الأثنين 2022/05/16

“عفو” الأسد يربك إعلام النظام: ما هكذا يكون الامتنان

أطلق جيش النظام الإلكتروني حملة واسعة لنشر أفكار حاقدة وطائفية، بعدما نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية تقريرها الذي أثار ضجة واسعة الشهر الماضي، حول تحقيق أعده الباحثان أنصار شحّود وأوغور أوميت أونجور، ووثقا فيه إعدام ما لا يقل عن 41 شخصاً، في حي التضامن في العاصمة دمشق، عام 2013، على يد ضابط مخابرات في صفوف قوات النظام.

 

ركز الجيش الإلكتروني على بث أفكار طائفية حاول من خلالها تبرير المجزرة، والادعاء أن ما وُثق ليس إلا نصف الحقيقة، واتهام الضحايا بالإرهاب. وقاد هذه الحملة عاملون في قنوات التلفزيون السوري، حاولوا تصوير المجزرة كأنها "انتصار وطني".

 

رافقت هذه الادعاءات محاولات لتمييع الحقائق، عبر مقارنة الفيديو الذي وثق مجزرة التضامن بالفيديوهات التي كان ينشرها تنظيم داعش حين كان يحرق ويعدم ضحاياه، وحملات تخوين استهدفت الشخصيات السورية المعروفة بولائها للأسد التي أبدت تعاطفاً إنسانياً مع ضحايا المجزرة، علماً أن هؤلاء حاولوا الترويج بأن ما حصل خطأ فردي لا يتحمل مسؤوليته النظام.

 

تصاعد خطاب الكراهية في الأيام الأخيرة، ليصل إلى وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام، وذلك بالتزامن مع إصدار المرسوم الرئاسي التشريعي رقم 7 الذي ينص على عفو عام عن "الجرائم الإرهابية" المرتكبة من قبل السوريين قبل 30 إبريل/نيسان 2022، عدا الجرائم التي أفضت إلى موت إنسان، والذي تلته تسريبات نشرتها وكالة الآن الإعلامية التي تديرها مستشارة الأسد لونا الشبل، تتضمن قوائم بأسماء المعتقلين الذين شملهم العفو. ودعت الوكالة أهالي المعتقلين إلى التجمع في منطقة صيدنايا في ريف العاصمة دمشق، تحت جسر الرئيس، للاجتماع بأبنائهم.

 

أغلب الظن أن النظام كان يحاول حشد الجموع وسط العاصمة للمفاخرة بالمرسوم الرئاسي الذي وصفه الإعلام السوري الرسمي بـ "العفو التاريخي" و"المكرمة". إذ صرح رئيس مكتب الخبرات القضائية وعضو تشريع هيئة العدل، عمر بلال، عبرة قناة الإخبارية السورية، في برنامج "صباح سياسي"، أن "الرئاسة السورية مثل الشعب السوري تقدس القرآن الذي ينص على العفو عند المقدرة، حتى عندما يتعلق الأمر بخونة ضلوا طريقهم".

 

وهكذا، تجمعت وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية التابعة للنظام في أماكن تجمهر من ينتظرون معتقليهم، لاستثمار الحدث في إظهار "كرم القائد" و"امتنان" الشعب له. لكن محتوى هذه التقارير لم يتوافق مع مرادهم، فجاء التقرير المصور لإذاعة شام إف إم، وفيه مقابلات مع أهالي المعتقلين، ليسلط الضوء على جانب يغفله الإعلام من الحقيقة. ظهر في التقرير عدد هائل من أهالي المعتقلين والمخفيين قسراً قرب جسر الرئيس وهم يأملون أن تحمل الحافلة أبناءهم أو من قد يتعرف إليهم. وفي التقرير نفسه الذي حذفته الإذاعة لاحقاً، طالب أهالي المعتقلين السلطات بإخبارهم بمصير أبنائهم المفقودين منذ عشر سنوات، سواء كانوا على قيد الحياة أم لا، لتعكس مناجاتهم واقع معتقلات النظام.

 

أصداء التغطية الإعلامية للحشود الشعبية لم تناسب تطلعات النظام، وبعد حذف تقرير "شام إف إم"، بدأت حملة مضادة يقودها إعلام النظام على قنواته وفي المنصات البديلة، استبدلت فيها كلمة المعتقلين بالموقوفين، وتلتها خطابات وحوارات سياسية مطولة حاولت تبييض سمعة السجون السورية. 

 

رافقت هذه الخطابات حوارات تحليلية لتكشف "نظريات المؤامرة"، ووصل الحد ببعضها إلى إنكار المشهد الذي وثقته كاميرات إعلام النظام بالكامل. وسرعان ما بدأ تلفزيون النظام بالتحذير من التجمعات البشرية وتخوينها، واعتبارها ضرب على الوتر الحساس بهدف إثارة البلبلة كما حدث عام 2011، ونشرت "الإخبارية السورية" تقريراً زعمت فيه أن ما نشر من صور وفيديوهات لتجمع أهالي المعتقلين كلها مفبركة وغير حقيقية. أما الصور التي ظهر فيها المعتقلون في حالة صحية يرثى لها، فادعوا بأن هدفها الإساءة لهيبة الدولة، وأنها لمشردين في اليونان.

 

وأطل عمر بلال مجدداً، وقال إن المساجين عادوا إلى حضن ذويهم فور خروجهم، وإن الحكومة كانت حريصة على حجز الموقوفين في مكان قريب لسكن عائلتهم لكي يستطيع الأهل الاطمئنان على أبنائهم، وأشار إلى أن ما ظهر من فيديوهات لأهالي يحاولون معرفة مصير الأبناء المفقودين في السجون هو كلام عارٍ عن الصحة، متجاهلاً التقارير الحقوقية الدولية التي تصف السجون في سورية بأنها مسالخ بشرية، ينقطع المعتقلون فيها عن الاتصال بالعالم الخارجي تماماً.

 

وتمادت وسائل إعلام النظام لدرجة دفعتهم إلى إجبار الضحايا وأهاليهم على شكر جلادهم أمام الكاميرات، من خلال مقابلات صورتها في مراكز البلدية إلى جانب صور ضخمة للديكتاتور. إذ اصطف المعتقلون إلى جانب الصورة، وهتفوا لبشار الأسد، وشكروه على منحه إياهم فرصة جديدة للحياة. ووصلت الوقاحة بأحد مذيعي "الإخبارية السورية"، إياد نخلة، إلى تهديد المعتقلين المفرج عنهم على الهواء مباشرةً، إذ أخبر الأهالي أن العفو يشمل ثغرات قانونية وأن الحكاية لم تنته.