الأثنين 2021/01/18

صعود “قسد” إلى أين؟

الردّ الأمريكي الأول في عهد "أوباما" على التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا في 30/9/2015 كان الدعوة لعقد مؤتمر فيينا الأول بعد أسبوعين فقط في 14/10/2015، تلاه مؤتمر فيينا الثاني في 30/10/2015، وهما المؤتمران اللذان مهّدا لصدور القرار الدولي 2254، الذي يعتبر أساس العملية التفاوضية حول الحل السياسي في سورية.

الردّ الأمريكي الثاني على هذا التدخّل كان في منتصف المسافة الفاصلة بين هذين المؤتمرين في 23/10/2015 عبر تعيين "بريت ماكغورك"  بمهمة المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة.

أرادت الولايات المتحدة من خلال هذين الردّين حرمان الروس من أي مكاسب سياسية على مستوى القرارات الدولية في مفاوضات جنيف، أو أي مكاسب عسكرية في منطقة نفوذها شمال شرق سوريل، حيث تنتشر قواتها إلى جانب ميليشيات "ب ي د" التابعة لحزب العمال الكردستاني.

لم يخفِ "ماكغورك" هذه الأهداف في تصريحه لمحطة CNN بعد شهر من تركه منصبه نهاية عام 2019 احتجاجاً على قرار ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سورية، حين قال: "ما أعطانا نفوذاً على الطاولة هو حقيقة أننا موجودون على الأرض، وأننا نملك نفوذاً على جزء كبير من سوريا، وأننا رسمنا خطوطاً على الخريطة لتوضح للروس أنك لا تعبر هذا الخط، أو سيكون لديك يوم سيء للغاية"، وأن استمرار وجود الجنود الأمريكيين يمكّن الولايات المتحدة من "إجراء محادثة جادّة حول مستقبل سورية. عندما نعلن للعالم أننا مغادرون، فإن كل هذا النفوذ يتبخر تماماً".

كتب "ماكغورك" في رسالة استقالته حسب  صحيفة "نيويورك تايمز" أن قرار ترامب الانسحاب من سوريا "صدمة" و"انقلاب كامل على السياسة التي قدمت لنا". وأن القرار "ترك التحالف في حالة قلق وشركاءنا في المعارك في حالة إحباط".

لم يخفِ "ماكغورك" أيضاً أثناء عمله علاقته القوية بقادة ميليشيات "ب ي د"، الأمر الذي أغضب تركيا، ودعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في أيار 2017، للطلب من الولايات المتحدة استبدال مبعوثها للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، لأنه "يدعم بوضوح" الميليشيات الكردية التي تعتبرها أنقرة جناحاً عسكرياً لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وأن "ماكغورك" يعمل ضد تركيا.

الآن مع عودة الديمقراطيين لتولي الحكم في الولايات المتحدة، وهم الذين أنشأوا الشراكة مع قسد، ومع إعادة "ماكغورك" إلى منصبه، تعود آمال قسد للصعود مرة ثانية، بعد ارتباكهم وتخبطّهم بسبب سياسات ترامب، وشعورهم بالتهديد الوجودي الكامل لمشروعهم، مما اضطرهم للتوجه نحو دمشق وفتح حوار معها، وقبولهم الانضواء تحت حكم نظام الأسد مقابل بعض الامتيازات "للإدارة الذاتية".

كذلك مال قادة قسد لفتح ما سمّوه "الحوار الكردي الكردي"، وتوقيعهم لمذكرة تفاهم مع "منصة موسكو" وتصريحهم عن رغبتهم في الانضواء في أعمال اللجنة الدستورية في جنيف، لكن هل ستتغير سياسة قسد بعد عودة الديمقراطيين، وخصوصاً بوجود أكثر من شخصية في الإدارة الأمريكية الجديدة تظهر مواقف عدائية لتركيا؟

قد تتابع قسد سياسة فتح الحوار مع أطراف سورية أخرى معارضة، وقد يكون مطلوباً منها ذلك، وهو ما يتردد الآن حول تفاهمات مع منصة القاهرة وهيئة التنسيق، ومحاولة استقطابها شخصيات سياسية أخرى يجمعها "مناكفة الائتلاف" و"مناكفة تركيا" التي تعدّهما قسد العدوّ اللدود لها.

إلى أين يمكن أن تصل قسد؟

ببساطة إلى لا شيء، مشروع قسد غير قابل للشراكة، لا على المستوى الكردي الكردي الذي سيفشل لا محالة المرة بعد المرة، منذ اتفاقية هولير 2012 لم يتحقق أي تفاهم ولو بشكل يسير بين المجلس الوطني الكردي وبين قادة "ب ي د".

على المستوى الكردي العربي سياسياً، العبرة -للسياسيين المناكفين للائتلاف ولتركيا- كافية من تجربة "هيثم منّاع، ومن بعده "رياض درار" في الأدوار الصورية التي يمكن أن تعطى لأي "شريك" سياسي في زعامة "مسد"، ومن الممكن بدل ذلك الاستفادة من الدعم التركي للمعارضة السورية، ووقوف تركيا في وجه مخططات "ب ي د" الانفصالية، ومنعها قوات النظام وحلفائه الروس من اجتياح مناطق شمال سوريا.

الأسوأ من كل هذا أن قسد غير قابلة للشراكة مع العرب أبناء المنطقة، فقسد تسمح لهم فقط بهامش أن يكونوا موظفين لديها في الإدارة المدنية، ومجنّدين مرتزقة مأجورين في ميلشياتها المسلحة.

"الحجّ نحو قسد" كما يجري تصويره بذريعة عودة الديمقراطيين، وبالتالي صعود أسهم "قسد" سيظهر زيفه قريباً، الأمور أعقد من ذلك بكثير.

مركز الجسر للدراسات