الأربعاء 2018/09/12

«سيناريو كيميائي» روسي لقياس رد الفعل الغربي ولتبرير هجوم محتمل للنظام ضد إدلب

وسط ظروف الاختبار الجدي الذي تمر به العلاقة بين «ثلاثي أستانا» بسبب إدلب والضغوط الأمريكية على المسار ذاته، تحاول موسكو جاهدةً تبرئة نظام الأسد من هجماته الكيميائية على المدنيين السوريين بافتعال قصص درامية ضد فصائل المعارضة فسرها البعض بأنها جزء من البروباغاندا الحربية بدعوى تمييع حجج الخصوم، ويرى مراقبون معارضون لنظام الأسد، أن التصريحات الروسية حيال التحضير لضربة كيميائية تدلل على المشاركة الروسية أو علمهم بأقل تقدير بتحضير النظام لهجمات من هذا النوع. يجري ذلك وسط بروز موقف إيراني جديد يشير إلى تردد طهران في المشاركة في معركة إدلب.

أما تصريحات وزارة الدفاع الروسية فإنها تندرج – في أغلب الظن – تحت خانة قياس رد الفعل الغربي المتوقع في حال تم استخدام السلاح الكيميائي، وهو ما برز فعلاً من خلال الموقف الأمريكي والفرنسي وحتى الألماني المحذر من عواقب وخيمة لمثل هكذا هجوم، حيث زعمت موسكو أمس عبر وزارة دفاعها رصدها «بدء تصوير مشاهد استفزاز لهجوم كيميائي في مدينة جسر الشغور يحاكي استخدام قوات الأسد السلاح الكيميائي ضد المدنيين».

وأضافت موسكو انه «لتصوير هذه المشاهد، وصلت إلى جسر الشغور صباح اليوم فرق إعلامية لبعض القنوات الشرق أوسطية وكذلك لفرع إقليمي لقناة إخبارية أمريكية كبيرة، ويقضي سيناريو الاستفزاز بتصوير مشاهد تقديم نشطاء من قوات الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) المساعدة إلى المواطنين، بعد الإلقاء المزعوم من قبل قوات الأسد لبراميل متفجرة تحوي مواد سامة، وذلك من أجل إعطاء المشاهد صبغة واقعية وجمع الخوذ البيضاء عينات التربة بشكل سريع، نقل المسلحون من بلدة خربة الجوز إلى جسر الشغور صباح اليوم برميلين يحتويان على مادة كيميائية منتجة على أساس الكلور».

وأشار البيان إلى أنه من المقرر أن تسلم جميع مشاهد الاستفزاز الكيميائي في جسر الشغور إلى وسائل الإعلام حتى نهاية اليوم لبثها، بعد تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي».

«شرعنة النظام»

الباحث في العلاقات الدولية نواف الركاد وصف «السيناريو الروسي» في لقاء مع «القدس العربي»: بأنه «جزء من الحرب على الثورة السورية ومبادئها الأساسية في ضرورة التغيير الجذري لبنية نظام الأسد».

ولفت الركاد إلى موافقة موسكو على تحضير الأسد لهجمات كيميائية في آخر منطقة منخفضة التصعيد، وذلك بهدف حماية القاعدة الجوية الروسية وحاضنة الأسد الشعبية في المنطقة، مشيراً إلى أن النظام يستخدم السلاح الكيميائي كلما استعصت عليه منطقة سورية تمهيداً لاجتياحها عسكرياً.

فغاية غرف البروباغاندا في وزارة الدفاع الروسية هي زعزعة حجج الثوار والدول الغربية أمام الرأي العام عبر القول بأن عمليات مفبركة يجري تصويرها الآن، من أجل تبرئة النظام من الهجمات السابقة وربما من هجمات لاحقة وذلك بغية شرعنة انخراطه في الحل السياسي كجهة شرعية غير مجرمة».

الباحث السياسي لدى «مركز عمران للدراسات الاستراتيجية» أيمن الدسوقي قال إن الروس لجؤوا إلى الأسلوب ذاته في أكثر من مناسبة ومنها قبل الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية في «دوما» الذي سبق عملية تهجير المعارضة، الروس يلجأون إلى مثل هكذا تصريحات بخصوص هجوم كيميائي لاختبار رد الفعل الغربي المتوقع في حال تم استخدام السلاح الكيميائي لكسر مقاومة فصائل المعارضة، وكذلك الرد التركي حيال هكذا خطوة كي لا تؤدي إلى رد فعل قوي ويؤثر سلباً على روسيا.

وهو يفسر الانخفاض في وتيرة القصف على محيط إدلب، مقارنة بالأيام السابقة، بأن عمليات القصف، كانت إما اختباراً لجبهات المعارضة ومدى تحصينها، أو للموقف التركي، أو إنها تهدف إلى إتاحة الفرصة أمام الجهود الدبلوماسية التفاوضية لحل مسألة إدلب.

فالروس يخشون أن يؤدي تصعيد الموقف الميداني في إدلب دون الأخذ بعين الاعتبار الهواجس التركية إلى انهيار مسار أستانا، ودفع الطرف التركي إلى ترتيبات مع الجانب الأمريكي وكذلك الأوربي مما يؤدي إلى عزلة روسية لحد ما.

تأجيل المعركة

ووسط تعقد الحسابات والمصالح الدولية تشير التصريحات الإيرانية الأخيرة إلى بوادر فتور في الاندفاع الإيراني حيال معركة إدلب، حيث كشف مسؤول إيراني بارز عن تردد حكومة بلاده في المشاركة في معركة الحسم، إذ قال حسين جابري أنصاري المساعد الخاص لوزير الخارجية الإيراني أمس إن إيران تشاطر الأمم المتحدة قلقها إزاء احتمال وقوع كارثة إنسانية في محافظة إدلب وإنها ستسعى لتفاديها، وأضاف للصحافيين عند وصوله إلى جنيف لإجراء محادثات ترعاها الأمم المتحدة بخصوص تشكيل لجنة دستورية سورية «نحن أيضاً نشعر بالقلق. سنعمل على عدم حدوث ذلك».

القيادي لدى المعارضة السورية ورئيس وفد أستانا الأسبق العقيد فاتح حسون قال لـ «القدس العربي»، يمكننا القول انه تم تأجيل معركة إدلب وتحتاج روسيا إلى شريك على الأرض كي ينسق مع طائراتها، معللاً ذلك «بأن روسيا فشلت في حشد قوات تساعدها في الهجوم» وذلك في ظل قلة مقاتلي النظام بعد انتشار واسع لهم في الجنوب السوري، وعزوف إيران عن المشاركة هي والميليشيات التي استقدمتها وفِي مقدمتهم حزب الله وذلك تخوفاً من أمريكا، ومنع أمريكا لقوات قسد من المشاركة، وفشل روسيا في حشد مقاتلي فصائل المصالحات لذلك، حسب المتحدث.

تردد إيراني

من جانب آخر فسر الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، الموقف الإيراني المتردد الذي تعكسه تصريحات وزير الخارجية، بأنه يصب في إطار التصريحات التي ألقاها الرئيس الإيراني حسن روحاني في القمة الثلاثية حيث وافق نظيره التركي بمقترح الهدنة وشاطره المخاوف، ويُمكن فهم هذا الموقف من قبل المسؤولين الإيرانيين على أن طهران ليس لديها مصالح استراتيجية في الشمال السوري خصوصاً وأن اتفاق الفوعة وكفريا قد تم طويه بشكل كامل وبالتالي فإنها لا تريد أن تضع العراقيل أمام حليفها التركي.

وفي الوقت نفسه، يقول البعض إن إيران قد تنزلق إلى المواجهة في الشمال السوري في حال نجحت روسيا في دفعها لهذا الخيار، وبالتالي ستكون أمام مواجهة عسكرية واقتصادية، ضد حليفتها تركيا التي تشكل رئة الاقتصاد الإيراني بعد العقوبات الأمريكية، «ولذلك يهم إيران عدم حصر تركيا في الزاوية خصوصاً بعد شكوى الأخيرة من أن أي كارثة في إدلب ستعصف بالأمن التركي وتحميل الاقتصاد التركي ما لا يحتمل وأن الحل في إدلب يجب أن يكون سياسياً وعبر الضغوط» حسب مراقبين.

أما الباحث في العلاقات الدولية «الدسوقي» فترجم تماشي إيران مع الهواجس التركية، على أنه تخوف طهران من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سوريا والتي كانت إيران أحد محاورها الرئيسية، مضيفاً أنها «لا تريد أن تضع نفسها في موقف المعادي للكل، لذلك أعتقد أنها تحاول الابقاء على علاقات جيدة مع الجانب التركي للتفرغ لمحاولة التعامل مع الجهود الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى تحجيم نفوذها في سوريا».

ويبقى السؤال الملح هنا، عن إمكانية إنقاذ مسار أستانا، واحتمالية بقائه قائماً، وما يتطلبه من تنازلات خاصة من الجانب الروسي والإيراني، في ظل توقعات بانهياره بفعل الضغوط الأمريكية، وتلك الناتجة عن ملف إدلب.