الخميس 2022/04/07

“صيادو الدولار” في سوريا يقتنصون أرباحاً هائلة من طبعة “الأبيض”

تشهد مناطق سيطرة النظام أزمات معيشيَّة خانقة جرَّاء تفاقم الأزمة الاقتصادية بفعل تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار على مدار سنوات الحرب، ما دفع بالكثير من السكان للاعتماد على الحوالات الواردة إليهم من أقاربهم وعائلاتهم في الخارج.

 

ويعاني سكان في العاصمة دمشق من صعوبات لتصريف حوالاتهم المالية المُستلمة بالدولار، ليس فقط بسبب وجود قانون يُجرّم التعامل به، إنَّما لامتناع شركات صرافة ووسطاء في السوق السوداء عن تصريف الدولار القديم (الأبيض) بحجة أنه قد يلغى التداول به في سورية ولبنان وعدد من الدول.

 

ويعرَّف الدولار الأبيض بأنَّه ذو الطبعة القديمة (2003 و2006)، والدولار الأزرق ذو الطبعة الجديدة (2009 و2013).

 

أقل بـ 100 ليرة

قال خالد حسين (41 عاماً) وهو موظف حكومي راتبه الشهري لا يتجاوز الــ 100 ألف ليرة (28 دولاراً): "ابني المتواجد في تركيا يرسل لنا حوالة شهرية استلمها بالدولار عبر صراف في السوق السوداء كي نستطيع البقاء على قيد الحياة، إذ إن راتبي لا يكفي لخمسة أيام".

 

ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد" أنَّه تعرَّض لخسارة في قيمة حوالته التي استلمها بالدولار القديم (الأبيض)، إذ امتنع صرافون في دمشق عن تصريف حوالته بسعر الدولار في السوق السوداء والبالغ 3725 ليرة لكل دولار بحجة أن دولاراته طبعة قديمة.

 

هكذا اضطر خالد لتصريف حوالته بسعر 3625 ليرة لكل دولار بدلاً من 3725 ليرة بعد أن فشل في العثور على صراف أو شركة صرافة تُصرّف له بسعر الصرف المتداول بين الصرافين للدولار الجديد (الأزرق).

 

ولم يلجأ لشركات الصرافة المرخصة التي تصرف الليرة مقابل الدولار على سعر البنك المركزي والبالغ 2550 ليرة لكل دولار.

 

أسعار متفاوتة

يمتنع أغلب السوريين عن تصريف حوالاتهم الواردة من الخارج عبر المصرف المركزي التابع للنظام أو الشركات المرخصة من قبل النظام، تفادياً لخسارة ثلث قيمة المبلغ الحقيقي. وبرَّر أحد الصرافين في دمشق امتناعهم عن تصريف الدولار القديم (الأبيض) بنفس سعر الدولار الجديد (الأزرق) بحجة معلومات متداولة عن إيقاف التعامل بطبعة الدولار القديم.

 

ويقول لـ"العربي الجديد" مفضلاً عدم ذكر اسمه: "نُصرّف الدولار القديم في حال كان بحالة جيدة وليس عليه أختام كثيرة أو كتابة وبسعر أقل من طبعة الدولار الجديدة".

 

وفي وقت سابق، نفت عدة شركات صرافة بدمشق لوسائل إعلام محلية امتناعها عن تصريف الدولار القديم وقالت إنَّها "تقبل إجراء عملية التحويل، للدولار الجديد (الأزرق) والقديم (الأبيض) بشرط ألا يكون مهترئاً حتى لا تعيده شركة الصرافة المرسل إليها".

 

لكن هذا الكلام يتناقض مع ما حدث مع خالد وغيره من سكان دمشق. كما نفى البنك المركزي التابع للنظام تسليم الحوالات الواردة من الخارج بالدولار إلا لمن تتجاوز حوالته الــ 5000 دولار، ورغم ذلك هناك شركات تُسلم حوالتها بالدولار في حال كانت قيمتها تفوق الألف دولار.

 

تسليم بالدولار الأبيض

ما حدث لخالد حسين لا يختلف عما حصل مع سمير عبد الله (32 عاماً) الذي استلم حوالة مالية بقيمة ألف دولار لقاء عمله أونلاين مع إحدى الشركات خارج سورية. ويقول لـ"العربي الجديد": "تفاجأت بأنَّ الشركة سلمتني المبلغ بالدولار على غير العادة". ويضيف، لم أكن أعلم بأنَّ هناك دولارا أبيض وآخر أزرق، إذ "صدمت عندما امتنع أحد الصرافين عن تصريف المبلغ بحجة أنَّ الدولارات قديمة". هنا عاد عبد الله لشركة الصرافة التي امتنعت أيضاً عن استلام الدولارات المُسلّمة من قِبلها.

وحسب عبد الله، فإن شركة الصرافة اقترحت عليه تصريف المبلغ بسعر أقل بـ75 ليرة عن السعر المعمول به في السوق السوداء، أي بـ3725 ليرة لكنه رفض وطلب تسلّم حوالته بالليرة بدلاً من الدولار كما كان يحدث معه سابقاً، فرفضت الشركة طلبه. هنا اضطر لتصريف مبلغه لدى أحد الصرافين الذي صرف له المبلغ بـ3650 ليرة.

 

شبكات محسوبة على النظام

تفيد مصادر خاصة بـ"العربي الجديد"، بأنَّ تداول الدولار بطبعتيه؛ "الأبيض" و"الأزرق"، في السوق السوداء يجري ضمن شبكات محسوبة على النظام تتحكم بكمية الدولار وتداوله. وحسب المصادر، فإنَّ هذه الشبكات داخل سورية ترتبط بشبكات أخرى تنتشر في عدة دول منها لبنان وتركيا على وجه الخصوص، وعبرها يدخل الدولار إلى مناطق سيطرة النظام.

 

ويصل حجم الحوالات الواردة من الخارج إلى 5 مليارات دولار سنورياً، وهو ما يوازي إلى حد ما معدّل المستوردات السنوي.

 

عقوبات صارمة

كل ذلك يحدث وسط فرض النظام عقوبات صارمة على المتعاملين بغير الليرة السورية أو من يستلم حوالته بغيرها، إذ تصل العقوبة وفق المرسومين رقم 3 ورقم 4 اللذين صدرا في العام 2020 إلى السجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، وغرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات، أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أنَّ نسبة السوريين الذين يعيشون من الحوالات الخارجية وصلت إلى 70% جراء شح المواد الأساسية من محروقات ودواء وغذاء بالداخل السوري وبعدما أضحى أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لتقديرات أممية.