الأربعاء 2020/12/30

نظام الأسد يصادر أملاك معارضيه “بالمزادات” شمال سوريا

 

اعتمد نظام الأسد نمطا جديدا في مصادرة ملكية الغائبين، استهدفت الأملاك العائدة لعناصر من المعارضة، أو المواطنين الفارين منه.

 

ويرى مراقبون وحقوقيون في المزادات نمطا جديدا يعتمده النظام "لمصادرة ملكية" الغائبين، أو "الانتقام" من المعارضين، أو غير الراغبين بالعيش في ظله، بحسب تقرير للوكالة الفرنسية.

 

 

وفي 2018، أصدر النظام القانون رقم 10، الذي يتيح له إقامة مشاريع عمرانية جديدة على أملاك يكون أصحابها إجمالا غائبين، على أن يُعوَّضوا بحصص اذا أثبتوا ملكياتهم عبر تقديم وثائق الملكية مباشرة، أو عبر وكيل، خلال عام من إعلانها منطقة تنظيمية. ولا يتسنّى لنازحين كثر أخذ أوراقهم الثبوتية أو مستندات تثبت ملكياتهم عند فرارهم تحت القصف.

 

وتعرض القانون آنذاك لانتقادات واسعة من منظمات حقوقية، ويبدو أن المزادات تندرج في الإطار ذاته.

 

 

وبحسب التقرير، فقد فوجئ سلمان قبل أكثر من شهر بانتقال أرضه الخصبة إلى شخص غريب فاز بعقد؛ لاستغلالها في مزاد علني أجرته مؤسسة تابعة للنظام على مساحات زراعية واسعة في شمال غرب البلاد.

 

 

وأشار إلى أن سلمان، اللاجئ في اليونان، ليس الوحيد الذي يتعرض لمثل هذا، فقد أفاد نازحون آخرون من شمال حماة وجنوبها ومن جنوب حلب، بأنهم علموا بحصول مزادات لتضمين أراضيهم الغنية بأشجار الزيتون والفستق الحلبي والحبوب، من خلال لوائح موقعة من جمعيات فلاحية تُحدد مواعيد إجرائها، أو من خلال معارفهم ممن بقوا في المنطقة التي تسيطر عليها قوات النظام.

 

 

وفرّ سلمان (30 عاما) قبل سنة تقريبا من قريته البرسة في ريف إدلب الجنوبي، على وقع آخر هجوم لقوات النظام ضد فصائل المعارضة في المحافظة في بداية 2020.

 

وترك سلمان خلفه 150 دونما يملكها مع أشقائه الأربعة. واعتاد أصحاب الأرض، في شهري تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، أن ينثروا البذور فيها، لينبت الشعير والكمون والعدس وحبة البركة، على أمل أن تعود عليهم بأرباح تتراوح بين 10 و12 ألف دولار.

 

لكن هذه السنة اختلف الأمر كليا. وقال سلمان إنه "في نهاية الشهر العاشر، فوجئنا بمزادات علنية... قرأنا أسماء القرى على لوائح لتضمين أراضي كل شخص غير متواجد في أرضه في جنوب إدلب".

 

وتشير اللوائح التي نشرها اتحاد الفلاحين في إدلب على صفحته على "فيسبوك"، في تشرين الأول/ أكتوبر، إلى أن المزادات تجري على "الأراضي الزراعية لغير المتواجدين أصحابها في مناطق سيطرة النظام " من المديونين للمصرف الزراعي.

 

وينفي سلمان، كما نازحون آخرون، أن تكون عليه أي ديون للمصرف الزراعي، ويعتبر ذلك "مجرّد حجة".

 

ويقول: "خسرنا أراضينا في اليوم الذي تهجرنا فيه.. وفوق هذا كله يأتي أحدهم اليوم ليتصرّف بها. أرض تركها لنا أجدادنا، وسنتركها لأبنائنا، بأي حق يأتي أحدهم ويأخذها؟".

 

وتتراوح قيمة الاشتراك في المزادات بين 500 وألفي ليرة للدونم الواحد.

 

وقالت ديانا سمعان، الباحثة في الملف السوري لدى منظمة العفو الدولية، التي اتهمت النظام بشن هجمات ترقى إلى "جرائم ضد الإنسانية" في إدلب وحماة وحلب، لفرانس برس: "بعد القصف لا تزال الانتهاكات التي تطال المدنيين مستمرة، لكن بطرق مختلفة".

 

وأضافت: "ما يحصل عبر هذه المزادات هو استغلال واضح للتهجير من الناحية الاقتصادية، ومصادرة للأراضي بطريقة غير قانونية، ومخالفة للقانون الدولي".

 

من جهته، قال المستشار القانوني في منظمة "اليوم التالي"، القاضي أنور مجنِي، إن "المزادات ظاهرة جديدة تخص أراضي عائدة لسوريين خارج مناطقهم، وكأنها نوع من أنواع العقاب"، معتبرا أنها تشكل "انتهاكا لحق الملكية الذي ينص عليه القانون، ويضمن حقوق الاستعمال والاستغلال والتصرف للمالك".

 

وأضاف مجني، وهو من ممثلي المجتمع المدني في اللجنة الدستورية التي تعقد اجتماعات في جنيف برعاية الأمم المتحدة، أن "المزادات قد لا تؤدي إلى نقل الملكية، لكنها اعتداء على حق الاستعمال والاستغلال".

 

وفي وثيقة حصلت عليها "اليوم التالي"، تحدّد لجنة إدارية منبثقة عن اللجنة الأمنية والعسكرية في حلب يوم 22 تشرين الثاني/ نوفمبر موعدا لمزاد علني لزراعة أراض في جنوب غرب المحافظة، من دون أن تأتي حتى على ذكر المصرف الزراعي. وتذكر اللجنة أنه يجدر على الفائز بالمزاد تسديد المبلغ نقدا، بعد الحصول على وصل من محاسبها.

 

وحاول حافظ أمير (38 عاما)، الذي فرّ من غرب حلب إلى تركيا، إنقاذ أرض كان يزرعها بالشعير وحبة البركة والكمون وغيرها، عندما عرف بموضوع بأمر مزاد يشملها، عن طريق جاره، فعرض على هذا الأخير دخول المزاد، على أن "أدفع أنا الإيجار، وبعد الحصاد نتقاسم الأرباح".

 

وأضاف: "مجرد أن أعرض عليه أن أستأجر أرضي كان أمرا قاسيا جدا.. أردت أن أسترزق منها بدلا من أن أفقدها تماما".

 

وفي النهاية، فاز في المزاد قبل نحو شهر ونصف شخص "له أقارب في فرع المخابرات" في المنطقة، وفق أمير.

 

 

ويقول أبو عادل (54 عاما) إنه نزح من قريته كفر زيتا في شمال حماة؛ لقربها من خطوط التماس العام 2012، من دون أن ينقطع عن أراضيه المزروعة بالفستق الحلبي. كان يتردد عليها ويرعاها، ويبذل جهدا لتعود عليه بموسم ناجح تراوح مردوده ما بين 23,8 و28,8 ألف دولار.

 

ومنذ سيطرة قوات النظام على كفرزيتا صيف 2019، لم ير أبو عادل أشجاره. لكنه لم يستسلم، وتواصل مع أشخاص في القرية أرسل لهم تكاليف الاهتمام بها وحراستها، غير أنه لم يتمكن من قطاف الموسم، إذ عرضت أرضه في مزاد في تموز/ يوليو فاز به أشخاص "موالون" للجان الأمنية التي نفذته.

 

ويقول أبو عادل بأسى: "لم يكن بمقدورنا عمل شيء"، مضيفا: "جميعهم عصابة واحدة".