الثلاثاء 2021/10/19

متاهة جنيف: إصلاحات أم دستور سوري جديد؟

مع انطلاق أعمال الجولة السادسة من أعمال اللجنة الدستورية السورية، التي تضم النظام والمعارضة، في مدينة جنيف، بدأت تتكشف سريعاً المماطلة التي كان النظام اعتمدها خلال الجولات السابقة عبر تقديمه مبادئ مكررة عن دساتير سابقة، وذلك بعد أن كان تصريح المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، بشأن موافقة الطرفين على صياغة مسودة إصلاحات دستورية، أجبر المعارضة على التوضيح أن الإصلاح يشمل مشروع الدستور والإجراءات والآليات الضامنة لعدم الالتفاف عليه.

 

وقال بيدرسن، في تصريح مساء الأحد الماضي بعد لقائه الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية، أحمد الكزبري الذي يمثل وفد النظام وهادي البحرة عن المعارضة، إن الطرفين وافقا على الاستعداد للبدء في صياغة مسودة إصلاحات دستورية. وأشار إلى أن "المجموعة المصغرة من اللجنة ستباشر العمل على صياغة مسودة الإصلاح خلال الجلسة التي ستعقدها (أمس) الاثنين وفقاً للاتفاق المبرم بين الرئيسين المشاركين للجنة".

 

وبدأت المجموعة المصغرة للجنة الدستورية أعمال الجولة السادسة بعد توقف دام أشهراً، إذ كانت الجولة الخامسة من اجتماعات هذه اللجنة قد عقدت في يناير/ كانون الثاني الماضي، بينما كانت نتائجها، وما سبقها من جولات، صفراً. وانطلق عمل اللجنة الدستورية، التي تضم 45 عضواً عن المعارضة والنظام والمجتمع المدني، بنقاش حول مبادئ أساسية تقدم بها النظام تحت عنوان "سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة أراضيها". وبحسب ما علمت "العربي الجديد"، فإن "ما تجرى مناقشته عبارة عن مبدأ عام مكرر في الدساتير السورية".

 

وكانت مصادر أوضحت، لـ"العربي الجديد"، أن ما قصده بيدرسن في تصريحه هو "تقديم مبادئ دستورية من قبل الأطراف المشاركة في اجتماعات اللجنة الدستورية خلال الجولة الحالية، وهم النظام والمعارضة وممثلون عن المجتمع المدني، عبر صياغات دستورية تكون واضحة". وأضافت أن "كل وفد سيعمل، بعد الحصول على الصياغات، على مناقشة هذا الأمر في اجتماعات جانبية، على أن يتم الانتقال بعدها إلى الاجتماع الرئيسي من أجل نقاشها، والبحث عن نقاط مشتركة وتوافقات حول الصياغات المقدمة". ولفتت إلى أنه "كلما تمت مناقشة مبادئ مصاغة محددة مقدمة من أحد الأطراف، والتوافق عليها من قبل الأطراف الثلاثة، سيتم الانتقال بعدها إلى مبادئ أخرى خلال الأسبوع المقبل، ووضع خطة لما تبقى من العام (الحالي) من أجل استكمال (بحث) المبادئ المقدمة".

 

ومن المنتظر أن تقدم المعارضة أيضاً مقترحات لصياغات مبادئ دستورية تناقش من قبل بقية الأطراف. وكان رئيس هيئة التفاوض أنس العبدة كشف، أخيراً، أن المعارضة "استعدت بشكل جيد من أجل اجتماعات الجولة السادسة لأعمال اللجنة الدستورية".

وكانت تصريحات بيدرسن أربكت الشارع السوري المعارض، حيث بدت وكأنها مخالفة لقرارات سابقة للأمم المتحدة تنص على كتابة دستور جديد تجرى على أساسه انتخابات "حرّة ونزيهة"، إلا أن البحرة أوضح، في تصريحات أمس الاثنين، أن تصريح بيدرسن لا يناقض القرار 2254 ولا اتفاق تشكيل اللجنة وتفويضها. وأضاف: "عندما نتكلم عن الإصلاح الدستوري، فإنه عملية أوسع من صياغة مشروع الدستور، فهو يشمل مشروع الدستور إضافة إلى الممارسات الدستورية، أي كل ما يتعلق بإجراءات وآليات لضمان تطبيق الدستور على أرض الواقع، ووضع الضمانات اللازمة لعدم تجاوزه أو الالتفاف على مضامينه". وأشار إلى أن "اللائحة يوجد بها تعريف واضح لهذه المهمة، وتُرك للجنة تقرير طريقة العمل. موقف المعارضة واضح بضرورة صياغة مشروع دستور جديد".

 

من جانبه، أوضح عضو المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية أحمد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإصلاح الدستوري "يعني كتابة دستور جديد، أو تعديل دساتير سابقة". وأكد العسراوي، الذي يمثل "هيئة التنسيق الوطنية" والتي يُنظر إليها باعتبارها ممثلة لمعارضة الداخل السوري، أن المعارضة "مع كتابة دستور وطني جديد يضمن حقوق كل السوريين".

 

ورداً على الجدل الذي أثارته تصريحات بيدرسن، قال يحيى العريضي، وهو المتحدث باسم هيئة التفاوض المعارضة التي تشرف على الوفد الذي يمثلها في المفاوضات بمدينة جنيف، لـ"العربي الجديد"، إن الموقف السلبي حيال اللجنة الدستورية من قبل البعض يدفعهم إلى تفسير كل شيء وفق ما يريدونه. وقال: الإشكالية محصورة بين الإصلاح الدستوري وبين كتابة دستور جديد، بسبب عدم احترام الدستور من قبل نظام الأسد على مدى نصف قرن. وأضاف: "الإصلاح الدستوري أوسع من عملية صياغة دستور، لأن الإصلاح يشمل مشروع الدستور، إضافة إلى الإجراءات والآليات الضامنة لتطبيق الدستور وعدم تجاوزه أو الالتفاف على مضامينه، أو استخدامه بشكل يخدم التسلط". وبيّن أن "الدستور الحالي، الذي وضعه النظام في 2012، يتحدث بشكل عابر عن فصل السلطات"، موضحاً أنه لا توجد آليات تمنع تسلط الرئيس، فهو مطلق الصلاحيات.

 

ولا ينظر الشارع السوري المعارض وتيارات سياسية وشخصيات معارضة بعين الرضا إلى اللجنة الدستورية، خصوصاً أن القرارات الدولية، ومنها بيان "جنيف 1" الذي صدر منتصف العام 2012 والقرار 2254 الصادر أواخر 2015 والمستند الى "جنيف 1"، تنص صراحة على إنجاز الانتقال السياسي من خلال تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات من النظام والمعارضة. وكانت المعارضة السورية قد وافقت تحت ضغط إقليمي ودولي على الانخراط في محادثات مع النظام حول الدستور قبل إنجاز الانتقال السياسي، وهو ما يصب في مصلحة النظام، الذي يبدو أنه غير جاد في التوصل إلى حلول سياسية للقضية السورية وفق القرارات الدولية، بل يبحث عن مخارج تُبقي بشار الأسد في السلطة.

 

من جانبه، بيّن القاضي المعارض حسين حمادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإصلاح الدستوري يعني تعديلاً"، موضحاً أن "الدستور الذي وضعه النظام في 2012 ينص على تشكيل لجنة دستورية من أعضاء (مجلس الشعب) الحالي، لها حق اقتراح تعديل مواد في الدستور، كما لرئيس الجمهورية هذا الحق، على أن ينال أي اقتراح موافقة ثلثي أعضاء المجلس". وأشار إلى أن "هناك آليات مختلفة لكتابة الدستور، تبدأ من تشكيل جمعية تأسيسية، منتخبة أو وفق توافقات، منوطة بها كتابة مسودة دستور". وأوضح أن الدستور الحالي، مثل الدساتير السابقة، يمكن تغييره من قبل مجلس النواب من دون الحاجة إلى استفتاء شعبي. وأشار إلى أن "المشكلة الحقوقية في سورية غير متعلقة بالدستور، المشكلة في عدة قوانين أساسية متعلقة بمؤسسات سيادية لا تسمح بأي عملية انتقال سياسي، واللجنة الدستورية ليس لها الحق في تعديل هذه القوانين، مثل تلك الخاصة بمجلس النواب، والسلطة التشريعية، والجيش والأجهزة الأمنية، وغيرها". وأضاف: النظام السوري لا يحترم أي مبدأ دستوري أو قاعدة قانونية أياً كان مضمونها. ووصف حمادة "اللجنة الدستورية" في جنيف بـ"عملية احتيال دولية بهدف الالتفاف على القرارات الدولية، التي تنص صراحة على أن الحل السياسي في سورية يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، لا بكتابة دستور جديد أو تعديلات دستورية".

 

وفي السياق، وصف معاذ الخطيب، وهو أول رئيس للائتلاف السوري المعارض، اللجنة الدستورية بـ"إحدى مفخخات النظام في جسم المعارضة". وكتب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "آخر مخازيها التحول من كتابة دستور (وهي عملية فاشلة خلال سنتين وكانت محاولة من حلفاء النظام لكسب الوقت) إلى مجرد مناقشة تعديلات دستورية".