السبت 2021/09/04

ما هي الرسائل الروسية لتركيا من قصف فصيل “فيلق الشام” في عفرين؟

أضافت روسيا منطقة عفرين الواقعة تحت الحماية التركية شمالي حلب إلى قائمة المناطق التي تقع تحت ضرباتها الجوية، إذْ شنّت الطائرات الحربية الروسية في 31 آب المنصرم غاراتٍ تُعَدُّ الأولى من نوعها منذ سيطرة القوات التركية على عفرين ضمن عملية “غصن الزيتون في عام 2018، ما أثار تساؤلاتٍ عديدة حول الدوافع وراء التصعيد الروسي في منطقةٍ تعدها أنقرة من ضمن المناطق التي تقع تحت إدارتها ونفوذها، كما تعتبرها هادئة وآمنة نسبياً مقارنةً ببقية مناطق شمال غربي سوريا وتسعى لإعادة اللاجئين السوريين إليها.

 

القصف الروسي على عفرين -وإن لم يؤدِ إلى سقوط ضحايا- إلا أنهُ حمل -فيما يبدو- رسائل سياسيةٍ وعسكريةٍ للجانب التركي، فهو استهدف معسكراً لفصيل “فيلق الشام”؛ الفصيل الأكثر قرباً من أنقرة في الشمال السوري، وجاء في خضم تطورات جديدة من التحركات التركية في مناطق النفوذ الروسي شمال شرقي سوريا، وبالتزامن كذلك مع سعي تركي لترتيبات تبقي نفوذاً لها في أفغانستان.  

 

وبالنظر إلى دلالات التوقيت الذي شنت فيه الطائرات الروسية ضرباتها الجوية على منطقة عفرين؛ يمكن القول إن هناك عوامل داخلية وأخرى خارجية يمكن أن تكون ذات علاقة بالرسائل الروسية، وهي:

 

العوامل الداخلية: تتعلق بالتصعيد التركي الذي مضى عليه قرابة أسبوعين ضد مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” في كل من مناطق تل رفعت شمالي حلب، وتل تمر وعين عيسى شمال شرقي سوريا، وهي مناطق يُفترض أنها تقع تحت الحماية الروسية وتخضع لتفاهماتٍ بين أنقرة وموسكو، إذْ شنّت القوات التركية حملة قصفٍ مكثفٍ ضد “قسد” وأدخلت سلاح الطيران المسير في قصف أهدافٍ تتبع لها ما أدى لمقتل قياديين في “قسد” وحصول حالةٍ من الإرباك والتخبط في صفوف قياداتها، الأمر الذي دفع بأنصار “قسد” إلى الخروج بتظاهراتٍ أمام القواعد العسكرية الروسية في الحسكة والرقة ورشق دورية روسية بالحجارة في ريف الحسكة الشمالي، واتهام القوات الروسية بـ “التواطؤ” مع الأتراك، كما اتهم “مجلس سوريا الديمقراطية-مسد” -وهو الجناح السياسي لـ “قسد”- روسيا بأنها قدمت تنازلاً لتركيا فيما يخص اتفاقية وقف إطلاق النار في شمال شرقي سوريا.

العوامل الخارجية: وتتعلق بالتنسيق التركي المتواصل مع حركة “طالبان” بعيد انسحاب قوات الناتو والرغبة التركية في الحصول على دورٍ دائمٍ في إدارة مطار كابل وتشغيله ، ما سيحقق لأنقرة نفوذاً في منطقةٍ استراتيجية تعد قريبة من الحديقة الخلفية لموسكو وأمنها الاقليمي، وهو لا يبدو أنه في محل رضًا روسي، فالتصريحات الصادرة من روسيا لم تخلُ من نبرة الاستنكار لوجود دورٍ تركيٍّ في إدارة مطار كابل، إذ أعربت وزارة الخارجية الروسية عن “استغرابها” إزاء احتمال تكليف الجيش التركي وليس الجيش الأفغاني بمهمة تأمين مطار كابل الدولي بعد انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو من أفغانستان، فيما نشرت قناة “روسيا اليوم” التابعة للحكومة الروسية مقالاً يُهاجم بشدةٍ الدورَ التركي المحتمل في إدارة مطار كابل ويزعم أن أنقرة تتحالف مع “جماعات متطرفة وإرهابية”، معتبراً أن روسيا هي “عامل الأمان” في منطقة آسيا وأنه لا يوجد منافسٌ عمليٌّ لها حتى الصين، وأن موسكو أعربت عن استعدادها لتقديم كل المساعدة اللازمة في وقتٍ تعمل فيه طالبان على تطوير علاقاتها مع روسيا.

وبناءً على العوامل الداخلية المتعلقة بقصف مناطق “قسد” وما أحدثته من ردة فعلٍ سلبيةٍ لدى “قسد” قد يكون لها تأثير على الثقة بالدور الروسي شرق الفرات في ظل عمل الجيش التركي بأريحيةٍ في منطقة نفوذٍ روسية، وعلى العوامل الخارجية وما أحدثته من وجود مخاوف روسيةٍ من تمددٍ تركيٍ في أفغانستان؛ يمكن قراءة القصف على عفرين بأنه جاء بمثابة تحذيرٍ لتركيا بضرورة عدم تجاوز روسيا في الأدوار التي تقوم بها تركيا في سوريا وخارجها، وهذا ما يُعيد إلى الأذهان الرسائل العسكرية الروسية في مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري في خضم التدخل التركي في أذربيجان قبل أشهرٍ وسط التقارير التي تحدثت عن إرسال تركيا مقاتلين سوريين إلى إقليم قره باغ لمساندة القوات الأذرييجانية ضد أرمينيا، إذ شنت الطائرات الروسية ضرباتٍ عنيفة على معسكر لفصيل “فيلق الشام” في إدلب ما تسبب بسقوط عشرات القتلى من الفيلق، حدث ذلك بالتزامن مع تصريحات واضحة من مجلس الأمن الروسي، حذرتْ من خطورة نقل مقاتلين إلى القوقاز؛ المنطقة الحيوية والحديقة الخلفية لموسكو، ووصفتها بأنها “تطور خطير للغاية”، وهو ما اعتُبر حينها بمثابة رسالة تحذيرية واضحة لأنقرة.

 

وفي تموز 2020 أيضاً قصفت الطائرات الروسية لأول مرة مدينة الباب شرقي حلب منذ سيطرة القوات التركية عليها ضمن عملية “درع الفرات”، وجاء هذا القصف في خضمّ استعدادات قوات الوفاق الليبية المدعومة تركياً للهجوم على مدينة سرت الخاضعة لقوات “حفتر” المدعوم روسياً، وهو ما أمكن اعتباره حينها رسالة أيضاً من روسيا لتركيا بضرورة وقف الهجوم على سرت من خلال التلويح بمزيدٍ من التصعيد في مناطق شمالي سوريا التي تهدد الأمن القومي التركي>

 

ووفقاً لما سبق؛ فإنه لا يمكن استبعاد أنْ يكون القصف الروسي على عفرين يحمل دلالات متعلقة بعدم رضا روسيٍ عن الدور التركي في أفغانستان إضافة إلى تعلقه بالسياق المحلي المرتبط بالنشاطات التركية شمال شرق سوريا، خاصة أن هناك تجارب احتكاك تنافسية غير مريحة بين الطرفين في ليبيا وأذربيجان وسوريا، رغم وجود توافقاتٍ في بعض الأدوار بينهما، ما يدفع موسكو إلى التلويح بأنها مستعدة للتصعيد في الخاصرة الرخوة الأهم بالنسبة لتركيا وهي مناطق الشمال السوري ما لم تتراجع تركيا أو تأخذ بعين الاعتبار المصالح والمخاوف الروسية.