الأثنين 2021/03/22

فيتو أميركي بمواجهة محاولة تعويم نظام الأسد

بدأت الولايات المتحدة الأميركية تكشف تدريجياً عن مزيد من مواقفها تجاه نظام الأسد عقب وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، بعد أن ساد ما يشبه الغموض بموقف بايدن من النظام طيلة حملته للانتخابات الرئاسية، وحتى في الفترة الأولى التي تلت تنصيبه. وفيما يقترب موعد "الانتخابات" الرئاسية في سوريا، المقرر إجراؤها بعد نحو ثلاثة أشهر، والتي باتت محط أنظار الفاعلين الدوليين في الشأن السوري، دخلت واشنطن على الخط بالقول إنها لن تعترف بشرعية هذا الاستحقاق، المستنكر أوروبياً، في ظلّ وضوح نوايا النظام وحليفيه الروسي والإيراني، لتوظيفه من أجل إعادة تعويم بشار الأسد، عبر انتخابه لفترة رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات.

 

وتسعى روسيا لتحقيق ذلك من بوابة إعادة سوريا إلى محيطها العربي والجامعة العربية، وهذا ما كان واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على عدد من العواصم الخليجية قبل أيام. في حين تأتي زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى سلطنة عُمان التي بدأها يوم أمس السبت، كمحطة يمكن التوقف عندها في هذا السياق.

 

وأعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة بالإنابة، جيفري ديلورنتس، في تصريحات له أول من أمس الجمعة، أنّ إدارة بايدن "لن تعترف بنتائج الانتخابات في سوريا، إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبشكل يراعي وجهة نظر المجتمع السوري بأسره". وأكد ديلورنتس أنّ النظام ينوي استغلال الانتخابات لتأكيد شرعية رئيس النظام بشار الأسد. وشدد على أنّ الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات "غير حرة" لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة، مضيفاً: "نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254". كذلك أشار ديلورنتس إلى أن "المعارضة السورية حاولت القيام بدور نشط في تطوير الدستور الجديد، لكنها قوبلت برفض دمشق التعاون في هذا الشأن".

 

وفي الأشهر السابقة، حملت تصريحات غربية وحتى أميركية رفضاً واضحاً للانتخابات الرئاسية في سوريا ونتائجها المتوقعة، بيد أنّ تصريحات ديلورنتس الأخيرة تقطع الشك باليقين، حيال نظرة الإدارة الأميركية وبايدن نفسه، إلى هذا الاستحقاق، الذي سيعتبر مفصلياً وحاسماً في طريق الأزمة السورية، التي أنهت قبل أيام عقدها الأول، بمئات الآلاف من الضحايا المدنيين؛ قتلى ومعتقلين، إلى جانب الملايين من النازحين واللاجئين.

 

ومع الخشية من أن يؤدي قرار بايدن بالعودة إلى التفاوض مع إيران بشأن ملف الأخيرة النووي إلى تراخٍ في الموقف الأميركي حيال النظام، تزداد الضغوط من قبل الكونغرس على إدارة الرئيس الجديد لزيادة التشدّد في التعامل مع النظام وحلفائه، ولا سيما طهران. إذ طالب أعضاء من مجلس النواب الأميركي، أول من أمس الجمعة، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بتقديم إجابات رسمية بشأن تحديد الجرائم ضدّ الإنسانية التي ترتكبها إيران والمليشيات التي ترعاها، في سوريا والعراق، وما إذا كانت إيران و"حزب الله" اللبناني والمليشيات المدعومة من طهران قد قامت بحملات تطهير طائفي في ضواحي دمشق، ما يمكن أن يعتبر منهجية واسعة الانتشار، وبالتالي فإنها تشكل جريمة موصوفة بحسب قوانين الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ هذه المطالبات هي جزء من مشروع قانون جديد يتعلق بضرورة معاقبة إيران لقيامها بانتهاكات لحقوق الإنسان داخل أراضيها وفي كل من العراق وسوريا، إلا أنه ستكون له انعكاساته على تعامل إدارة بايدن مع النظام، الذي سهّل عمل إيران في سوريا، وكان سبباً في توغلها بالبلاد، وشريكاً لها بجرائم وعمليات تغيير ديمغرافي على أساس طائفي.

 

وتأتي هذه التحركات الأميركية، لمواجهة سعي موسكو إلى تعويم الأسد من خلال إعادة نظامه إلى المحيط العربي، عبر تطبيع العلاقات مع الدول العربية، والخليجية تحديداً، لكسب تأييدها ودعمها المالي في عمليات إعادة الإعمار في سوريا. وكان ذلك واضحاً من خلال جولة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخليجية الأخيرة التي توقف خلالها في كل من الرياض وأبو ظبي والدوحة. بيد أنّ لافروف تلقّى إجابات غير مرضية في الرياض والدوحة، إذ تم ربط مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية بإنجاز الحل السياسي الشامل في البلاد، على أن تكون المعارضة جزءاً من هذا الحل. في حين أنّ الموقف الإيجابي اتجاه طرح لافروف والذي أبدته الإمارات، غير كافٍ، نظراً لهشاشة الثقل الإماراتي في الملف السوري، على الرغم من أنّ أبو ظبي سارت في طريق إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد قبل عامين، بهدف مساندته في مواجهة التمدد التركي في البلاد.

 

وبناءً على ذلك، يمكن اعتبار زيارة وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى العاصمة العمانية مسقط، والتي بدأها أمس السبت، امتداداً لجهود لافروف بتسويق فكرة إعادة النظام لمحيطه العربي من البوابة الخليجية. وتلعب سلطنة عمان، عادةً، دور الوسيط في نزاعات المنطقة، وخصوصاً بالنسبة لإيران التي تربطها بها علاقات جيدة. ويبدو أنّ النظام يحاول تعزيز علاقاته مع مسقط بهدف فكّ العزلة عنه والحصول على شرعية سياسية، خصوصاً في وقت يحضّر فيه لإجراء انتخابات رئاسية، معتمداً على سياسة "الحياد" التي تتبعها السلطنة. مع العلم أنّ سلطنة عُمان هي الدولة الوحيدة في مجلس التعاون الخليجي التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع النظام، كما فعلت باقي الدول الخليجية، إذ عمدت فقط لتخفيض مستوى تمثيلها في دمشق عام 2012، إثر اندلاع الثورة السورية، وكانت أول دولة عربية وخليجية تعيد سفيرها إلى دمشق في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

 

من جهته، رأى الباحث السياسي، والمعارض السوري، رضوان زيادة، أنّ موقف الإدارة الأميركية الجديدة "يتماشى مع الموقف الأميركي العام في عدم الاعتراف بنظام الأسد والإصرار على الانتقال السياسي، وربطه برفع العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر وتطبيق بنود القرار 2254". وأشار زيادة، في حديث مع موقع "العربي الجديد"، إلى أنّ "المطلوب من الولايات المتحدة الآن موقف أقوى لناحية الجدية في تطبيق قانون قيصر، وفرضه حتى على أصدقاء أميركا الذين يرغبون في إعادة تأهيل نظام الأسد، مثل عُمان والإمارات، كما فعلت الإدارة السابقة، وهذا يشترط وضع سورية كأولوية بالنسبة لواشنطن في السياسة الخارجية، وهو ما لم يحصل للأسف إلى الآن".