الأثنين 2021/10/18

محادثات جنيف السورية: الفشل ينتظر الجولة السادسة لملهاة “اللجنة الدستورية”

بعد أشهر عدة من تعطل أعمالها، تعود اللجنة الدستورية السورية المشكّلة من قبل الأمم المتحدة من ممثلي المعارضة والنظام، والمنوط بها وضع دستور جديد للبلاد، للاجتماع مجدداً في مدينة جنيف السويسرية، بعد جولات مكوكية من المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، لتجسير هوّة الخلافات بين النظام وداعميه، وبين المعارضة وحلفائها الإقليميين.

 

وتبدأ هذه اللجنة بصيغتها المصغرة اليوم الإثنين أعمال الجولة السادسة بعد توقف دام أشهراً، إذ كانت الجولة الخامسة من اجتماعات هذه اللجنة قد عقدت في يناير/ كانون الثاني الماضي، بينما كانت نتائجها، وما سبقها من جولات، صفراً. وعقد أمس الأحد اجتماع تمهيدي لهذه الجولة في مقر الأمم المتحدة بمدينة جنيف، ضم الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية (عن المعارضة هادي البحرة وعن النظام أحمد الكزبري)، وبيدرسن، في اجتماع هو الأول من نوعه منذ انطلاق أعمال اللجنة الدستورية.

 

وكان المبعوث الأممي قد جال أخيراً في العديد من العواصم، ومنها العاصمة السورية دمشق، لتمهيد الطريق مجدداً أمام هذه اللجنة التي تعتبرها الأمم المتحدة خطوة واسعة باتجاه التوصل إلى حل سياسي في البلاد، التي باتت اليوم معرضة لكل السيناريوهات، ومن بينها البقاء على الحال ذاته لسنوات عدة مقبلة.

 

وفي السياق، ذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس الأحد، أن بيدرسن قدّم في وقت سابق اقتراحاً للوفود المشاركة بأن يتم البحث بنصوص المبادئ الدستورية، مشيرةً إلى أنه "تم الاتفاق على تقديم نص مبدأ دستوري واحد كل يوم، خلال أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، لتتم مناقشته، على أن يخصص آخر يوم من الجولة، وهو الجمعة، لمناقشة عامة، وتقييم نقاط التوافق والخلاف بين المشاركين على المبادئ الأربعة التي طرحت".

 

من جانبه، أعلن رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، أنس العبدة، أول من أمس السبت، اعتماد منهجية جديدة في اجتماعات اللجنة الدستورية، مشيراً في مؤتمر صحافي عقده عبر تقنية الاتصال المرئي إلى أن "وفد المعارضة تحضّر جيداً، وسيبذل كل الجهود للدفع بالمسار الدستوري، وتحقيق تقدم ملموس بالمسار السياسي، وفق منهجية جديدة لاجتماعات اللجنة الدستورية". وأضاف: "تم التوافق على المنهجية التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة من أجل التحفيز نحو الإنجاز باللجنة الدستورية السورية". وأوضح العبدة أن المنهجية الجديدة "تتمثل في محاولة الانتقال من مرحلة النقاش لمرحلة الصياغة، من خلال تقدم الأطراف الثلاثة (وفد المعارضة ووفد النظام ووفد المجتمع المدني) بعناوين للمبادئ الأساسية للدستور"، مضيفاً أنه "قبل بدء الاجتماعات، سيتم تقديم مسودات نصوص مقترحة لنقلها إلى جلسات اللجنة".

 

وكانت الأمم المتحدة قد أقرّت في الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف بين النظام والمعارضة السورية التي عقدت في فبراير/شباط من عام 2017 أربع سلال تفاوضية، تشمل القضايا الخاصة بإنشاء حكم انتقالي غير طائفي يضم الجميع، والقضايا المتعلقة بوضع جدول زمني لمسودة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد وضع الدستور، واستراتيجية مكافحة الإرهاب والحوكمة الأمنية. وكانت الأمم المتحدة تخطط لكتابة دستور جديد خلال عام 2017، إلا أن النظام السوري عرقل مهمتها طويلاً، قبل أن تعقد اللجنة الدستورية المؤلفة من 150 عضواً بالتساوي بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، أولى جولاتها أواخر عام 2019. وانبثقت من الهيئة الموسعة لجنة مصغرة (هدفها صياغة الدستور) من 45 عضواً بواقع 15 من كل مجموعة، تتخذ قراراتها بموافقة 75 في المائة من أعضائها، وبرئاسة مشتركة من النظام والمعارضة.

 

وعقدت خلال عام 2020 وبداية عام 2021 أربع جولات انتهت جميعها بالفشل، إذ كان النظام يشتري الوقت لتنظيم انتخابات رئاسية وفق دستور وضعه عام 2012، وهو ما حدث أواخر مايو/ أيار الماضي، عندما ثبّت بشار الأسد نفسه رئيساً لدورة رئاسية جديدة تنتهي في عام 2028. وكانت المعارضة السورية قد وافقت تحت ضغط إقليمي ودولي على الانخراط في محادثات مع النظام حول الدستور، على الرغم من أنّ قرارات الأمم المتحدة تنصّ على إنجاز الانتقال السياسي أولاً.

 

من السياق، عبّر عضو الهيئة الموسعة عن المجتمع المدني، سليمان القرفان، عن اعتقاده بأنه "لن يكون هناك أي تقدم في أعمال اللجنة الدستورية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أنه "لن تختلف الجولة السادسة عن سابقاتها، وذلك لعدم وجود توافق حقيقي ودعم لأعمال اللجنة من الدول الفاعلة بالملف السوري".

 

وأشار الفرقان إلى أن "النظام غير جاد بالانخراط في أعمال اللجنة، فالمنهجية التي تم التوافق عليها لعمل الجولة السادسة توحي بذلك"، مضيفاً: "تشترط هذه المنهجية التوافق على المبادئ التي سيتم طرحها ونقاشها من قبل الوفود المشاركة، ما يعني مناقشة كل شيء وترحيل كل شيء إلى المستقبل لاستحالة التوافق". كما رأى القرفان أنه "لم يتغيّر شيء في المشهد السوري"، موضحاً أن "النظام يرى نفسه منتصراً، ولا تزال الولايات المتحدة الأميركية غير جادة في الانخراط بالملف السوري".

 

ومن المتوقع أن يواصل النظام سياسة المماطلة والتسويف، خاصة أنه لا يزال يعلن رفضه الانخراط في العملية الدستورية، إذ يطلق على الوفد القادم من دمشق اسم "الوفد الوطني" الذي يطالب بتعديلات على دستور عام 2012، بينما القرارات الدولية تدعو إلى كتابة دستور جديد. وينص القرار الدولي الشهير 2254 والذي صدر أواخر عام 2015 على "اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية"، وعلى "إجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة". وكان معاذ الخطيب، وهو الرئيس الأول لهيئة التفاوض، قد وصف اللجنة الدستورية أخيراً بـ"الخديعة لكسب الوقت ريثما يطحن الشعب السوري كله أو يتعب".

 

من جانبه، رأى المحلل السياسي رضوان زيادة في حديث مع "العربي الجديد" أنه "لن يكون هناك أي تقدم في أعمال اللجنة الدستورية"، معرباً عن اعتقاده بأن "هذه المفاوضات، إذا صحت تسميتها كذلك، هي مفاوضات عبثية لن تفضي إلى شيء". وأضاف: "الأمم المتحدة تعتقد بجدواها على الرغم من عدم التقدم، كي تبرر وجودها، للأسف لا أجد سبباً آخر".