الأحد 2020/09/20

لماذا يصمت نظام الأسد عن تطبيع الإمارات والبحرين مع “إسرائيل”؟

لم يتخذ نظام بشار الأسد، العضو البارز في حلف "المقاومة والممانعة" الذي تقوده إيران أي موقف من اتفاقي التطبيع الذي وقع بين الإمارات والبحرين ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

ولم يصدر عن نظام الأسد أي استنكار أو انتقاد رسمي منذ إعلان تطبيع العلاقات بين أبوظبي و"تل أبيب"، في 13 آب الفائت، ثم التحاق المنامة بالتطبيع في 11 أيلول الجاري، ليوقع الاتفاق بواشنطن في 15 أيلول الحالي، وحتى مرور أكثر من شهر ونيف على هذه الخطوة الأولى من نوعها خليجياً.

ويفتح صمت نظام الأسد المحسوب على إيران التي ترفع لواء معادة "إسرائيل" التساؤل حول ذلك، خاصة مع ترويجه المستمر بأنه نظام "قلب العروبة النابض" و"المدافع عن فلسطين" والعدو الأول للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة.

ورغم أن الدول العربية لم تنتقد خطوة الإمارات ومن ثم البحرين في تطبيعهما مع "إسرائيل" فإن معظمها ليست محسوبة على الحلف الذي ينادي بمواجهة دولة الاحتلال، ويطلق عليها أوصاف "الكيان الصهيوني" و"العدو الغاشم"، وغير ذلك.

وفي تجاهل تام للتطبيع لم يخرج عن رأس النظام أي تصريح، وكذلك الحال بالنسبة لحكومة الأسد، ووزارة الخارجية في نظامه، وكذلك الحال بالنسبة لوسائل إعلام النظام التي لم تورد أياً من ردات الفعل الشعبية الغاضبة من اتفاقي التطبيع.

وفي تصريح خجول لمستشارة الأسد الإعلامية بثينة شعبان في حديث مع قناة "الميادين" اللبنانية (المحسوبة على إيران) قالت: إن "الحل بالنسبة لسوريا وبالنسبة لفلسطين وبالنسبة للشعب العربي في جميع أقطاره هو أن نمتلك عوامل القوة وأن نصمد".

وأضافت: إن "بعض المطبعين يعتقدون أن العدو الصهيوني يعدهم أصدقاء أو شركاء له، والحقيقة ليست كذلك".

في الوقت نفسه سمح نظام الأسد لـ"حزب البعث" الحاكم (تقود كوادره النظام في سوريا منذ انقلاب عام 1963) التعريج على الموضوع، حيث قال في بيان، 15 آب المنصرم إن "حزب البعث يدين بشدة قرار دولة الإمارات بالتطبيع الدبلوماسي مع الكيان الغاصب، ويرى أنه على محور المقاومة أن يتخذ من هذه التطورات المؤسفة حافزاً جديداً لتعزيز دوره و فعله".

وحين انضمت البحرين إلى اتفاق التطبيع كرر "البعث" إدانته لتحرك المنامة في ذات الإطار قائلاً في بيان آخر: "ندين هذا القرار الذي اتخذه النظام البحريني إدانة تامة، ونحيي الرفض الواسع والمباشر لشعبنا العربي الشقيق في البحرين ولأبناء الأمة العربية كافة، ولا يمكن لحق أن يسقط بقرار من أنظمة تابعة، فالحق هناك من يحميه ويقاوم من أجله مهما كانت التضحيات".

في المقابل تطرقت إحدى القنوات الخاصة المحسوبة على نظام الأسد في برنامج "راحت علينا" إلى التطبيع الإماراتي مع "إسرائيل"، حيث ردت الممثلة السورية المؤيدة لبشار الأسد سوزان نجم الدين قائلة: "الإمارات دولة مستقلة بسيادتها ولها الحق باتخاذ قرارات تصب في مصلحة شعبها، ويتوجب علي أن أحترم قرارها هذا".

الصحفي السوري عقيل حسين يؤكد أن اتفاق السلام بين الإمارات والبحرين مع "إسرائيل" يضع نظام الأسد في أكثر موقف محرج على الصعيد السياسي منذ خمس سنوات على الأقل، لذا فإنه يجد بالصمت الخيار الأفضل أو الأقل كلفة.

ووفق حديث حسين لـ"الخليج أونلاين" فقد قررت البحرين والإمارات استئناف العلاقة معه وإعادة فتح سفارتيهما في دمشق خلال العامين الماضيين، ما يعني ذلك حصول النظام على مساعدات مالية يأمل أن تكون كبيرة من هاتين الدولتين تسهم في التخفيف من أزمته الاقتصادية المتنامية.

ويأمل نظام الأسد، حسب حديث حسين، أن تحدث عودة العلاقات مع المنامة وأبوظبي زعزعة أكبر في طوق العزلة العربي المفروض عليه منذ العام 2011، ولذا فإن أي انتقاد يمكن أن يوجهه لتطبيعهما مع "إسرائيل" سيفقده هذه المكاسب الاقتصادية والسياسية التي ينتظرها.

وحول صمت إعلام النظام عن صفقات التطبيع مع دولة الاحتلال يوضح حسين أن ذلك يفقده الكثير على صعيد المزايدة التي طالما تبناها في قضية المقاومة وتحرير فلسطين، والتي كانت إحدى ركائز دعايته الموجهة للشعوب العربية والإسلامية طيلة السنوات التسع الماضية لتبرير جرائمه بحق الشعب الثائر من أجل حريته وكرامته، في أنه يواجه حرباً صهيو -أمريكية ومؤامرة غربية تستهدفه كبلد مقاوم يدافع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وفي مقدمته قضية فلسطين.

ويستدرك بالقول: "ولكن اللافت أكثر هو كيف سيمكن للنظام تسويق صمته لدى إيران التي يتجاوز الأمر بالنسبة لها مجرد تطبيع العلاقات بين هاتين الدولتين الجارتين لها إلى اعتبار ذلك تهديداً استراتيجياً، في الوقت الذي لا يكتفي فيه حليفها ومن تضحي من أجله وتدافع عنه (نظام الأسد) بالصمت، بل ويمد لهما يد التعاون ويأمل بالحصول على دعمهما!".

وحسب حديث الصحفي السوري لـ"الخليج أونلاين" لا يمكن أن تنتهي شماعة المقاومة والممانعة بالنسبة للنظام، وحتى لو طبعت كل الدول العربية والإسلامية مع "إسرائيل" فإنه سيكون آخر من يعقد اتفاقية سلام مع "إسرائيل".

ويرى أن نظام الأسد ضمنياً سعيد كل السعادة بتسابق الأنظمة للصلح مع "تل أبيب"؛ حيث يتمنى جاهداً أن يبقى هو النظام الوحيد في النهاية المتمسك برفض السلام معها للحفاظ على مبرر وجوده الوحيد الذي لم يعد يملك غيره شعبياً، وهو مقاومة "إسرائيل" وتحرير القدس، مع التأكيد طبعاً على أنه مجرد مبرر شعاراتي لا أكثر ولا أقل.

*لماذا يصمت نظام "المقاومة"؟

ويقصف الاحتلال الإسرائيلي مواقع لقوات الأسد ومليشيات تتبع لإيران في سوريا من حين إلى آخر، إلا أنه لم ينشب بين النظام و"تل أبيب" أي حرب منذ عام 1973، مؤكداً بعد كل قصف "إسرائيلي" أنه "سيحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين".

ويتهم نظام الأسد على مدار أربعة عقود بأنه اتخذ من شعار محاربة "إسرائيل" شماعة لبناء مؤسسات أمنية تلاحق السوريين وتقمعهم، وسط قانون طوارئ وسجون تحت الأرض وفروع أمنية أحدها يحمل اسم "فلسطين".

وبعد الثورة الشعبية التي قامت ضد نظام الأسد عام 2011، انقطعت العلاقات الرسمية بين الأسد ودول عربية من بينها الإمارات والبحرين؛ بسبب جرائم الحرب المرتكبة، وتم سحب السفراء، ودعمت أبوظبي الثوار المناوئين للأسد إلى جانب السعودية، وسط اتهامات لها بأنها كانت تدعم نظام الأسد أيضاً.

وفي كانون الأول 2018، أعادت الإمارات وبشكل مفاجئ افتتاح سفارتها في دمشق، ثم قامت البحرين بذات الخطوة، في محاولة لإعادة تعويم النظام بعد عزلة دولية واسعة.

واستضافت الإمارات على أراضيها شخصيات موالية للنظام أو تابعة له أو من عائلة بشار الأسد.

فقد كانت بشرى شقيقة بشار الأسد، مقيمة في دبي مع أبنائها، بالإضافة إلى تقارير أكدت وفاة والدة الأسد أنيسة مخلوف في دبي عام 2016، كما أن محمد، نجل رامي مخلوف، ابن خال الأسد، يقيم في دبي وله استثمارات واسعة هناك.

ولعل صمت نظام الأسد عن التطبيع مع "إسرائيل" يعود لعلاقته المتينة مع أبوظبي خلال الآونة الأخيرة، وحاجته للأموال الإماراتية في إعادة الإعمار، خاصة في ظل توافق الجانبين على الكثير من الملفات؛ مثل العداء لتركيا التي تسيطر على مساحات واسعة من الشمال السوري.

وظهر دفء العلاقات بين الأسد والإمارات مؤخراً (بعد إعلان التطبيع) مع وصول طائرتي مساعدات خلال 5 أيام تحمل 25 طناً من المواد والتجهيزات الطبية ومستلزمات الوقاية والفحوص المخبرية المتعلقة بفيروس كورونا، وفق وكالة أنباء الأسد "سانا".

وكان محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، قد استغل موضوع تفشي فيروس كورونا مجرياً أول اتصال معلن من نوعه مع بشار الأسد منذ عام 2011، مؤكداً دعم الإمارات للشعب السوري.