الجمعة 2021/10/22

عودة نظام الأسد للجامعة العربية: حاجة لإجماع غير متوفر

بالتوازي مع التقدّم الميداني الذي حققه النظام بمساندة روسية، والذي كان آخره إنهاء ملف الجنوب السوري والسيطرة شبه المطلقة على محافظتي درعا والقنيطرة، وتحوّل بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع معه، عاد الحديث مجدداً عن إمكانية عودة النظام لشغل مقعد سورية في جامعة الدول العربية، على الرغم من عدم زوال أسباب قرار سحب المقعد منه، أي "ممارسة القتل وارتكاب المجازر بحق السوريين"، وعدم تحقق أي شرط من الشروط التي وُضعت لعودته إليها، وفي مقدمتها تطبيق القرار 2254 الخاص بالحل السياسي في سورية، وفك الارتباط بإيران، وتسهيل عودة اللاجئين.

 

وتزامن الحديث عن عودة نظام بشار الأسد إلى الجامعة مع طرح بعض الفرضيات التبريرية لهذه العودة، منها عدم تمكّن المعارضة من إنتاج بديل للنظام، وفرضية احتواء النظام ضمن محيطه العربي، بهدف فك ارتباطه تدريجياً بإيران. وجاء أخيراً الطرح الأردني المسرب المقدّم للإدارة الأميركية بعنوان "اللاورقة"، والذي طرح خلاله الانفتاح على النظام السوري على مراحل، مقابل تقديمه تنازلات في كل مرحلة تمهيداً للانتقال للمرحلة التالية، ويتضمن في شقه السياسي استعادة النظام مقعده في الجامعة العربية.

 

وكانت جامعة الدول العربية اتخذت قراراً في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بتعليق عضوية النظام في الجامعة. وطلب القرار سحب السفراء مع إبقاء الطلب "قراراً سيادياً لكل دولة". وصدر القرار بموافقة 18 دولة واعتراض 3 دول هي سورية ولبنان واليمن وامتناع العراق عن التصويت.

 

وشهدت الفترة الماضية خطوات وإشارات من قبل بعض الأنظمة العربية للتقارب مع النظام خصوصاً الأنظمة العربية التي أبقت على علاقاتها معه، على الرغم من قرار تجميد عضويته في الجامعة العربية، مثل العراق، والجزائر، ولبنان، وسلطنة عمان، بالإضافة إلى الدول التي بدأت بالتطبيع معه، بعد أن مكّنته روسيا من السيطرة على محيط دمشق وريف حمص في 2018، مثل الإمارات، والبحرين، والأردن.

 

وفي إطار عمليات تطبيع بعض الدول مع النظام، يأتي الاتصال الهاتفي بين الأسد وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، مساء الأربعاء الماضي. وفي حين أشارت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، إلى أن الحديث بينهما دار حول العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها، فقد نشر الحساب الرسمي لولي عهد أبوظبي تغريدة ذكر فيها تفاصيل حول الاتصال، مشيراً إلى أنه بحث هاتفياً مع الأسد تداعيات تفشي فيروس كورونا، مؤكداً دعم دولته وتقديم المساعدة للشعب السوري. وقال إن "التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسورية العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".

 

إلا أن عودة النظام إلى جامعة الدول العربية لا ترتبط كثيراً بتطبيع بعض الدول العربية معه بشكل منفرد، كون قرار العودة يحتاج إلى إجماع عربي من دون اعتراض أي دولة. كما أن الدول ذات التأثير الأكبر في قرارات الجامعة، خصوصاً السعودية وقطر والكويت، لم يطرأ تغيير يذكر على موقفها السياسي من النظام. والأهم في موضوع قرار عودة النظام أنه يحتاج إلى ضوء أخضر أميركي لا يزال غير متوفر. وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مجدداً، أخيراً، موقف بلاده المعارض لتطبيع العلاقات مع بشار الأسد. وقال، خلال مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيريه الإسرائيلي والإماراتي، إن سياسة إدارة الرئيس جو بايدن بشأن سورية تركز بشكل كبير على الإغاثة الإنسانية. وأضاف "ما لم نفعله ولا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات" مع الأسد. وأشار إلى أن الولايات المتحدة "لن ترفع أي عقوبة مفروضة على سورية، ولم تغيّر موقفها المعارض لإعادة إعمار سورية، ما لم يُحرَز تقدم لا رجوع عنه نحو حلّ سياسي، نعتقد أنه ضروري وحيوي".

 

وعن ذلك، رأى الباحث السياسي برهان غليون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لن يكون هناك أي تطبيع عربي مع الأسد، بعكس ما يوهم به أنصاره بشعور أخرق بالانتصار، هو التجسيد الأكمل للفشل، والانتحار الذاتي، الذي ذهبت ضحيته الدولة والمجتمع". وأوضح أن ما أثار مثل هذا الاعتقاد هو لقاء بعض وزراء خارجية الدول العربية مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد، ونجاح الأردن في انتزاع استثناء فتح المعابر مع سورية، وكذلك عدم اعتراض واشنطن على مشروع خط الغاز العربي المنطلق من مصر إلى سورية ولبنان.

 

وأضاف غليون: "لكنني أعتقد أن هذه الآمال مبنية على أوهام عديدة. الأول وهم أن تقبل الدول الكبرى، بما فيها روسيا، إعادة تأهيل النظام والتطبيع معه من دون تسوية سياسية حسب قرار مجلس الأمن 2254، وذلك ببساطة لأنه لا يمكن من دون هذه التسوية السياسية، وما تتضمنه من تغيير في قواعد ممارسة السلطة، حل أي مسألة من المسائل العديدة والمعقدة التي ولدتها الحرب العدمية، وفي مقدمها مسألة بناء الدولة المفككة ذاتها". وتابع: "أما السبب الثاني الذي يجعل من هذا الاعتقاد وهماً، فهو أن النظام نفسه لم يعد نظاماً وإنما قوى متنازعة ومتناقضة، وهذا ما تبرزه سياسة سرقة الآلاف من الصناعيين ورجال الأعمال، حتى الموالين للنظام، وهجرة عشرات الألوف منهم إلى خارج سورية. وثالثاً لأن الأسد يخطئ عندما يعتقد أنه لا غنى للغرب عنه بوصفه المحارب الصليبي ضد الإرهاب الإسلامي، وأنه يستطيع بسبب ذلك أن يرفض أي تسوية أو تنازل عن سلطاته، وأن على الغرب أن يعترف بخدماته ويعيد تأهيله كما هو من دون شروط. وهذا ما تعززه لديه أيضاً طهران التي تستخدم مخاطر تفاقم الكارثة السورية كورقة ضغط في مفاوضاتها على الملف النووي في فيينا".

 

ورأى غليون أن "الحكومات العربية تضيّع وقتها في البحث عن مهرب من مواجهة التحدي الاستراتيجي الكبير الذي تمثله إيران، وتجري وراء سراب، بدل أن تعمل هذه الحكومات على تنظيم قواها الذاتية، وإقامة جبهة متماسكة في مواجهة سياسة التوسع والهيمنة الإيرانية. ولهذا لن يمنحها السعي وراء التطبيع مع نظام آفل ومدان عالمياً وأخلاقياً أي مخرج، ولكنه يفاقم للأسف من فقدانهم للصدقية الاستراتيجية والأخلاقية والسياسية".

 

وبدأت بعض الدول العربية بالتطبيع مع نظام الأسد بشكل أكثر فاعلية في العام 2018، بعد أن مكّنت روسيا النظام من السيطرة على غوطتي دمشق وعلى ريف حمص الشمالي، إذ بدأت بعض الزيارات العلنية للنظام، كزيارة الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى دمشق ولقائه الأسد، ولقاء رئيس المخابرات المصرية العامة عباس كامل مع رئيس مكتب الأمن القومي في النظام السوري علي مملوك في القاهرة، وإعادة الإمارات فتح سفارتها في دمشق، وإعلان البحرين استئناف سفارتها العمل في دمشق، وغيرها من التحركات العربية باتجاه التطبيع مع النظام، والتي كان من بينها بعض الدعوات لعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.

 

وحول العلاقة بين عودة النظام إلى الجامعة وتطبيع بعض الأنظمة العربية معه، أكد كبير المفاوضين في هيئة التفاوض عن المعارضة المحامي محمد صبرا، في حديث مع "العربي الجديد"، أن العلاقات بين الدول تدخل في إطار المفهوم السيادي لكل دولة، وبالتالي لا رابط بين استعادة بعض الدول علاقاتها مع النظام، وبين موضوع تعليق عضوية النظام في الجامعة العربية. وأوضح أن قرار التعليق لم يمنع أصلاً حفاظ بعض الدول على علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، كما هو الحال بالنسبة للعراق ولبنان والجزائر وعمان، والتي بقيت علاقاتها مع النظام قائمة.

 

وعن عودة النظام لشغل مقعد سورية في الجامعة، بيّن صبرا أن هذا الأمر يحتاج إلى قرار توافقي عربي لأنه من القرارات السياسية الموضوعية، موضحاً أنه طبقاً لقواعد التصويت في الجامعة العربية فإن هذا القرار يحتاج لموافقة جميع الدول العربية، أو على الأقل عدم اعتراضها عليه. وحذر صبرا من الربط بين نضال السوريين ضد نظام مجرم ارتكب جرائم ضد الإنسانية وبين استعادة بعض الدول لعلاقاتها مع النظام، مبيناً أن الثورة السورية عندما اندلعت كان النظام يرتبط بعلاقات دبلوماسية مع أغلب دول العالم، ولم يمنع ذلك السوريين من القيام بثورتهم ضد هذا النظام للمطالبة ببناء دولة المواطنة، دولة كل السوريين.

 

واتفق المحلل السياسي غازي دحمان مع فكرة أن التحركات العربية تجاه نظام الأسد هي تطبيق للمقاربة التي تقول إن انتزاع سورية من الفلك الإيراني يتطلب خطوات تقاربية معها، واتباع استراتيجيات مختلفة عن تلك التي تم اتباعها في السنوات السابقة، والتي لم تأت بنتائج إيجابية، على صعيد فك العلاقة بين نظام الأسد وإيران. وقال دحمان، في حديث مع "العربي الجديد": "يبدو أن الأردن استطاع إقناع الإدارة الأميركية بهذه المقاربة، التي ترغب بوجود توازنات قوى جديدة في المنطقة، ووجود طرف عربي منافس لإيران، لأن من شأن ذلك المساعدة في تخفيض الوجود الأميركي في المنطقة، ومن جهة أخرى تشكيل غلاف يؤمن الحماية لإسرائيل، ويدفعها إلى عقلنة سياساتها تجاه إيران، بدل التفكير بالتصعيد معها، وما قد يرتبه ذلك من تداعيات سيكون لها تأثيرات خطيرة على منطقة هشّة ومنهكة بفعل الصراعات الدموية التي دارت في جغرافيتها في العقد الأخير".

 

وأوضح دحمان أن هذه التحركات التي يقودها الأردن، لا تزال حتى اللحظة تتخذ عناوين اقتصادية وأمنية، بحكم الضرورة، وحاجة الأردن ولبنان للخدمات التي يوفرها الانفتاح الجزئي على نظام الأسد، على الرغم من محاولة النظام تطوير العلاقة إلى الجانب السياسي، من خلال الاتصال الذي أجراه الأسد مع الملك الأردني عبدالله الثاني، وكذلك المحادثات التي أجراها وزير خارجية النظام مع وزراء خارجية عرب في نيويورك، على هامش اجتماعات الدورة العادية للأمم المتحدة.

 

ولا يتوقع دحمان أن تشهد هذه العلاقات نقلات سياسية معينة لأسباب عديدة، منها الافتقار إلى المبرر المنطقي، إذ إن الأطراف المتحمسة لعودة العلاقة مع النظام لا تزال تتلطى خلف عناوين إنسانية، من نوع مساعدة الشعب السوري وتخفيف تداعيات الحصار عنه، وهذه الأمور يمكن معالجتها ضمن أطر ومستويات تقنية وفنية دون الحاجة إلى اتصالات سياسية. كما أن تلك الأطراف تنتظر وضوح الصورة في واشنطن، التي تشهد تجاذبات بين أقلية، في الكونغرس والبيت الأبيض، ترغب في إبداء مرونة في ما يخص العقوبات ضد النظام وأكثرية رافضة لذلك، وبالتالي فإن غالبية الأطراف العربية لن تقدم على توسيع تحركها تجاه النظام إلى حين معرفة حدود المرونة الأميركية بهذا الخصوص. وتابع دحمان: "انطلاقاً من ذلك، من غير المقدّر أن تفضي هذه التحركات لعودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة، إذ ما زالت أطراف وازنة في المعادلة العربية ترفض هذا الطرح، خصوصاً السعودية وقطر، اللتين تعتبران من أكبر المساهمين في ميزانية الجامعة". وقال: "من المرجح بقاء علاقات الدول العربية مع نظام الأسد ضمن أطر محدّدة، يصعب القفز عنها إلى علاقات سياسية طبيعية في هذه المرحلة. كما أن عودة النظام إلى الجامعة العربية ليست محتملة في الأفق المنظور، نتيجة استمرار معارضة دول عربية مؤثرة".