعت وهي تتحدث لـ «القدس العربي»، والدموع تنهمر من عينيها، وتحشرج صوتها مرارا حتى كاد أن يختفى من الألم «لا أعرف كيف سأعيش من دونها»، وقد حدثتنا عن ذكرياتها الجميلة مع رزان.

وتقول الشقيقة إنها ساعدتها قبل يوم من سقوطها في تحضير بعض الدروس لتقديم الامتحانات النهائية للثانوية العامة.

وتقول كغيرها من أهل المنزل والجيران إن شقيقتها كانت تحمل في قلبها الحب للجميع، وإن ابتسامتها لم تفارق وجهها الملائكي بالمطلق، وإنها كانت تمثل لها الأخت والصديقة في ذات الوقت، وأنها لا تزال رغم الدموع والمعزين ترى ضحكتها في زوايا المنزل.

في تلك اللحظة التي كانت الشقيقة ريعان قد تركت المعزيات من النساء اللاتي تجمعن في صالة المنزل بجوار والدتها، وقد اتخذت وزميلات لها ركنا في تلك الغرفة المطلة على الحدود، لدراسة مادة اللغة الإنكليزية تحضيرا للامتحانات التي بدأت قبل أسبوع، كانت جرافات وآليات عسكرية تنفذ عملية توغل، وتنشر في تلك  المنطقة الحدودية أسلاكا شائكة، للتصدي لـ «مسيرة العودة».

وقالت ريعان معلقة على ذلك «هناك السكان تعودوا على أصوات الرصاص والقنابل، ويمكنني أيضا متابعة دراستي»، لكنها أشارت إلى أن أكثر ما يعصر قلبها ألما، هو تذكرها في هذه الأوقات أنها لن تعود لترى رزان من جديد.

غير أن الشقيقة الصغرى تحرص على استمرارها في تقديم الامتحانات النهائية، على أمل تحقيق نتائج ممتازة لدراسة القانون.

ولما أردنا أن تسرد الشقيقة الصغيرة آخر اللحظات التي قضتها مع شقيقتها المسعفة، انسلت من مكانها إلى غرفة مجاورة، وأشارت إلى سرير متواضع، وقالت «هذا مكان نوم رزان»، وقالت إنها في الليلة التي سبقت استشهادها بقيت إلى جوار شقيقتها تتبادلان أطراف الحديث، قبل أن تحتضنها فجأة رزان، وتضمها إلى صدرها، وكأنه إحساس بأن هذا اللقاء سيكون الأخير، من تلك الغرفة أخرجت الشقيقة المعطف الأبيض الذي كانت ترتديه رزان خلال ذهابها للعمل في الميدان، ضمته إليها وانهمكت في بكاء عميق، وقالت بصعوبة «عندما أبلغوني بوفاتها غبت عن الوعي من شدة الصدمة»، لكنها قالت إنها ستبقى تتبادل مع رزان أطراف الحديث، وتقول إن روحها لا تزال في المكان، وتراقب المنزل ومكان عملها المحبوب في الميدان، وتضيف «من الصعب أن تتحول رزان إلى ذكرى».

ويؤكد زملاء المسعفة المتطوعة، أنها كانت تحرص خاصة يوم الجمعة على الوصول عند الساعة السابعة للنقطة الطبية المقامة لإسعاف الجرحى، وتغادر من هناك العمل عند الساعة السابعة مساء، وأنها كانت تقدم واجبها على أكمل وجه، وتعرضت في مرات سابقة، خلال مواجهات اندلعت ضمن أحداث «مسيرات العودة» للإصابة بالإغماء جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع.

وقتلت رزان بطريقة تؤكد تعمد قوات الاحتلال استهداف الفرق الطبية، حيث كانت ترتدي معطفها الأبيض، وشارة العمل الخاصة بالطواقم الطبية، حين باغتتها رصاصة قناص الاحتلال أصابتها بشكل مباشر في القلب، ما أدى إلى مقتلها.

ويقول رفاق رزان إنها كانت معروفة في ميدان العمل، حتى لقوات الاحتلال الذين كانوا في بعض الأوقات يسمحون لها بالاقتراب من السياج الحدودي، لانتشال بعض الجرحى من هناك، وهو ما دفع منظمات عدة في الأمم المتحدة لاستنكار عملية استهدافها، إلى جانب مؤسسات حقوقية أدانت الجريمة وطالبت بتوفير حماية دولية للفلسطينيين، وهو طلب كرره الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي اتصل بعائلتها معزيا.

وحظيت المسعفة رزان باهتمام كبير من الشارع الغزي، ونظمت لأجلها وقفات احتجاج في الضفة الغربية، وفي الطريق المؤدي إلى منزلها، وضع شبان صورة كبيرة لها وهي ترتدي معطفها الأبيض في حقل العمل، وقد علت وجهها ابتسامتها المعتادة، ، وهي صورة غطت جدران المنزل وبيت العزاء الذي أمه الآلاف من المعزين.

وتقول والدتها صابرين، التي جلست وسط نساء العائلة والجيران، وقد وضعت بين يديها شارتها الصحية التي غطتها الدماء، وبها آثار ثقب الرصاصة التي ولجت إلى قلبها «لقد اختاروا قلبها الصغير المليء بالحب»، وتؤكد أن ابنتها التي كانت تمثل لها دور الصديقة والشقيقة كانت تطلب السلام لا الموت والحرب، كما تريد إسرائيل.

وتشير إلى أن ابنتها أبلغتها يوما، أنها من خلال عملها ستقدم الإسعاف للإسرائيليين لو اقتضت الضرورة، لكنها قالت «رغم ذلك قتلوها»، ورغم محافظة الوالدة خلال حديثها لـ «القدس العربي» على تماسكها إلا أنها ذرفت الدموع، حين تذكرت أن اليوم التالي لاستشهادها خصص لوصول أحد شبان الحي وذويه للتقدم لخطبة ابنتها رزان، وقالت بلكنتها «بدلا من لبس الفستان الأبيض، لفت بالكفن الأبيض».

وتقول الوالدة إن رزان كانت تحدثها عن شكل فستان الفرح، وأحلامها الخاصة بترتيبات يوم الزفاف، وتضيف «ما حصل حرام، ويؤكد إرهاب إسرائيل وقادتها»، وتطلب تلك الوالدة الحزينة ضرورة التحرك السريع لمحاكمة قادة إسرائيل بشكل فوري على الجرائم التي اقترفت بحق الفلسطينيين، ومن بينها عملية قتل ابنتها.

يذكر أن إحدى عوائل مدينة خانيونس أطلقت اسم «رزان» على طفلتها الجديدة، تيمنا، وحرصت تلك العائلة على إحضار الطفلة الجديدة لبيت عزاء رزان المسعفة، ووضعها بين يدي والدتها، كما تقرر إطلاق اسم «رزان» على وحدات ومراكز طبية جنوب القطاع.