السبت 2021/10/30

طبول حرب في الشمال السوري: ساعة الصفر تقترب

يتوزّع صدى طبول الحرب التي تقرع في الشمال السوري على جبهات متعددة، خلافاً للسابق بتحديد جبهة أو محور يكون مركزاً لأي عملية عسكرية. إذ يبدو أن أنقرة التي تستعد بالتحالف بين جيشها والجيش الوطني السوري المعارض والمدعوم منها لخلط الأوراق، أمام النظام السوري ومليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، وروسيا، بالإضافة للمليشيات الإيرانية التي تساند النظام، عند التحرك المحتمل بعملية عسكرية واسعة النطاق، ربما يستهدف الجيش التركي والمعارضة السورية فيها جبهات في شمال حلب والحسكة وإدلب.

 

وبعد إعلان فصائل الجيش الوطني رفع الجاهزية، لا سيما على خطوط التماس مع "قسد" في كل من ريف حلب، وتحديداً عند محاور أعزاز بالقرب من مدينة تل رفعت المسيطر عليها من قبل "قسد"، وفي مدينة الباب المحاذية لمناطق سيطرة النظام في ريف حلب، وكذلك على مقربة من الحدود الإدارية لريف مدينة منبج التي تقع تحت سيطرة "قسد"، بات إعلان ساعة الصفر لبدء العملية مسألة وقت، ربما يكون قصيراً، مع إظهار المسؤولين الأتراك عجلة في إنهاء سيطرة "قسد" على مساحات جغرافية على حدودها الجنوبية. إذ باتت تركيا تلمح إلى فقدان الأمل من الجهود الأميركية والروسية للضغط على "قسد" وإجبارها على الانسحاب من المناطق الحدودية باتجاه الجنوب، بعمق 30 ـ 35 كيلومتراً.

 

وشهدت إدلب في الأسبوعين الماضيين حركة مستمرة لتدفق الأرتال للجيش التركي، الذي عزّز الكثير من مواقعه جنوبي إدلب، وتحديداً عند نقاط التماس في جبل الزاوية وعلى تخوم مدينة معرة النعمان، كبرى مدن الجنوب الإدلبي، والمسيطر عليها من قبل قوات النظام. وأشارت معلومات "العربي الجديد" إلى أن أنقرة دفعت بتعزيزات من الفيلق الثالث إلى قواعدها الرئيسية في إدلب (معسكر المسطومة، مطار تفتناز)، وبدأت بنشر تلك القوات على نقاطها المتقدمة في جبل الزاوية وجنوب إدلب، مع تعزيزها بالأسلحة الثقيلة، لا سيما مدافع الميدان، التي زوّدت بها كل النقاط هناك. في المقابل، عزّزت قوات النظام كذلك، ومعها المليشيات المدعومة من روسيا، لا سيما الفرقة 25، حضورها على خطوط التماس جنوب إدلب، وتحديداً في معرة النعمان، واستقدمت دبابات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة، بالإضافة إلى العنصر البشري.

 

وفي ظل التصعيد الكلامي، من قبل وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، ووزير الدفاع خلوصي أكار، وقبلهما الرئيس رجب طيب أردوغان، بالتشديد على إجراء ما يلزم لإبعاد خطر المجموعات الكردية عن الحدود حفاظاً على الأمن القومي التركي، يبدو التفوق على الميدان يميل إلى صالح أنقرة مع المعارضة السورية، في مواجهة كل من "قسد" والنظام، اللذين قد يضطران للتحالف لمواجهة عدو مشترك، إلى جانب المليشيات المدعومة من كل من روسيا وإيران. وبات الجيش التركي يملك حضوراً بشرياً في إدلب يُقدر بحوالي 30 ألف مقاتل، ومعهم الكثير من الأسلحة المتطورة كالدبابات والمدافع، بالإضافة إلى نشر منظومات مضادة للطيران في عدد من المواقع الاستراتيجية، لا سيما في تلة النبي أيوب في جبل الزاوية. كما أظهر الجيش التركي تفوّقاً في المعارك السابقة، سواء ضد "قسد" أو النظام، باستخدام الطيران المسيّر الذي أربك قوات النظام وحتى الحليف الروسي في معارك بداية العام الماضي في إدلب. كما كان لسلاح الجو التركي حضوره من داخل الأراضي التركية.

 

على الجهة المقابلة، فإن النظام، الذي أدخله الروس والإيرانيون في معارك البادية بالمشاركة مع المليشيات المدعومة منهم، يجد نفسه مشتت القوى، إذ لا تكفيه مساندة المليشيات لإيقاف تقدم الجيش التركي والمعارضة في حال زادت تركيا من حدة استخدام الطيران المسيّر، وسيعول على دور قاعدة حميميم الروسية في الإسناد الجوي، الذي من الصعب توقع حجم تدخله في حال حضور الجيش التركي بشكل كبير في المعارك البرية. في المقابل، فإن جبهة ريف حلب الغربي تعتبر خاصرة رخوة بالنسبة للمعارضة والجيش التركي. ففي ظل عدم الانتشار الكبير للقوة العسكرية فيها، فإن تهديد النظام والروس لتركيا سيكون أكبر من تلك الجبهة، لا سيما في حال تمكن النظام من اختراق تلك الخاصرة، بدءاً من بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي، في طريق يوصله إلى معبر باب الهوى الحدودي، بين إدلب وتركيا. أما على الجبهات ذات الحضور المشترك بين النظام و"قسد" ومعهما الروس شمال وشمال شرق سورية، فإن التحالف محتوم بين النظام و"قسد" لمحاولة إيقاف التقدم التركي، لكن من دون توقّع النجاح في ذلك، إذ اختبرت "قسد" قوة الجيش التركي في معركتين سابقتين؛ "غصن الزيتون" في عفرين ومحيطها، و"نبع السلام" في كل من ريفي الرقة والحسكة. وفي كلا الموقعتين، وجدت "قسد" نفسها مضطرة للانسحاب لعدم القدرة على مواجهة الجيش التركي والمعارضة. في خضم ذلك، سيكون أمام روسيا اللجوء للمراوغة لوقف الطموحات التركية، عن طريق التفاوض والحلول السياسية والوعود كما في السابق.

 

وقد ينتظر أردوغان لقاءه مع الرئيس الأميركي جو بايدن (في قمة غلاسكو المناخية بداية الأسبوع المقبل)، لحسم مسألة إطلاق العملية. اللقاء الذي ستشهده المدينة الاسكتلندية قد يكون حاسماً لعدد من الملفات العالقة بين واشنطن وأنقرة، وسيكون له صداه على أرض الميدان في الشمال السوري شرقاً وغرباً بطبيعة الحال، في حين يرى بعض المحللين أن أردوغان قد لا ينتظر القمة لإعطاء إشارة البدء بالعملية العسكرية، بل سيكون الإعلان عنها بمثابة ورقة ضغط على طاولته مع بايدن.

 

وقال المتحدث باسم الجيش الوطني، الرائد يوسف حمود، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "أي معركة مقبلة بحاجة لخلق مناخ سياسي ليخدم أهداف العملية، من دون أن يتخذ قرارها، لكن عندما تصل الحلول السياسية إلى طريق مسدود، سيكون العمل العسكري أمراً حتميّاً". واعتبر حمود أن انتشار الجيش الوطني مع الحليف التركي من إدلب إلى الحسكة يعتبر بمثابة الوقوف على جبهة واحدة، مع رفع الجاهزية في كل المواقع تحسباً للقادم، مضيفاً: "سيتم التعامل مع كل محور على حدة طبقاً للظروف الميدانية العسكرية التي يتطلبها كل محور، سواء من خلال إرسال التعزيزات أو وضع التكتيك والخطة العسكرية المناسبة".

 

من جهته، رأى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن "أنقرة صعّدت خلال الساعات الـ48 الماضية (سياسياً وميدانياً) ضد قوات قسد شمال شرقي سورية قبل قمة بايدن وأردوغان"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "التلويح التركي بشن عملية عسكرية شمال شرقي سورية، جاء على لسان رئيس الدبلوماسية التركية جاووش أوغلو، وقبله بيومين من خلوصي أكار، وذلك بعد ساعات من تفويض البرلمان التركي للحكومة التركية بالقيام بعملية عسكرية عبر الحدود في سورية والعراق لمدى عامين". وأضاف عودة أوغلو: "المعلومات الواردة من أنقرة تشير إلى أن القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري المدعوم منها بانتظار ساعة الصفر لاستئناف العمليات العسكرية ضد الفصائل الكردية شمال سورية، بعد إكمال الاستعدادات القتالية والدفع بأعداد كبيرة من الآليات العسكرية والمقاتلين هي الكبرى منذ سنوات بريف حلب ومنطقة الحسكة شمال وشمال شرقي سورية وحتى في إدلب لخلط الأوراق ضد الروس والنظام الذين يتابعون التحركات التركية عن كثب". وتابع: "بكل الأحوال، التصريحات التركية السياسية والعسكرية تشي بأن العملية العسكرية التركية قادمة، وستشمل مساحات واسعة من مناطق تمركز قسد، أي ما يقارب من 560 كيلومتراً من الحدود التركية (910 كيلومترات) وهي متوقفة على اللقاء الذي سيجمع أردوغان وبايدن، وعلى ضوء نتائج هذا اللقاء ستحدّد ملامح المرحلة المقبلة في سورية، إن كانت على مستوى تفاهمات جديدة تختلف عن التفاهمات التي أبرمت قبل عامين تقريباً (2019) أو سيتخذ أردوغان قراره بشن عملية عسكرية من الطائرة التي تقله من قمّة غلاسكو إلى إسطنبول".