الأثنين 2020/07/06

صحيفة: روسيا تريد “إدارة ذاتية” في الجنوب السوري لهذا الغرض

باتت سوريا في حالة «ستاتيكو» أو ما يعرف بقانون الإبقاء على الوضع الراهن في بقعة جغرافية ما على ما هو عليه، في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية كي تُحسم الأمور والصفقة التي يمكن تركيبها بين الأطراف الفاعلة في الميدان.

وإلى حين تحقيق ذلك فإن قانون قيصر الأميركي ضد النظام وداعميه الروس والايرانيين بدأ يحرك بعض المياه الراكدة في محاولة للالتفاف على القانون وتأثيراته من جهة، ولدفع العملية السياسية من جهة أخرى مع تثبيت كل طرف لقواعده ونقاط قوته في أي جولة تفاوض مقبلة.

وقالت مصادر مطلعة لصحيفة "القبس" إن روسيا تضع ثقلها لإيجاد حل يناسبها ويضمن مصالحها قبل نهاية العام، وقبل وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض، كونها حتى الآن الخاسر الأكبر اقتصادياً، وتريد أن تضمن عائد استثمارها في الحرب السورية.

تتجه الأنظار إلى الخطط الروسية على ضوء المستجدات الأخيرة، وكشف مصدر سوري معارض لـ "القبس" أن موسكو تحاول الالتفاف على عقوبات قيصر من بوابة الجنوب السوري، فقانون قيصر يضر بروسيا بشكل كبير، لذلك عملت مؤخراً على استراتيجية متعددة الأهداف تضمن لها ورقة تفاوض رابحة، فقد فتحت على المنطقة الجنوبية التي تتكون من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، لتثبيت نفوذها العسكري هناك وتخلق «منطقة استراتيجية خالصة» لها، كون المناطق الأخرى تقع اما تحت سيطرة الأميركيين و"قوات سوريا الديموقراطية" أو تحت سيطرة الأتراك و"بعض الجماعات المتطرفة"، وإما تحت سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية.

وفي هذا السياق يرى الكاتب السياسي "خضر الغضبان" في حديث مع "القبس" أن الروس الذين وصلوا إلى المياه الدافئة منذ عقود من خلال قاعدتهم في طرطوس، يريدون الآن تعزيز تواجدهم بعد أن أصبحوا يسيطرون على عدد من القواعد والنقاط الاستراتيجية في سوريا، والرئيس فلاديمير بوتين، الذي حقق مكتسبات جيوستراتيجية جراء التدخل العسكري في سوريا ودول أخرى بالمنطقة وأعاد نفوذ روسيا إلى المعادلة الدولية والشرق أوسطية، بات مدركاً أن كل هذه الانتصارات يجب أن تترجم في مكان إلى مكاسب وامتيازات لبلاده. فالأميركيون ومن خلفهم الأوروبيون لن يعطوه ما يريد في السياسة وإعادة الإعمار إلا ضمن تفاهمات تفضي إلى تسويات كبيرة في عدد من الملفات الساخنة.

وتتنافس ثلاث قوى على الجنوب، والإيراني حتى اللحظة هو الأقوى على الأرض مع "حزب الله" في مناطق استراتيجية مطلة على الجولان، وهناك روسيا وإسرائيل، والروس لم يستطيعوا حتى اليوم إبعاد الإيرانيين كما يجب وكما تطلب تل أبيب. وقد استطاعت روسيا الدخول إلى الجنوب السوري من بوابة "المصالحات"، و"الفيلق الخامس" الذي عززته بعناصر وضباط سابقين من الجيش الحر بعد وساطة من القيادي السابق في الجيش الحر "أحمد العودة" وهو صهر رجل الأعمال السوري "خالد المحاميد"، الذي كان نائباً لرئيس "هيئة التفاوض السورية"، قبل أن يستقيل منها عام 2018.

لماذا الجنوب؟

الروس والأميركيين يختلفون على جميع الملفات تقريباً إلا على أمن إسرائيل، والروسي يحاول الاستفادة من هذا الأمر وأيضاً من المصالحات والفيلق الخامس ليخلق منطقة تحت سيطرته يكسب من خلالها شخصيات معارضة وازنة، ويُظهر المنطقة على أنها خارج سلطة الأسد، وتحت قيادة معارضة معتدلة، وفي حال نجح فإنه سيعاود التفاوض على "حل سلمي" من بوابة الجنوب.

تظاهرات شكلية:

إلى ذلك، يرى مصدر سوري معارض أن التظاهرات التي خرجت مؤخراً في درعا شكلية وضد الإيراني حصراً، وهو ما برز في كلام قائد الفيلق الخامس أحمد العودة خلال تشييع قتلى للفيلق، عندما أعلن عن تأسيس "جيش حوران" قائلاً إن «الهدف من تأسيس جيش حوران هو محاربة إيران، وأن حوران ستكون قريباً تحت جيش واحد، وأن مهمته ليست لحماية حوران فحسب، بل ليكون الأداة الأقوى لحماية سوريا».

ويتماشى التوجّه الروسي الجديد أيضاً مع وثيقة "عهد حوران" التي طرحت قبل أعوام من قبل محامين وأكاديميين وناشطين من درعا، وقيل إن لخالد المحاميد وهيثم مناع علاقة بها. لكنها لم تسلك طريق التطبيق بسبب الرفض الواسع لها من قبل المعارضة، حيث إنه تحدث عن حكم ذاتي وإدارة محلية رأت فيها المعارضة نوعاً من إعلان الفدرالية والتقسيم فتم سحبها، ولكنها عادت اليوم بدعم روسي.

 

وبحسب المصدر ، فإن الروسي يقول إنه «للتخفيف من تداعيات عقوبات قيصر نأتي إلى الجنوب ونعلنه منطقة خالية من النظام ونبعد عنه الفرقة الرابعة ونطلب إزالة حواجزها ونقوي الفيلق الخامس ونبني نموذجاً من الحكم الذاتي خارج سلطة الأسد".

ولفت المصدر إلى أن الخلافات بين الفرقة الرابعة والفيلق الخامس، رغم تكرارها، يتم احتواؤها بطلب من  "بشار الأسد"، ما يعطي دفعاً قوياً للفيلق الخامس. ويضع المصدر المعارض لقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع الرئيس الأسبق للائتلاف "معاذ الخطيب" مؤخراً، في خانة محاولة إقناع الخطيب بفكرة تشكيل حكومة يكون صلبها المعارضة المعتدلة لإدارة هذه المنطقة كي لا تشملها العقوبات الأميركية.

ويلفت المصدر إلى أن الخطيب ليس الوحيد الذي اجتمع إليه بوغدانوف بل إن الأخير عقد لقاءات سرية مع 10 شخصيات معارضة وتم التركيز على آفاق التسوية السياسية وفقاً لقرار مجلس الأمن.

ورغم أن الخطيب ميال إلى الحل الروسي، فإنه من المبكر الحكم على ما يجري من تحضيرات روسية للالتفاف على "قيصر"، والتي يدخل ضمنها قراران متناقضان وغريبان للأسد، فهو كان قد أصدر قراراً بمصادرة أملاك السوريين المعارضين، وعاد ليصدر قراراً آخر يرد أملاك أبناء درعا، كما إنه عمد مؤخراً لإصدار "عفو خاص" أطلق بموجبه معتقلين من درعا كانوا في أسوأ سجونه سمعة بينها صيدنايا وعدرا.

كل هذه الأمور توصل إلى نتيجة أن النظام بات يتعاطى بمرونة أكبر مع الطروحات الجديدة، ولا سيما التي تأتي من جانب الروس، فالتظاهرات خرجت في درعا لتهتف ضد إيران و"حزب الله" بحماية روسية. وهذا الأمر يفتح للروس باب التفاوض مع الأميركيين، ولا سيما أن قانون قيصر الذي أقره الكونغرس يضع استثناءات من العقوبات يقررها الرئيس الأميركي لفترة محدودة وفي ضوء ظروف معينة ترتبط بالأمن القومي الأميركي.

من جهة أخرى، فإن موسكو تضمن سلاسة تدفق المساعدات الدولية، التي هي غير خاضعة للعقوبات، عبر المعابر الشرعية في الجنوب مثل نصيب والقنيطرة وغيرها من خلال تحييد هذه المنطقة عن العقوبات.

وكذلك الأمر في السويداء، التي لها روابط تاريخية مع درعا ضمن معادلة "السهل والجبل"، فهناك تراكمات أدت إلى خروج التظاهرات الأخيرة في السويداء التي دعت إلى طرد إيران و"حزب الله" وإسقاط النظام. فقد نجحت المحافظة طيلة سنوات الحرب ورغم الضغط الذي مارسه النظام، بعدم التورط في الدم السوري، ولا سيما مع أبناء درعا، وقد دفعت ثمن ذلك حصاراً اقتصادياً وأحداثاً أمنية بعد تسهيل النظام دخول "تنظيم الدولة" إلى البادية الشرقية للسويداء وشنه هجمات على السكان، ثم خلقه عصابات خطف قامت بخطف أفراد من درعا مقابل فدية.

 

النظام شكلي:

ويرى الكاتب السياسي خضر الغضبان أن نظام الاسد بات "شكلياً" وواجهة تتحكم فيها روسيا وإيران، والروسي الذي قال منذ البداية إنه غير متمسك بشخص الأسد، بدأ بالحديث مؤخراً عن التأكيد على عدم تمسكه به، وإذا أتت تسوية وفق مبدأ «الحل السياسي مقابل إعادة الإعمار» فإن الروسي قد يفاوض على هذا الأمر، فهو حتى الآن يتمسك بالأسد فقط كواجهة يستمد منها شرعية تواجده في سوريا، غير أنه يدرك أن أي تسوية للأزمة مرتبطة بالحل السياسي وفق مسار جنيف والقرار الأممي والبحث في ملف إعادة الإعمار، وفي هذا السياق يأتي كلام  بوتين الأربعاء في القمة الافتراضية مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني الذي يعيدنا إلى ما تريده أميركا وأوروبا عن أن الحل يأتي عبر مسار جنيف واللجنة الدستورية، فبوتين، وفق الغضبان، يتحكم في اللجنة الدستورية ويهمه في الدرجة الأولى أن يخرج بنظام جديد يتفهم مصالح بلاده ويحافظ عليها ويضمن لها الدور الأكبر في المفاصل العسكرية، وهذا تطور إيجابي، فقبل عامين كان بوتين لا يرى أحداً ويضع مسار أستانة بموازاة جنيف، أمّا اليوم فقد أزاح أستانة وبدأ بجنيف واضعاً «منتجه الخاص» المتمثل في اللجنة الدستورية تحت سقف جنيف والقرار 2254، وهذا شيء لافت في السياق الذي يعمل عليه كي لا يغضب الأميركيين ويثبت مقولة إن ما بعد قانون قيصر ليس كما قبله.

أمّا نجاح المسعى الروسي في الجنوب فيتوقف حسب الغضبان عند عدة عوامل أبرزها قدرة موسكو على جمع أكبر قدر من الشخصيات المعارضة حول هذا الطرح، وتأمين دعم عربي وإقليمي له، وكيفية التعاطي الأميركي معه، فالنجاح هنا هو على مستوى سياسي أي «من يشارك، من يدعم ومن يغطي».