الأثنين 2019/11/11

فايننشال تايمز: هكذا حمت روسيا أموال “عائلة الأسد”

كشف تحقيق لصحيفة "فايننشال تايمز" أن بعض الأموال السورية انتهت في روسيا. والتحقيق الذي أعده كل من هنري فوي وتشولي كورنيش جاء بعنوان "سوريا: الأسد.. أبناء أخواله وناطحة سحاب موسكو".

وجاء في بداية التحقيق وصف لزيادة ناطحات السحاب في موسكو في السنوات القليلة الماضية حيث جاءت نتاجا للسوق النفطي والغاز العالمي. وزاد انتشار الناطحات بطريقة تفوقت على ناطحات ستالين “الأخوات السبع” التي كانت أطول البنايات في موسكو. وفي قلب حي الناطحات هناك “سيتي أوف كابيتالز”، مجمع المكاتب المكون من ناطحتين في مركز موسكو للتجارة الدولية، وكانا حتى وقت قريب أطول ناطحتين في أوروبا قبل أن تخسرا العرش عام 2012 إلى ناطحة سحاب لندن “شارد”، ويضم سكان ناطحات مكاتب شركات دياغو للمشروبات وشركة الأزياء الإيطالية كالزيدونيا والمصارف الروسية الكبرى.

أما الأبراج القريبة ففيها وزارات الحكومة والفنادق من درجة الخمس نجوم وبيوت أثرياء البلد. وما لا يعرف سابقا هو أن من بين الشقق السكنية الفاخرة هناك 18 شقة اشترتها عائلة "بشار الأسد" كوسيلة للحفاظ على ملايين الدولارات خارج سوريا بعد اندلاع الحرب.

واشترت عائلة مخلوف وأقارب للأسد نحو 20 شقة بقيمة 40 مليون دولار في موسكو، واستخدمت سلسلة معقدة من القروض والشركات، ما يكشف عن دور روسيا المهم في حماية نظام الأسد.

وتكشف الصحيفة عن دور ما أطلق عليها “مدراء مالية الأسد” في حماية النظام لنقل الأموال بعيدا عن العقوبات الغربية. وتقول الصحيفة إن سجلات مُلكية العقارات تكشف أن عائلة الأسد اشترت في الفترة ما بين 2013 وحزيران الماضي، الشقق في مجمع “سيتي كابيتالز”، واستخدموا في غالب الأحيان قروضا من خلال شركات لبنانية تعمل في الخارج والتي تملك الشقق رسميا. وحصلت المنظمة المعادية للفساد “غلوبال ويتنس” على الوثائق واطلعت عليها صحيفة “فايننشال تايمز”.

تقول إزوبيل كيشوو من “غلوبال ويتنس”: “تعتبر صفقات العقارات دليلا نادرا عن الطريقة التي ساعدت فيها روسيا أفرادا فرضت عليهم عقوبات ممن دعموا واستفادوا من نظام الأسد الإجرامي وتجنبوا الأنظمة الدولية”. وأضافت أن روسيا “سمحت لهم بملجأ آمن في موسكو حيث استمتعوا بالرفاهية في وقت كانت فيه سوريا تحترق”.

وتكشف عقود العقارات واحدة من الآليات التي حاولت فيها الشخصيات المرتبطة بنظام الأسد تجنب العقوبات -من تجميد أرصدة ومنع سفر- التي فرضت عليهم كردّ على دورهم في حملات القمع ضد المتظاهرين قبل تسعة أعوام. ولكنها تكشف عن الدور الذي لعبته روسيا كملجأ آمن للمقربين من النظام وأموالهم. وقالت لينا الخطيب، من مشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس بلندن: “كانت روسيا ومنذ البداية تساعد نظام الأسد على تخريب العقوبات”، مضيفة أن موسكو “ترى نفسها الآن كضامن للدولة السورية وتعمل ما بوسعها، عسكريا أو سياسيا اقتصاديا للحفاظ على الدولة وجعلها في الوقت نفسه موالية لها”.

ومع أن حجم المشتريات صغير، إلا أنه يشير إلى حركة تجارية نامية بين روسيا وسوريا نشأت من خلال العلاقة العسكرية. وأكدت روسيا أن شركاتها ستجد فرصة للحصول على صفقات مربحة من المصادر السورية الطبيعية مثل الفوسفات والغاز والنفط بالإضافة إلى عمليات إعمار. وباعت سوريا أسلحة قيمتها بمليارات الدولارات.

وتشير عقارات مخلوف في موسكو إلى أن موسكو تتربح من رغبة النخبة الحاكمة في دمشق نقل أموالها إلى الخارج. وتأتي المشتريات بعد تأكيد الأسد سيطرته على البلاد، ما يعني أن هذه النخبة لا تزال تحتفظ بأوراقها. فمن بين 20 شقة هناك 13 بيعت مباشرة أو يديرها حافظ مخلوف، 48 عاما، المسؤول الأمني السابق واللاعب المهم في حملة قمع المتظاهرين السلميين، فيما اشترت شقتان زوجة رامي مخلوف وشقيقتها. وهو الرجل الذي ظل حتى وقت طويل أهم رجل أعمال في البلاد.

واشترى ثلاثة إخوة لرامي شققا أخرى في ناطحات سحاب بالعاصمة الروسية. ويتم استخدام أربعة من الشقق كسكن حسب تحقيق آخر قامت به “فايننشال تايمز” بما فيها شقة مملوكة بشكل مشترك للتوأمين، شقيقي كل من حافظ ورامي، نبيل وإيهاب.

ولم يرد أي من أبناء مخلوف الخمسة ولا زوجة رامي أو شقيقتها ولا ممثلون عنهم في الشركات الخارجية ممن شاركوا في عملية الشراء على أسئلة الصحيفة للتعليق. ولم ترد شركة قانونية في بروكسل تمثل أفراد العائلة على أسئلة الصحيفة للتعليق. ولم يرد محام آخر مثل حافظ وإياد مخلوف قال إنه لم يعد يعمل معهما.

واتهمت العقوبات الغربية عددا من أفراد عائلة مخلوف، بمن فيهم إخوته الأربعة ورجال أعمال آخرون بأنهم يعملون كواجهات لعائلة الأسد. وقال محلل سوري في أوروبا: “يعملون كمدراء ماليين لعائلة الأسد” و”يستطيعون عمل أموال لأنفسهم ولكن بسبب عائلة الأسد التي يحرسون ثروتها”.

ويرى محللون أن عائلة مخلوف ربما حاولت نقل أموالها إلى الخارج حتى لا تقع في يد بشار الأسد. ويقول محلل سوري آخر: “لا أحد يشعر بالأمن في دمشق إلا الرئيس”. وتواصل عائلة مخلوف الاستفادة من اقتصاد الحرب والسفر إلى روسيا. ولم يخف نجل رامي، علي، زياراته إلى موسكو، وواحد من أشرطة الفيديو التي صورها عام 2018 يظهر مجمع شقق في موسكو حيث اشترت عائلته شققا هناك. ولكن لم يتباه كل أفراد العائلة بثرواتهم، فلا يعرف إلا القليل عن ثروة حافظ مخلوف.

وبدأت استثمارات آل مخلوف بموسكو عام 2013 عندما كان نظام الأسد في أضعف حالاته. وحينها اشترت رزان عثمان زوجة رامي وشقيقتها ندا شققا في الطابقين 53 و58 من مجمع سيتي كابيتلز. وفي آذار (مارس) 2015 اشترى حافظ واحدة في الطابق 60. وفي أيلول (سبتمبر) 2015 مع بداية التدخل الروسي في سوريا اشترت شقيقته كندة شقة في الطابق 20.

وزادت المشتريات بعد عام من التدخل الروسي. ففي 16 أيلول (سبتمبر) 2016 اشترت ثلاث شركات روسية تابعة لحافظ وهي أرتميز وبيلونا وخستيا 11 شقة فيما بينها تبلغ مساحتها الإجمالية 2.112 مترا مربعا وتقع في الطابق 61 و65 من عمارة مكونة من 73 طابقا.

وتم مساعدة الشركات من خلال قروض قدمتها شركة نيلام سال التي يديرها في الخارج كل من هيثم وحسن عباس. ومجموع ما تم شراؤه من شقق في موسكو هو 19 شقة بقسمة 40 مليون دولار.