الأربعاء 2020/06/17

“قيصر”.. بين تفاؤل السوريين وخوفهم من “خيبات الماضي”

بعد انتظار طويل، يدخل اليوم قانون العقوبات الأمريكي "قيصر" حيز التنفيذ، بوعود أمريكية أنه سيكون "الأقسى" على نظام الأسد وداعميه.

تتوجه أنظار السوريين اليوم إلى القانون الذي جاء "لحماية المدنيين في سوريا" بعد نحو 9 أعوام من حرب حرقت فيها آلة الأسد وحلفائه العسكرية الأخضر واليابس في سوريا، على أمل أن يكون فيه الخلاص من حكم عائلة لا تزال حتى الآن تربط مصير نحو 24 مليون سوري بجلوسها على كرسي السلطة، والتحكم بمستقبل البلاد.

تقول واشنطن إن العقوبات ستنال الأسد شخصياً وعائلته المقربة، وأذرعه العسكرية والمالية، وكذلك داعميه في السر والعلن، وتبعث رسائل اطمئنان للسوريين بأنهم "لن يتأثروا" بتلك العقوبات.

يعوّل السوريون اليوم على "قانون قيصر"، على أمل أن يحقّق ولو جزءاً صغيراً من "العدالة" التي نادَوا بها منذ ربيع 2011، ويبدو هذا القانون بمثابة "ضوء واعد" في نهاية نفق دخلوه مع أول صيحة مطالبة بالكرامة، ولم يخرجوا منه حتى اليوم.

السوريون المغلوبون على أمرهم في الداخل السوري المحرر وفي مناطق سيطرة الأسد، يعرفون جيداً أن التطمينات بخصوص معيشتهم غير صادقة، فالدولار (الذي يحرم عليهم الأسد النطق باسمه تحت طائلة العقوبة والسجن)، بات اليوم مقصلة تقطع آمالهم بالحصول على أدنى مستوى من العيش، لكنهم رغم ذلك يقولون فيما بينهم: "لا بأس.. إذا كان هذا ثمنُ خلاصنا فسنصبر، ولو أكلنا الخبز والملح فقط".

بينما لا يخفي السوريون في بلاد الشتات، أن "قيصر" بات – بعد الله- أملهم الوحيد لعودة آمنة إلى سوريا التي باتت محرمة عليهم.

لكن ورغم ذلك، لا يخلو الأمر من أصوات هنا وهناك لبعض "الواقعيين" أو "المتشائمين" أو "المكلومين من خيبات الأمل"، الذين يقولون إن القانون لن يكون "سيفاً سحرياً" يزيح الأسد عن السلطة.

ويتابع هؤلاء أن خيبات أملهم بالمجتمع الدولي سابقاً تفرض عليهم أن يكونوا حذرين من الإفراط في التفاؤل، ففي صيف العام 2013، دقّ أوباما طبول الحرب ضد الأسد لمعاقبته على تجاوز "الخد الأحمر" بارتكاب مجزرة الكيماوي الرهيبة في غوطة دمشق، ثم كان ثمن التراجع بسيطاً جداً، وهو سحب السكين من يد القاتل "ولو نظرياً" بدل معاقبته.

ثم جاء ترامب، الذي حشد وتوعّد أكثر من أوباما بكثير، وهدّد الأسد بعد مجزرة "خان شيخون" بنيل "العقاب الرادع"، ثم كانت النتيجة نحو 50 صاروخاً أطلقها الجيش الأمريكي على مطار الشعيرات الذي كان فارغاً إلا من الحجارة.

ويطول تعداد خيبات الأمل لدى السوريين من مواقف المجتمع الدولي الذي تعامل مع الأسد على أنه "كائن فضائي" يصعب النصر عليه، ويستحيل التعامل معه بغير "التهديدات الفارغة". نعم.. جميع السوريين يتعجبون كثيراً كيف أن نظامهم "الانبطاحي" الذي كان يرتعد عند أدنى تهديد، بات بعد الثورة غولاً يقف في وجه الولايات المتحدة وأوروبا وتركيا وثلاثة أرباع العالم! أليس هذا أمراً عجيباً؟.

ويقول بعضهم كذلك إن الولايات المتحدة التي تفرض كلمتها على دول عظمى في الواقع، تستطيع وكانت تستطيع بسهولة، إجبار الأسد على التنحي دون إهدار قطرة دم واحدة، ودون أن تصل سوريا التاريخ والحضارات إلى دولة فاشلة فقيرة غارقة بالنكبات، إلى دولة تنتشر الأسلحة فيها أكثر من الخبز، إلى دولة باتت مثالاً يُضرَب في التخلف عن كل شيء، تتصدر دائماً قائمة البلدان الأكثر فقراً، والأشد فساداً، والأعظم خطورة.

ألم تكن الولايات المتحدة و"أصدقاء الشعب السوري" قادرين على تجنيب سوريا كل ذلك؟! المنطق والعقل يقول نعم، كانت تستطيع، لكنها العالم تعاجَز عن الحل لغاية لا يعرف السوريون متى وكيف تنتهي، هل انتهت وظيفة الأسد فعلياً في تحويل سوريا "جارة إسرائيل" إلى دولة من القرون الوسطى؟ هل بلغت دماء السوريون الحد الذي أشبع فعلياً غريزة التلذذ بالمآسي لدى الدول الكبرى؟؟ هل بات العالم خجولاً أو عاجزاً أمام مشكلة نحو 13 مليون نازح ولاجئ؟.. إذا كان الجواب على كل ذلك نعم، فللسوريين البشرى بخلاص قريب، وإذا كان الجواب لا، فعقوبات "قيصر" لن تكون سوى محاولة أمريكية لضرب إيران وروسيا وبعض أعدائها عن طريق ضرب الأسد، ويُخشى عند ذلك فعلياً ألا يتأثر الأسد ولا عصابته الحاكمة، وحينها لن يكون "قانون قيصر" سوى "رصاصة الرحمة" للقضاء على الشعب السوري المنكوب.

يجب ألا نتعجل بالتفاؤل أو بالتشاؤم.. الأسابيع القادمة كفيلة بإعطاء الجواب الأكيد البعيد عن تحليلات الخبراء والمحللين وتصريحات السياسيين.

ليصلك كل جديد.. الاشتراك بتلغرام قناة الجسر https://t.me/aljisr