السبت 2019/06/01

منظمات خدمت جنوب سوريا.. حاربها الأسد ولاحق موظفيها

عانت المناطق المحرّرة في الجنوب السّوري (درعا والقنيطرة) خلال فترة سيطرة الثوار عليها حصاراً خانقاً من قبل النظام، ما أثر في حياة المواطنين بشدّة، وزاد ظروفهم المعيشية صعوبة.

ولم تتمتع تلك المناطق بنفس الميزات التي استفاد منها الشمال السوري من الجارة تركيا؛ حيث منع الأردن -حتى الأيام الأخيرة من سيطرة فصائل المعارضة على المنطقة- أي نوع من أنواع التواصل معه إلا في نطاق ضيق جداً ومحدود.

ونشطت في المنطقة رغم الظروف الصعبة مجموعة من المنظمات الإنسانيّة المدنية، سواء دولية أو محلية نشأت مع بداية الثورة السورية؛ كمشروع "سوريا للخدمات الأساسية".

ونَفّذ المشروع خدمات بإشراف وتمويل عدة منظمات، مثل "أورنتيس" و"IRD"، استفاد منها المواطنون فوائد كبيرة؛ كتشغيل الآبار بالطاقة الشمسية لضخّ المياه لأهالي القرى والبلدات في المناطق المحرّرة، وتشغيل المشافي بالطاقة الشمسية، وترميم بعض المشافي والمدارس.

وجرى إطلاق "منظمة غصن الزيتون"، التي تخصص جزءاً كبيراً من عملها لتعليم وترفيه الأطفال، بدعم المدارس، وإنشاء الروضات، ومراكز الدعم النفسي، ودورات توعوية للنساء، كما ذكر حامد عزام، أحد العاملين في المنظمة سابقاً، لموقع "الخليج أونلاين".

وقال عزام: "كان لمنظمة غصن الزيتون مشاريع كثيرة في الجنوب السوري، ركّزت على الأطفال من الناحية التعليمية والترفيهية، محاولة تجاوز آثار الحرب التي يشنّها نظام الأسد على المدنيين الأبرياء، حيث يكون الأطفال ضحايا لا ذنب لهم".

وأوضح عزام أنه "لم يقتصر عمل المنظمة على فئة الأطفال، بل قدّمت الكثير من الدورات لتوعية النساء بمختلف الجوانب الاجتماعية والثقافية والصحية والتربوية"، مبيّناً أنها قدّمت للمنطقة خدمات لم تشهدها حتى قبل انطلاق الثورة في 2011.

ومن تلك المنظمات أيضاً فرق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، حيث عملت على مساعدة المواطنين في كل الظروف؛ من إسعاف الجرحى، وإخلاء أماكن القصف، إلى تفجير مخلّفات الحرب، وتوعية الناس بخطرها من خلال دورات أو منشورات.

وتعمل العشرات من المنظّمات الطبية والإغاثية في مناطق جنوبي سوريا؛ تضمّ عدداً كبيراً من الموظفين والمكاتب، وتقدّم خدمات للفقراء والأيتام والمرضى.

 وبيّن "أبو عمران" أحد العاملين السابقين في هذه المنظمات، لـ"الخليج أونلاين"، أنها تقدّم خدماتها الإغاثية لمعظم شرائح المجتمع؛ والمتمثّلة بـ (السلل الغذائية - سلل التنظيف - السلل الزراعية) اللازمة لأبناء المنطقة، وتأمين فرص العمل لأعداد كبيرة من المواطنين، بالإضافة إلى أنشطة ثقافية توعوية للتخفيف من آثار الحروب.

عودة "قبضة الأسد"

وبعد سيطرة نظام الأسد على المنطقة الجنوبية، في شهر يوليو الماضي، تمّ فصل جميع العاملين في هذه المنظّمات، وإلغاء عملها، وسرقة جميع المكاتب والمستودعات الكبيرة والكثيرة على أرض الجنوب، ممَّا انعكس سلباً على حياة الناس بحرمانهم من الخدمات التي كانت تقدّمها هذه المنظمات.

وفقد الآلاف من الناس فرص العمل التي كانت توفّرها، لا سيما أن النظام لم يفِ بوعوده التي نصّت عليها شروط المصالحات؛ وهي عودة الموظفين المنقطعين إلى وظائفهم والمعلّمين إلى مدارسهم.

وقال محمود الحوراني، وهو معلّم مدرسة مفصول من عمله، لـ"الخليج أونلاين": "لقد مضت الفترة الماضية من بداية المصالحات ولم يعد موظف واحد من المفصولين إلى عمله، أو معلم واحد إلى مدرسته، على الرغم من مراجعة الفروع الأمنية، وقد تم فصلهم من عملهم أثناء فترة تحرير المناطق، وقد نصّت شروط المصالحة التي قام بها النظام تحت رعاية الشرطة العسكرية الروسية على عودتهم إلى وظائفهم وأعمالهم".

وتعرّض العاملون في تلك المنظّمات إلى أعمال ملاحقة أمنية وابتزاز مالي.

وتواصل "الخليج أونلاين" مع كثيرين ممَّن عملوا سابقاً في هذه المنظّمات، ولكنهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم لأسباب أمنية، وأفادوا بأنهم اعتُقلوا لفترات تراوحت بين عدة أيام وشهرين، وأنّ أهاليهم اضطرّوا إلى بيع ممتلكاتهم وعقاراتهم لدفع المبالغ الباهظة المطلوبة منهم.

وأشد إجراءات الانتقام من قبل نظام الأسد شنها على أعضاء الدفاع  المدني (وهي منظمة إنسانية مدنيّة تقوم خدماتها في مجال إسعاف مصابي القصف)،إذ  تمّت شيطنتها من قبل النظام واتّهامها بالخيانة، ورفض المصالحة لعناصرها، حيث تعهّدت دول غربية بإعادة توطينهم فيها بعد أن وصلوا إلى الأردن عبر الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وبلغ عددهم 422 شخصاً ومعهم أفراد عائلاتهم. ويعود ذلك لتوثيق المنظمة هجمات نظام الأسد الكيميائية كما شاركت روسيا في تشويه سمعة المنظمة على المستوى الدولي.

وأنهى نظام الأسد عمل المنظمات الإنسانية في المناطق التي سيطر عليها ولم يقدّم بديلاً لأهالي تلك المناطق مع حاجتهم الشديدة للعمل والخدمات المتنوّعة، ويبقى المواطن الذي يعاني الفقر وسوء الأحوال المعيشيّة، والخوف من القبضة الأمنيّة التي تشتدّ عليه يوماً بعد يوم، ضحيّة كل تلك الممارسات.