الأثنين 2020/05/11

لاجئون سوريون في لبنان: الخوف من الجوع أكبر من كورونا

بالمئات تصطف في الطريق إلى سهل البقاع في لبنان خيم اللاجئين السوريين، وبين الحقول والأحراش تبرز تلك "المساكن" المغطاة في الغالب بأغطية بلاستيكية، كما هو الحال في منطقة "برالياس".

في برالياس يوجد منذ 2013 مخيم اللاجئين الصغير غير الرسمي "مدين"، الملقب حسب اسم مؤسسه مدين الأحمد.

تسع عائلات في ثماني خيم تعيش هناك، جميعها من مدينة القصير الواقعة في محافظة حمص جميعهم يقطنون مساكن غير صحية يبللها المطر في الشتاء وتتحول إلى مستنقع والتي من الصعب تدفئتها، وفي الصيف لا يمكن تحمل الجلوس فيها بسبب الحر. "نعيش في مجموعة تسعة أفراد داخل خيمتنا"، يقول مدين الأحمد الذي يعتني أيضا بأخته وأطفالها. لقد فقدت زوجها في الحرب.

وقد التزم الناس بالطبع بحظر التجول المفروض من الدولة اللبنانية بسبب وباء كوفيد 19، لكن التباعد الاجتماعي داخل خيمة غير ممكن، يقول على الهاتف.

أشكال حظر التجول تعوَد عليها الكثير من السوريين، لأنه قبل أزمة كورونا تم التمييز ضد لاجئين سوريين في بعض المحافظات عن طريق فرض حظر تجوال عشوائي.

وفي بداية أزمة كورونا واجه السوريون في "برالياس" تضييقات إضافية، فقط شخص واحد من المخيم الواحد كان بإمكانه القيام بالتسوق لصالح الجميع.

في المخيم الصغير في برالياس كان مدين الذي يتحمل العبء، ولذلك هو يبدو ربما متعبا "الحياة لم تكن في السابق سهلة"، ويضيف :" لكن الآن فقدت جميع أعمالي وكل شيء بات غاليا بأربع مرات". ويبدو الغضب على الرجل الهادئ البالغ من العمر 43 عاما.

مدين الأحمد كان في سوريا تاجرا ـ والحرب سلبته كل شيء. وعندما وصل إلى لبنان كان همه الاهتمام بالأطفال. وشارك في ورشات عمل لمنظمات تهتم بوضع السوريين في لبنان وبدأ حتى في العمل هناك. وفي النهاية أنشأ بدعم مالي من منظمة ألمانية تُسمى "شمس" مدرسة خيمة صغيرة في المخيم. وقد غيرت مكانها إلى مبنى حقيقي مكون من طابقين خارج المخيم ـ والأطفال سيحصلون في لبنان على شهادات مدرسية معترف بها.

"وبسبب أزمة كورونا أُجبرنا على وقف النشاط المدرسي"، يقول الأحمد. وهذا بعواقب وخيمة على تعليم الأطفال، لأن الكثير من الأطفال السوريين لا يقدرون بسبب الحرب والهرب والتهجير على القراءة والكتابة. وعقود الأحمد لدى العديد من المنظمات تجمدت للوهلة الأولى.

والوضع الاقتصادي في لبنان كارثي وزادت حدته بسبب الحجر الصحي في البلاد. ويُعتبر لبنان عمليا مفلسا، إذ تواجه الليرة اللبنانية منذ شهور خسارة قوية في قيمتها، واللاجئون السوريون هم في الغالب عمال يوميون يعملون في البناء وفي الزراعة أو كطاقم تنظيف ـ لكن العمل بالتحديد في هذه المجالات تجمد بسبب أزمة كورونا.

إلى ذلك يجب القول بأن لبنان أصدر في الصيف الماضي قانونا يفيد بأن العمال الأجانب ـ بمن فيهم اللاجئين السوريين والفلسطينيين ـ يحتاجون إلى كفالة رب عمل للتمكن من العمل، وهذا بات منذ أزمة كورونا غير ممكن.

منظمة "بسمة وزيتونة" المتمركزة في سهل البقاع تتعاون مع لاجئين سوريين في مشاريع مختلفة. وهي تعرف قلق السوريين ومشاكلهم وتعلم أيضا "أن الكثير من السوريين يُعانون من التمييز، لأن الكثير من الناس في لبنان ينطلقون من أن السوريين بسبب نقص النظافة وظروف العيش الضيق يحملون فيروس كورونا أكثر من آخرين"، يقول محمد طالب، مدير المركز الجماعي للمنظمة.

والحكومة اللبنانية تساهم في هذا الأمر، فقد قال الرئيس اللبناني ميشال عون بأن الأزمة في لبنان لها "ثلاثة وجوه". عون حمّل، إلى جانب كورونا والأزمة الاقتصادية العامة، السوريين مسؤولية الوضع السيء لبلاد الأرز. ولم يتفوه بكلمة عن الفساد.

وإلى حد الآن لم تظهر إصابة بكورونا في المخيمات السورية. وهذا ما يؤكده مدين الأحمد وكذلك محمد طالب.

وفي مخيم فلسطيني بالقرب من مدينة بعلبك تم مؤخرا تسجيل حالات إصابة أولية بكورونا. وفي المجموع حسب معطيات جامعة جون هوبكينز فإن نحو 750 شخص في لبنان مصابون بفيروس كورونا، و25 شخصا توفوا من جراء ذلك. ولا أحد يجرؤ الآن على تقدير العدد الخفي للإصابات. " بالطبع سيكون ذلك كارثيا إذا ما ظهرت حالات أولى في المخيمات السورية، لأن الناس يعيشون في ضيق ومتصلين ببعضهم البعض"، يقول محمد طالب.

لكن ماذا يحصل عندما تظهر أعراض على أحدهم داخل المخيمات السورية؟ بعض المنظمات تقدم الرعاية الطبية، لكن الكثيرين لا يجرؤون على الذهاب إلى تلك المراكز الطبية، لأنهم يخافون من مواجهة مشاكل إذا لم يعودوا يتوفرون على أوراق ثبوتية أو رخصة الإقامة.

ففي السنة الماضية أبعدت الحكومة اللبنانية مئات السوريين لأسباب مشابهة. ولذلك فإن الناس يفكرون مليا قبل التوجه إلى العلاج أو الخضوع لأي اختبار.

منظمة هيومان رايتس ووتش تنتقد هذا الوضع وتحث الحكومة اللبنانية على إبلاغ السوريين في البلاد بأنه بإمكانهم في حال حمل أعراض كوفيد 19 الحصول على الرعاية الطبية دون التعرض للعقوبة.

وفي الغالب تحصل المخيمات الكبرى على دعم مالي، والصغرى تبقى بدون دعم، كما يقول مدين الأحمد. ويبدو صوته مفعما بالقلق: "لا أعرف كيف ستتغير الحياة بعد كورونا".

وفي الأثناء خفف لبنان من إجراءاته، وحظر التجول لا يسري إلا ابتداء من التاسعة مساء إلى الخامسة صباحا وبإمكان المقاهي والمطاعم أن تستقبل ربع مجموع الزبائن. وحتى في مخيمات برالياس عادت الحياة شيئا ما إلى مجراها العادي، يقول مدين الأحمد. "لكن الناس لم يعودوا يقدرون على تحمل الوضع. ليس هناك مال وعدم الحركة يصعب تحمله. وفي الأثناء بات الخوف من الجوع أكبر من الخوف من كورونا".