الأثنين 2020/10/19

نظام الأسد يواجه “معادلة حرجة”: زراعة التبغ أم القمح؟

يبدو نظام الأسد في هذه المرحلة أمام معادلة حرجة: أيهما أهم لاقتصاده، التبغ بمردود العملة الصعبة، أم القمح الذي يعد أساس الأمن الغذائي في سوريا؟

ففي وقت تشتد فيه أزمة الخبز في مناطق النظام، وتزداد تعقيداً مع تحديد حصة الفرد من الخبز المدعوم بثلاثة أرغفة ونصف الرغيف، يومياً، يحصل عليه بموجب "البطاقة الذكية"، تتحدث الأنباء عن افتقاد مادة الطحين من الأسواق، فبالإضافة إلى عوامل العقوبات الدولية، لجأ النظام، خلال السنوات الماضية، إلى تشجيع زراعة التبغ للحصول على القطع الأجنبي عبر التصدير، بدل التركيز على خطة زراعية تسد الحاجة للقمح محافظة على الأمن الغذائي.

بالأمس، وقبل أن يبرد جمر الحرائق في مناطق الساحل، اقترحت صحيفة محلية رسمية على نظام الأسد، إجراء استصلاح سريع للأراضي المحروقة وزراعتها بالقمح. وقالت صحيفة "الثورة" الرسمية، إن تلك الأراضي "ذات تربة خصبة وأمطار عالية ويمكن تجهيزها بكلف بسيطة، مع تأمين احتياجات هذه الزراعة من سماد ومحروقات وتشجيع الفلاحين على زراعة القمح".

وبلغت مساحة الأراضي المحروقة في محافظتي طرطوس واللاذقية11 ألفًا و500 هكتار، 60 في المئة منها أراضٍ حرجية، والمساحة المتبقية هي أراض زراعية 4 في المئة منها فقط مزروعة، بحسب تقارير "وزارة الزراعة" حول الأضرار التي خلفها 156 حريقاً التهم أرياف محافظات حمص وطرطوس واللاذقية، تتوزع على49 حريقًا في طرطوس، 12 حريقًا في حمص و95 حريقًا في اللاذقية. وذلك بعد أقل من شهر على اندلاع حرائق مماثلة في منطقة الغاب بريف حماة.

ويحمّل نظام الأسد مسؤولية أزمة الخبز لواشنطن والدول الغربية، التي "تتفنّن في كيفية معاقبة الشعب السوري بإصدار قوانين الحصار"، و"منع مرور سنبلة قمح من حقول جزيرتنا المعطاءة ...... التي تشكل بيدر قمحنا وخزان نفطنا وغازنا"، بحسب تعبير الصحيفة "الرسمية"، التي اقترحت على "وزارة الزراعة" أن تكون خطة العام 2021 "استثنائية لوضع استثنائي" من أجل دعم الأمن الغذائي ولأن "الحرب لم تنتهِ". واقترح التقرير، زيادة أراضي زراعة القمح، عبر تخصيص ثلث المساحة المخصصة لزراعة الشعير في محافظات حماة وحمص وحلب ودرعا والسويداء للقمح، أي ما يعادل 200 ألف هكتار.

مصادر متابعة في دمشق قالت لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن الأزمة التي يواجهها نظام الأسد، هي "عدم توفر القطع الأجنبي اللازم لشراء القمح والنفط، سواء من مناطق الإدارة الذاتية الجزيرة محافظة الحسكة الواقعة ضمن مناطق النفوذ الأمريكي، أم عبر الاستيراد". وأكدت أن الحكومة مضطرة إلى "فرض تقنين مجحف على المواد الأساسية التي توفرها بالسعر المدعوم، لأنها تقوم ببيع أكبر حصة من المتوفر لديها للقطاع الخاص بأسعار مضاعفة، وهو ما يفسّر توفر المواد الأساسية بالسوق الموازي".

يشار إلى أن تسعيرة ربطة الخبز الحكومي المدعوم، تبلغ 50 ليرة سورية، في حين تباع الربطة نفسها في السوق السوداء بـ500 ليرة، وربطة الخبز السياحي بـ800 ليرة. (الدولار الأميركي يعادل 2300 ليرة).

وقالت مصادر اقتصادية، إن "الحكومة، خلال السنوات الماضية، بدل التركيز على خطة زراعية لسد الاحتياج من القمح للمحافظة على الأمن الغذائي، لجأت إلى تشجيع زراعة التبغ للحصول على القطع الأجنبي عبر التصدير، فضاعفت أسعار شراء التبغ من المزارعين، نوع الإكسترا كان بـ800 ليرة للكيلو غرام، أصبح بـ1800 ليرة، إلا أن ذلك لم يمنع المزارعين من بيع الأصناف الممتازة لتجار السوق السوداء من المحسوبين على النظام، حيث تهرب تلك الأصناف خارج البلاد، وما تبقى من أصناف، تشتريه المؤسسة العامة للتبغ الملتزمة بشراء كامل المحصول"، وذلك بالتزامن مع "تحول سوريا إلى منطقة لزراعة الحشيش والمخدرات بعد أن كانت دولة عبور فقط".

ويعد التبغ من أهم المحاصيل الاقتصادية في سوريا، وتقول المعلومات الواردة في موقع المؤسسة العامة للتبغ، إنه "المحصول الزراعي الثالث في سوريا ويعمل في زراعته حوالي ستين ألف مزارع، ويعيش على زراعته وصناعته وتجارته، حوالي تسعين ألف نسمة". وتشير معلومات رسمية، إلى أن زراعة التبغ راحت تمتد خلال السنوات القليلة الماضية، من الساحل نحو منطقة الغاب في ريف حماة وسط سوريا. وبلغت مساحة الأراضي المزروعة بالتبغ، هذا العام، نحو 27 ألف دونم كانت تزرع سابقاً بالقمح والشعير.

كما توسّعت المساحة في الريف الغربي لمحافظة حمص في مناطق تواجد مليشيا "حزب الله"، وقُدّرت مساحتها العام الجاري بـ4700 دونم كانت تزرع قبل الحرب بأشجار التفاح والمشمش. وبعد التسوية بين قوات النظام والفصائل المعارضة في درعا، عادت زراعة التبغ لتنشط وتتوسّع في ريف المحافظة الذي كان ينتج أجود أنواع القمح القاسي، فالدورة الزراعية القصيرة والعائد الاقتصادي الأفضل لزراعة التبغ، وهذا ما وضع نظام الأسد أمام معادلة حرجة: التبغ أم القمح الذي يعد أساس الأمن الغذائي في سوريا؟.

وكانت "الإدارة الذاتية" الكردية في مناطق الجزيرة السورية قد حددت سعر القمح بالدولار الأمريكي الثابت، ما أحرج دمشق لناحية تدني السعر الذي عرضته بالليرة السورية، وذلك قبل منع "الإدارة الذاتية" إدخال شحنات القمح إلى المناطق الخاضعة لنظام الأسد، بزعم الحفاظ على الاحتياطي من القمح الذي سجل إنتاج نحو 900 ألف طن منه في عام 2019، وفي العام الذي سبقه نحو 350 ألف طن، اشترت دمشق منه 100 ألف طن، أي نحو 40 في المئة من المحصول. وهذا العام جاء المنع الكردي، بالتوازي مع قانون قيصر، ما حرم مناطق سيطرة النظام من الحصول على حاجتها من القمح.