الأثنين 2020/07/06

نازحون من مدينة دير الزور ينتظرون “تأشيرة خروج” من مخيم الهول بالحسكة

في أواخر عام 2018، وعلى وقع المعارك الدائرة في مسقط رأسها، فرت عائلة سلطان من بلدتها الباغوز التابعة لريف دير الزور الشرقي، ومنها توجهوا نحو مخيم الهول بمدينة الحسكة المجاورة.

وفي خيمته التي لا تقي من ارتفاع درجات الحرارة وقد جاوزت 45 درجة مئوية، جلس سلطان (50 سنة) وزوجته وأبنائه الأربعة يفترشون الأرض.

وقال سلطان، الرجل الخمسيني: "مضى على وجودنا هنا قرابة عام و10 أشهر، فالمعارك في الباغوز انتهت، لكن لا يسمحون لنا بالعودة. وعندما أسال إدارة المخيم، يقال لنا: تحتاجون إلى كفيل من شيوخ المنطقة".

أما زوجته سعدية التي تبلغ من العمر 40 سنة، فأخبرت بأن أبرز التحديات التي تواجه معيشتهم في المخيم تنحصر بارتفاع درجات الحرارة وقلة مياه الشرب. فعند حديثها، مسحت بيدها العرق الذي تسلل إلى وجهها وعينيها، وكانت تلبس غطاءً أزرق اللون مطرزاً بنقوش سوداء، لتقول: "الحرارة بالخارج موت، والخيمة عبارة عن شادر؛ لا تحمينا لهيب الشمس، ونحتاج لكميات كبيرة من المياه، وأطفالي يمرضون، وننتظر ساعات طويلة حتى يأتي المساء".

وفي الخارج، اقتربت من خيمتهم زوبعة غبار دوامية الشكل تقذف غباراً حاراً وأنقاضاً، وتسمع صرخات الأطفال وهم يلعبون أمام الزوبعة وقد تناثرت الأتربة على وجوههم وملابسهم. وعند دورات المياه، انتظرت العشرات من السيدات والفتيات أمام خزانات حمراء رسم عليها شعار "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" دورهن ليحصلن على كمية من المياه الصالحة للشرب.

تقول عبلة ذات الثلاثين عاماً، وتسكن بجانب عائلة سلطان، إنهم يفتقدون إلى الخصوصية لأن معظم الخيم مهترئة غير قابلة للسكن، وتضيف: "لا تفصل بيننا سوى قطعة قماش؛ كيف أخرج للحمامات، وأعود منها، ثم أنشر الغسيل أو أطبخ في مساحة لا تتجاوز 50 متراً، بالأخص النوم؛ لا يوجد خصوصية لنا أنا وبناتي".

وبعد انتهاء العمليات العسكرية في ريف دير الزور الشرقي، ينتظر أكثر من 20 ألف نازح سوري بمخيم الهول الخاضع لمليشيات "قسد" للعودة إلى ديارهم، مع تشديد القيود بسبب تفشي فيروس كورونا.

ويأتي عبد الرواي (55 عاماً)، المنحدر من بلدة السوسة، منذ 15 يوماً ليراجع إدارة المخيم للانتهاء من معاملة إخراج زوجته وأبنائه بعد فرارهم منها قبل عام ونصف. وفي أثناء وقوفه في طابور طويل أمام مكتب السجلات، قال بصوت غاضب: "مناطقنا تحررت وخالصين، إذا كنا محكومين، أرجو إعطاءنا نسخة، وابلاغنا المدة سنة أو أكثر لقضاء المحكومية. أما إذا كنا أحرارا فـ ليسمحوا لنا بالخروج، واعطائنا الأوراق الشخصية".

في حين نقل علي مطر العلي (60 عاماً)، المنحدر من بلدة "البوبدران" التابعة للسوسة، أنهم يوجدون في المخيم منذ قرابة عامين، وأنه اضطر للهروب بسبب الحروب الدائرة بالمنطقة، وقال: "طلبنا من إدارة المخيم السماح لنا بالخروج دون أن نلقى جواباً شافياً؛ في كل مرة يطلبون إجراءات جديدة، وأنا أنتظر منذ 3 أشهر للخروج من هنا. يجب مراعاة ظروفنا".

وبحسب القيمين على إدارة مخيم الهول، يبلغ تعداده نحو 68 ألفاً، من بينهم 20 ألف نازح سوري، وهم 9 آلاف عائلة، معظمهم ينحدرون من دير الزور، وهو يعج بالنساء والأطفال، إذ يشكلون 90 في المائة من قاطنيه، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وتدخل وجهاء عشائر وشيوخ عرب، وطالبوا بالسماح بإخراج العائلات، وأخبرت مديرة المخيم، ماجدة أمين، أنهم بدأوا العمل بنظام "الكفالة"، وأخرجوا المئات على دفعات، مضيفة: "هناك قوائم كثيرة ستخرج قريباً، فنحن ملتزمون بحسب القوائم المرسلة من العشائر العربية". وتعزو التأخر في إجراءات الخروج إلى الجهات الأمنية التي تدرس عودة كل عائلة على حدة.

وقبل يومين، أضرمت نساء من زوجات عناصر تنظيم الدولة النيران في خيم اللاجئين العراقيين وكشفت مصادر أمنية أن مجموعة من زوجات عناصر التنظيم أضرمن النار في 4 خيم تعود للاجئين عراقيين دون وقوع خسائر بشرية، وأضافت: "هؤلاء النسوة كتبن شعارات مؤيدة للتنظيم. وكل فترة يشهد المخيم حالات كهذه، وقد تعرض بعض للقتل وآخرون للطعن".

وفي شهر آذار 2019، تدفقت آلاف العائلات من مدن وبلدات ريف دير الزور الشمالي والشرقي، تحمل كل عائلة معها قصص النجاة والهروب، وتحت خيمة واحدة تسكن عائلة أو أكثر من دون خدمات أحياناً، ونقص بمياه الشرب وقلة الحمامات. ورغم ذلك، فتلك الخيمة كانت حلماً قد تحقق بعد الفرار من نيران المعارك التي أجبرت كثيرين منهم على البقاء أياماً حتى وصلوا للمخيم.

وتروي فاطمة (43 سنة) كيف مزقت الحرب شمل عائلتها، حيث وصلت برفقة زوجها وثلاثة أطفال صغار إلى مخيم الهول قبل 22 شهراً، فيما هرب أبناؤها الكبار إلى لبنان خشية اعتقالهم أو إشراكهم في المعارك، أما بناتها فتزوجن وسافرن إلى مدينة حمص، وقالت: "أتصل بهم يومياً عبر خدمة (واتساب)، وأرسل لهم صورنا، وهم يرسلون لنا مقاطع صوت وصورهم؛ أتمنى أن نجتمع مرة ثانية على سفرة الطعام".