السبت 2020/04/18

ما سر الهجوم اللاذع للإعلام الروسي على “بشار الأسد”؟

بدا أن الرسائل الروسية التي تظهر تململ موسكو من أداء بشار الأسد، اتخذت أخيراً، بُعداً أوسع وأكثر وضوحاً، بعدما ظلت خلال الشهور الأخيرة تعتمد على توجيه إشارات مبطنة وتحذيرية بضرورة تغيير سلوك "القيادة السورية".

هذا ما أظهره نشر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة روسية وصفت بأنها "حكومية" دل إلى تصاعد "حال التذمر" في سوريا و"تدهور شعبية الأسد إلى مستويات غير مسبوقة"، فضلا عن "فقدان الثقة" لدى السوريين بأنه سيكون قادراً على إصلاح الموقف وتحسين الأحوال في البلاد.

وحمل الاستطلاع الذي وقع باسم "مؤسسة تابعة للدولة تأسست عام 2005" إشارات لافتة، في طبيعة الأسئلة الموجهة للمشاركين والأرقام والنسب التي حملتها النتائج، إذ رأى 37 في المئة تقريباً أن الوضع في البلاد غدا خلال العام الأخير أسوأ من السابق، في مقابل 40 في المئة لم يروا اختلافاً، و15 في المئة فقط شعروا بتحسن إيجابي. هذه النسب تأتي خلافاً للدعاية التي يطلقها النظام نحو تحسن الوضع مع "الانتصارات الميدانية" التي تحققت أخيراً.

ورأى 71 في المئة من المستطلعين أن "الفساد ما زال المشكلة الأكبر"، في حين أشار 61 في المئة إلى تدهور الأوضاع المعيشية. وتراوحت آراء نسب أخرى بين تحميل النظام المسؤولية عن الوضع، عَبر 40 في المئة يرون أنها "فاقدة للشرعية"، وأرقام أخرى عددت مشكلات حياتية للمواطنين. لكن السؤال الأبرز كان عن تقييم أداء الأسد، ورأى 41 في المئة أنه سلبي، في مقابل ثلث المستطلعين من المؤيدين، ورفضت النسبة الباقية إعطاء جواب.

الأوضح من ذلك، كان الرد على سؤال عن استعداد المواطنين لمنح ثقتهم مجدداً للأسد في 2021. إذ رفض نحو 54 في المئة ذلك بشكل حاسم، في مقابل موافقة 32 في المئة وامتناع القسم الباقي. وكان لافتاً أنه في مقابل 23 في المئة فقط وافقوا على فكرة ترشيح الأسد مجدداً، فإن النسبة الباقية تراوحت بين معترض وممتنع.

وجاءت الردود على التحرك السياسي المطلوب متباينة بشدة بين نحو 80 في المئة يريدون "إصلاحات اقتصادية"، و70 في المئة يريدون نخبة سياسية جديدة، لكن الملاحظ أن الغالبية في كل الأحوال عارضت سياسات الأسد الحالية حيال المعارضة والأقاليم التي ما زالت خارج سيطرة دمشق.

ورغم أن مصدراً دبلوماسياً روسياً مطلعاً تحدثت إليه "الشرق الأوسط" قال بأن هذا الاستطلاع (الذي أعلن مُعدّوه أنه أجري عبر الهاتف) قد يكون "ليس استفتاء بل اجتهاد من مؤسسات روسية تم تقديمه على شكل استطلاع رأي"، ما يعني أن نشره يشكل رسالة واضحة ومباشرة للنظام، لكن اللافت أن المصدر أعرب عن قناعة بأن الاستطلاع في حال أجري فعلاً فهو "جرى في دمشق على الأغلب، وفقاً للأرقام التي حملتها النتائج، ولو كان أجري في مناطق سورية أخرى لكان الأسد لم يحصل على أكثر من عشرة في المئة في أي تصويت". مشيراً إلى أنه في كل الأحوال فإن التطور يعكس نفاد صبر موسكو من أداء الأسد.

وكانت موسكو وجهت "رسائل قوية" إلى دمشق برزت عبر مقالات نشرت في وسائل إعلام حكومية، حذرت الأسد من ضرورة القيام بتحرك إصلاحي واسع وسريع قبل "فوات الأوان"، ورأى بعضها أن شعبية الأسد لا تزيد في أحسن الأحوال حالياً عن عشرين في المئة.

وشكّل الهجوم الذي شنته أخيراً وكالة "الأنباء الفيدرالية" الروسية وهي مؤسسة ليست حكومية لكنها قريبة من الكرملين، أحدث إشارة قوية إلى المزاج العام لدى النخب الروسية.

وفي سلسلة تقارير نشرتها الوكالة تباعاً، وصفت الأسد بـ"الضعيف" وتحدثت عن "عدم قدرته على محاربة الفساد المستشري في إدارته"، واتهمت مسؤولي النظام بـ"استغلال المساعدات الروسية لأغراضهم الشخصية".

الوكالة التابعة للملياردير يفغيني بريغوجين، المعروف بتسمية "طباخ الكرملين" وتربطه علاقات وثيقة مع وزارة الدفاع ومع بوتين، بررت الهجوم على النظام بحجة "فضح فساده وإجباره على تقديم تنازلات إضافية"، أو الوفاء باتفاقات سابقة عقدتها حكومته مع ممول مجموعة "فاغنر" للمرتزقة الروس الذين قاتلوا إلى جانبه.

وفي التقرير الأول للوكالة والذي حمل توقيع ميخائيل تسيبلاييف، قيّم الوضع الاقتصادي في سوريا حالياً بالسلبي للغاية، مشيراً إلى أن "عدم توفر الظروف للشراكة بين روسيا وسوريا بسبب ارتفاع مستوى الفساد في المستويات السياسية العليا".

وتحت عنوان: "كيف تؤثر الحكومة السورية في مشاكل البلاد؟" كذّب التقرير ادعاءات وزارة النفط والثروة المعدنية السورية أن عدداً من آبار الغاز في حقلي حيان والشاعر توقف عن العمل بسبب الوضع الأمني في منطقة البادية، لتبرير زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي. وذكر التقرير أن حكومة النظام عمدت إلى نشر "أخبار كاذبة وشائعات حول سيطرة إرهابيين على مدينة السخنة، الواقعة بالقرب من حقول الغاز، وتم تكذيب الشائعات من قبل مصادر في سوريا"، لتبرير التقنين.

وفي هجوم على رأس النظام، نشرت الوكالة الروسية التقرير الثاني وهو عبارة عن استطلاع للرأي بين السوريين أظهر أن "شعبية الأسد تتراجع على خلفية الفساد والمشاكل الاقتصادية في البلاد". وقالت إن استطلاع "صندوق حماية القيم الوطنية" كشف أن 32 في المئة فقط من سكان سوريا أعربوا عن استعدادهم لدعم الأسد في انتخابات 2021.

وذهب التقرير الثالث، تحت عنوان "الفساد أسوأ من الإرهاب" إلى أن ما يعوق الأعمال الروسية في سوريا أن النظام لم "يهيئ جميع الشروط اللازمة للأعمال الروسية رغم الدعم الروسي المتواصل".