الأربعاء 2020/10/21

وساطات متناقضة مع الأسد حول “ملف الرهائن” الأمريكيين

المرشح الرئاسي الأمريكي "رونالد ريغان" فاوض الإيرانيين سراً على أن يتم حل "أزمة الرهائن" بعد انتخابات عام 1980؛ كي يضمن التغلب على النقاط التي كان يتقدم بها منافسه جيمي كارتر. الآن وقبل أسبوعين من الانتخابات، تشير دراسات إلى تقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن على الرئيس دونالد ترامب.

نائب وزير الخارجية الياباني الأسبق ميتوجي يابوناكا، المعروف بأنه "عراب" المفاوضات "سداسية الأطراف" مع كوريا الشمالية، قال لصحيفة "الشرق الأوسط"، إنه بعد مفاوضات شاقة تم التوصل إلى بيان مشترك في خريف 2005، تضمن موافقة بيونغ يانغ على التخلي عن "النووي". لكن في الشهر نفسه، أي في سبتمبر (أيلول)، عاقبت واشنطن كوريا الشمالية، فانهارت المفاوضات. وأوضح يابوناكا: "في أمريكا، كان هناك مساران: مسار وزارة الخارجية، وانخراطها في المفاوضات، وصولاً إلى البيان المشترك. والمسار الآخر وزارة الخزانة وتعقب غسل الأموال".

تسلط هاتان القصّتان بعض الضوء على المفاوضات الجارية مع دمشق لحل "أزمة الرهائن"، وتشمل أوستن تايس، الصحفي الحر، الضابط السابق بمشاة البحرية الذي اختفى في سوريا عام 2012، وماجد كمالماظ، الطبيب السوري - الأمريكي الذي اختفى أيضاً في 2017، إضافة إلى آخرين يحملون الجنسيتين الأمريكية والسورية. وكان الرئيس ترامب وضع أولوية بإعادة جميع الرهائن الأمريكيين في العالم، وشكّل خلية تضم ممثلين عن جميع المؤسسات لمتابعة ملفات نحو 40 شخصاً وتقديمها "انتصاراً انتخابياً".

وتبرّع مسؤولون عرب وأجانب وشخصيات سورية مقرّبة من دمشق، بدرجات متفاوتة للعب دور الوسيط في "ملف الرهائن". لكن يمكن الحديث عن ثلاثة مسارات تفاوضية:

الأول، أمريكي، تكفل به الرئيس ترامب نفسه؛ إذ إنه بعث برسالة خطية إلى "بشار الأسد" بشأن مصير تايس، اقترح فيها "إقامة حوار مباشر". اللافت، أنها جاءت بعد ثلاث سنوات من اقتراح ترامب "اغتيال" الأسد "رداً على هجوم كيماوي في عام 2017"؛ الأمر الذي عارضه وزير الدفاع آنذاك جيمس ماتيس. وكان جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، أكد في كتابه "الغرفة حيث حدث ذلك"، أن ترامب، أراد التفاوض مع الأسد الذي رفض العرض، وهو ما اعتبره بومبيو، وبولتون "انتصاراً"؛ لأنهما لا يرغبان في ذلك. وجاء في الكتاب، أن ترامب "استشاط غضباً حين سمع رد فريق المفاوضات، وصرخ، أخبره (للأسد) بأنه سيتضرر بشدة إذا لم يعُد أسرانا، سنضربه بقوة شديدة".

ومع اقتراب موعد الانتخابات، واصل ترامب اهتمامه بالملف وأوفد إلى دمشق، روجر كارستينس، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون المخطوفين، وكاش باتل، مساعد الرئيس الأمريكي مدير مكافحة الإرهاب، اللذين التقيا مدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك. وحسب صحيفة "الوطن" المقرّبة من نظام الأسد "فوجئ المسؤولان الأمريكيّان بموقف دمشق نفسه، الذي يقوم على مبدأ أنه "لا نقاش ولا تعاون مع واشنطن قبل البحث بملف انسحاب القوات الأمريكية المحتلة من شرق سوريا، وظهور بوادر حقيقية لهذا الانسحاب على الأرض".

المسار الثاني للمفاوضات، يقوده اللواء عباس إبراهيم، مدير الأمن العام اللبناني. هو كان لعب دور الوسيط لإطلاق رهائن أجانب وعرب في سوريا وإيران. وفي ربيع العام الحالي، نقل سلسلة رسائل بين دمشق وواشنطن إزاء إطلاق تايس وسبعة أمريكيين - سوريين. تلك الجولة جرت في خضم حديث ترامب عن الانسحاب أو البقاء شرق سوريا، أي قبل بدء تنفيذ "قانون قيصر". الطلب السوري، كان "الانسحاب الكامل من شرق البلاد". ثم "طلب الأسد وقف هذا المسار لاعتقاده أن الملف سيكون أكثر إفادة مع اقتراب موعد الانتخابات"، حسب مسؤول غربي مطلع على الملف. وأضاف المسؤول لـ"الشرق الأوسط"" "هناك تنسيق بين اللواء إبراهيم ودمشق وطهران إزاء ملف الرهائن. لذلك، ما يفسر إعطاء أولوية لتفكيك قاعدة التنف والانسحاب الأمريكي في هذا المسار على حساب ملف العقوبات وعدم عرقلة الإعمار والتطبيع العربي". وأشار إلى أن وجود رغبة في هذا المسار بعدم إعطاء "هدية انتخابية" لترامب في "أكتوبر (تشرين الأول) المفاجآت" تساعده في سباق الانتخابات.

المسار الثالث، تقوده دول عربية فاعلة، حيث قام رجال أعمال عرب بزيارات إلى دمشق وعواصم غربية بهدف "جسّ نبض" أن يكون إطلاق الصحفي تايس و"الرهائن" الآخرين ضمن سلسلة إجراءات "بناء ثقة" وصولاً لعقد "صفقة كبرى" تشمل عناصر أخرى تتضمن "الدور الإيراني في سوريا وإعمار سوريا والتطبيع الدبلوماسي وتجميد العقوبات الغربية"، إضافة إلى موضوع استئناف مفاوضات السلام بين دمشق وتل أبيب. وقال مسؤول غربي: "هناك رغبة لدى دول عربية في ـتأسيس مسار أمريكي - سوري بدءاً من ملف الرهائن يدعم ترامب في الانتخابات ويؤدي إلى الدخول في مفاوضات عميقة في بداية السنة المقبلة مع الرئيس الأمريكي سواء كان بايدن أو ترامب، تسفر عن صفقة استراتيجية كبرى".

عليه، هناك احتمالان: الأول، عقد صفقة صغيرة تتضمن إطلاق تايس وغيره مقابل "استثناءات" من عقوبات "قيصر" ورفض فيتو عن خطوات تطبيعية عربية أو غربية واحتمال العمل على تسهيل تشغيل "شرايين اقتصادية" مثل طريق حلب - اللاذقية. الآخر، بدء مسار خطوة - خطوة يؤدي إلى إعادة تموضع استراتيجي لسوريا، يخص إيران والسلام والإعمار والانسحابات.

"العقدة" بالنسبة إلى الجانب الأمريكي، أن دمشق لم تقدم إلى الآن دليلاً حول أن تايس حي وموجود لديها. ولا شك أن ما جاء في صحيفة "الوطن" عزز هذا الافتراض، إذ قالت: "اختفى في الغوطة الشرقية لدمشق بظروف غامضة، ولم يُعرف مصيره حتى الآن، وترجح المعلومات أن يكون اختفاؤه ناجماً عن صراع جماعات متطرفة كانت قد نشأت حديثاً في الغوطة الشرقية". اللافت أن دمشق قدّمت، عبر المسارات التفاوضية الثلاثة، قائمة طويلة من المطالب قبل أن تؤكد وجوده، بل إنها تقول إنه "عند المتطرفين". قد يكون هذا مجرد بدء موسم التفاوض.

في المقابل، تواصل واشنطن فرض عقوبات "قيصر" وغيرها من "الأدوات التفاوضية" بانتظار اختراقات جزئية و"تحولات استراتيجية".