الخميس 2021/12/30

موسكو تضع المعارضة السورية أمام الخيارات الصعبة

وضعت تصريحات مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، عن أن إعداد دستور جديد لسورية يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في البلاد، المعارضة أمام الخيارات الصعبة. فالاستمرار في العملية السياسية مضيعة للوقت، وأقرب ما يكون لـ"العبث"، والانسحاب منها يُحرج هذه المعارضة أمام داعمين إقليميين.

 

وجددت تصريحات لافرنتييف، الاثنين الماضي، التأكيد مرة أخرى على أن موسكو حسمت خيارها بالإبقاء على بشار الأسد في السلطة، كونه الضامن لمصالحها في شرق المتوسط. 

 

واعتبرت المعارضة السورية، عبر ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، هذه التصريحات "انقلاباً" على العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، استناداً لقرارات دولية واضحة الدلالة، وترسم طريقاً للحل يتضمن تغييراً حقيقياً في النظام الحالي.

 

ووجدت المعارضة السورية نفسها من جديد أمام "حرج سياسي"، فهي من جهة تدرك أن تصريحات المسؤول الروسي بمثابة "رصاصة رحمة" على العملية السياسية، ولكن هذه المعارضة لا يمكنها الإعلان عن انسحابها من هذه العملية، كي لا تُتهم بعرقلة المسار التفاوضي.

 

وبعد تصريحات لافرنتييف مباشرة، أعلن المتحدث باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إبراهيم جباوي، انسحابه من عضوية اللجنة الدستورية احتجاجاً على موقف موسكو.

 

من جهته، قال رئيس هيئة التفاوض التابعة للمعارضة أنس العبدة، عبر حسابه في "تويتر"، إن "تصريحات المسؤولين الروس حيال العملية السياسية منفصلة تماماً عن المبادئ الأساسية للقرار الدولي (2254)". 

 

وأضاف: "مشكلتنا ليست الدستور فحسب، والقرار الأممي أوسع وأشمل من أن يُختزل بالدستور، سواء رفضه أو رضي النظام عنه". وأشار العبدة إلى أن "القواعد الإجرائية للجنة الدستورية واضحة وصريحة". 

 

وأوضح أن الخيار الوحيد الموجود أمام من يريد الاستمرار في هذا المسار هو كتابة دستور جديد، ولا بد من تفعيل بقية سلال القرار الأممي، كي يستفيق النظام من وهم أن العملية دستورية فحسب.

 

وأكد العبدة أن "المبعوث الدولي، وفي أكثر من مناسبة، حدّد الطرف المسؤول عن التعطيل، والذي هو نظام الأسد". وقال: لذلك فإن ما يقوله المسؤولون الروس غير صحيح، وغير موضوعي، وهو يهدد العملية السياسية برمتها.

 

وفي السياق، أكد رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط، عبر "تويتر"، أنه "لا مكان لرأس الإجرام في مستقبل سورية"، في إشارة إلى بشار الأسد. 

 

واعتبر المسلط أن التصريحات الروسية "تنم عن جهل وتجاهل من المسؤولين الروس لجميع القرارات، والتقارير الصادرة عن الأمم المتحدة ومنظماتها، والمبعوثين والمحققين الدوليين، والتي أكدت جميعها مسؤولية النظام المجرم عن تعطيل وعرقلة مسارات الحل السياسي". 

 

وبعد تصريحات المسؤول الروسي باتت المعارضة في عين عاصفة غضب الشارع السوري المعارض، الذي يطالب بموقف أكثر حسماً من هذه المعارضة إزاء العملية السياسية برمتها، خصوصاً بعدما بات واضحاً أن الاستمرار فيها، سواء في مسار أستانة، أو مسار جنيف، يعني تمييع هذه القضية وتصفيتها سياسياً.

 

دبلوماسي منشق عن وزارة الخارجية التابعة للنظام، فضّل عدم ذكر اسمه، قال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن التفاوض مع النظام "عبث"، ولكن المعارضة لا تملك خيار الانسحاب في الوقت الراهن. 

 

وأشار إلى أنه "على المعارضة الإعلان عن استعدادها للدخول في الجولة السابعة من مفاوضات اللجنة الدستورية، ولكن بعد وضع جداول زمنية وأهداف محددة". وأضاف: على المعارضة المطالبة بتنفيذ القرارات الدولية، وما فرضته من تراتبية، خرّبها المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا.

 

وكانت العملية السياسية في سورية بدأت في العام 2012. وصدر وقتها بيان "جنيف 1"، الذي نص على وقف العنف بكل أشكاله وإطلاق سراح المعتقلين، و"إقامة هيئة حكم انتقالية، باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية"، وإعادة النظر "في النظام الدستوري والمنظومة القانونية. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام"، و"القيام بإجراء انتخابات "حرة ونزيهة وتعددية".

 

ولم ينفذ النظام أياً من هذه البنود التي عاد مجلس الأمن الدولي، وأكد عليها مرتين، الأولى في العام 2013 من خلال القرار الدولي 2118، الذي أعقب مجزرة الكيميائي التي اقترفها النظام في ريف دمشق، والثانية في 2015 من خلال القرار الدولي 2254. وجرت منذ العام 2014، عديد جلسات التفاوض في جنيف بين المعارضة والنظام، تحت إشراف الأمم المتحدة، إلا أنها لم تفض إلى شيء.

 

واضطرت المعارضة السورية إلى قبول الدخول في مفاوضات حول الدستور قبل إنجاز الانتقال السياسي، كما تنص القرارات الدولية، استجابة لضغوط من حلفاء إقليميين. 

 

ولكن تنازل المعارضة لم يُقابل من النظام إلا بتصلب أكبر ورفض لكل القرارات الدولية ذات الصلة. بل إن هذا النظام وضع العملية السياسية برمتها وراء ظهره، إذ تحدث وزير خارجيته فيصل المقداد، الاثنين الماضي، عن "تطوير" دستور عام 2012 وليس تغييره بالمطلق.

 

كما تحدث المقداد عن "تحرير" الشمال السوري، ما يشير إلى أن النظام يستبعد أي خيارات سياسية وفق القرارات الدولية، ويبحث عن استسلام غير مشروط لقوى الثورة والمعارضة، ولـمليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في الشمال الشرقي من البلاد.

 

ولم يصدر حتى عصر أمس الأربعاء أي موقف رسمي من واشنطن حول تصريحات لافرنتييف. إلا أنه ليس من المتوقع أن يستجد شيء على الموقف الأميركي إزاء القضية السورية، والتي كما تشير المعطيات ليست في صلب اهتمام إدارة الرئيس جو بايدن، على الأقل في الوقت الراهن.

 

إلى ذلك، قال الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المعارضة "اتخذت موقفاً نظرياً رافضاً لتصريحات المسؤول الروسي". وأضاف: بقي الموقف العملي، وهو مرتبط بالأوراق التي تمتلكها هذه المعارضة. 

 

وأعرب عن اعتقاده بأن "قوى الثورة والمعارضة السورية تساير الجهود الدولية للتوصل إلى حلول سياسية"، مضيفاً: أعتقد أن خيار تعليق مشاركة هذه المعارضة، أو الانسحاب من العملية السياسية، مستبعد في الوقت الراهن، ولكن عليها رفع سقف مطالبها، خصوصاً أن الموقف الروسي، الذي عبّر عنه لافرنتييف، يشكل استفزازاً للمعارضة.