الأحد 2019/09/08

سورية ستسمم النظام الإقليمي لسنوات قادمة

مقال لمجلة الايكونومست البريطانية

ترجمة: نورس للدراسات


بشار الأسد على وشك استعادة محافظة ادلب المعقل الأخير للثوار، لكن هذا لن ينهي الفوضى التي أثارها في الداخل والخارج.

“الأسد أو نحرق البلد”، لسنوات كتبت قوات بشار الأسد هذه العبارة على جدران البلدات التي استولت عليها، وحشر الثوار الديكتاتور في الزاوية، لكن الأسد تجاهل تهديدات القادة الغربيين الفارغة، واعتمد على المعونة التي قدمتها روسيا وإيران. ووفق الشعار الذي رفعه دمّر مدناً بأكملها، وضرب شعبه بالغازات السامة وحاصرهم حتى ماتوا جوعاً. وما تبقى من الثوار باتوا محاصرين في إدلب، والتي بدورها على وشك السقوط. وهكذا ورغم غرابة هذا فقد انتصر الوحش.

ورغم ذلك فهو نصر أجوف، وبعيدا عن الادعاءات الروسية والإيرانية بأنه جلب الأمن الى البلد، فالأسد هجّر نصف السكان، ودمّرت الحرب المندلعة منذ ثماني سنوات اقتصاد البلد، وأدت لمقتل 500000 نسمة. وليس لدى الأسد شيء جيد يقدِّمه لشعبه، فبلده غارقة في اليأس والتقسيم، وعواقب الحرب ستمتد الى خارج الحدود.

لحظة النصر الفارقة للأسد ستكون في إدلب، حيث يعيش ثلاثة ملايين نسمة، والعديد منهم فروا من القتال في مناطق أخرى. وتسيطر على المنطقة نواة الثوار الأشداء والجهاديين المرتبطين بالقاعدة، وهؤلاء لن يذهبوا بسهولة. وهذا أيضاً من نتائج قسوة الاسد. فقد أطلق سراح مئات الجهاديين سنة 2011، على أمل أن يلوِّثوا الثورة السلمية التعددية وقتها. والآن النظام يقصفهم، ويقصف معهم المدنيين والمشافي، سيستغرق الهجوم وقتاً وسيكون دموياً.

وعندما يتوقف القتال، ستتواصل التوترات التي هددت النظام في الأصل، لكنها ستكون أكثر حدة. ولنبدأ بالدين، الأسد الأب حافظ أحد أفراد الأقلية العلوية، بقي في السلطة من خلال اللعب على وتر الأديان، أما الأسد الابن فقد صبغ أعداءه من السنة بصبغة الأصوليين كوسيلة لحشد المسيحيين والدروز والعلمانيين السوريين في صفه. وغادر ملايين السنة البلد مما أوجد حسب تعبير الأسد: “مجتمعاً أكثر صحة وتجانساً”، لكن الملايين بقوا، ورأوا بيوتهم تُنهب وممتلكاتهم تُصادر وأحيائهم السكنية يحتلها أنصار الأسد، وسيجعلهم الاستياء والخوف واليأس مصدراً لمعارضة النظام.

والظلم المنتشر سبب آخر، فقبل سنة 2011تسبب الفساد والفقر والتفاوت الطبقي، في اندلاع الثورة، وهذه الأشياء ازدادت سوءً، فالناتج المحلي السوري هو ثلث ما كان عليه قبل الحرب، وتقول الأمم المتحدة إن ثمانية من كل عشرة أشخاص تحت خط الفقر، ومعظم البلاد مدمرة، لكن خطة الحكومة لإعادة الأعمار تهدد بتمزيق البلاد أكثر. إعادة الإعمار ستكلف ما بين 250 الى 400 مليار دولار، لكن الأسد لا يملك المال ولا القوة البشرية لتنفيذها، لذا فقد ركّز موارده على المناطق التي بقيت موالية له، وهكذا فالأحياء السنية الفقير التي لم تُدمَّر يتم إعادة بناءها من أجل مؤيديه البرجوازيين، ويجني المقربون الأرباح، وفي نفس الوقت تتزايد الفوارق الطبقية والدينية.

وثمة أيضاً قسوة الأسد. فحافظ الأسد احتفظ بالسلطة من خلال القبضة الأمنية الوحشية وفي بعض الأحيان حملات وحشية اجرامية، أما ابنه وخوفا من فقدان السلطة فقد عذّب وقتل ما لا يقل عن 14000 شخصا في شبكة سجونه السرية المنتشرة، حسب شبكة حقوق الانسان السورية ( منظمة غير حكومية). وما يزال نحو 128000 سجيناَ تحت الخطر، ويمكن أن يكون العديد منهم قد قُتِلوا. وحتى مع اقتراب الحرب من نهايتها يتزايد تنفيذ الإعدامات، وتقريباً كل سوري فقد قريباً له في الحرب. ويتحدث الاطباء النفسيون بتشاؤم عن الانهيار النفسي في المجتمع.

وأخيرا ديون روسيا وإيران على الأسد. فهو مدين بانتصاره لداعميه بالقوة النارية والنصيحة والمال، وكذلك رغبتهم في مساندة شخص منبوذ، وهم سيتوقعون منه أن يدفع، من خلال الامتيازات.

ولذا فانتصار الأسد بالنسبة للسوريين دمار، لكن مؤيديه مرهقون أيضا، وعلى الرغم من ضعفه تمكن من التشبث بالسلطة لسنوات، وطالما أنه في السلطة، ستنتشر المأساة السورية في المنطقة.

لقد امسكت قوى خارجية بالفعل بخيوط الحرب، لكن الفوضى قد تنتشر، وتتعامل إيران مع سورية على أنها جبهة ثانية مع اسرائيل، لتكمِّل عمل حزبها ووكيلها في لبنان. وشنت اسرائيل مئات الغارات الجوية على مواقع إيرانية خلال الحرب، وواحدة منها كانت في شهر آب لمنع ايران وحزبها اللبناني من مهاجمة اسرائيل بطائرات مسيّرة، حسبما قال الجيش الاسرائيلي. وتركيا التي تملك قوات في الشمال، تهدد بشن هجوم على القوات الكردية، التي تعتبرها ارهابية، قرب حدودها، وهذا قد يؤدي الى مواجهة مع الولايات المتحدة، التي تدعم الأكراد والتي حاولت وتحاول تهدئة الأتراك.

اللاجئون سيهددون استقرار جيران سورية أيضاً. هؤلاء الذين فروا هرباً من الأسد لا يريدون العودة الى الوطن، وفي الواقع ستتزايد أعدادهم بسبب الهجوم على ادلب، وربما يبقون في المخيمات التي قد تصبح دائمة في وضع يشبه التيه اليهودي، ووضعهم في البلدان المضيفة غير مستقر بالأصل، حيث يتهمهم السكان المحليون بهدر الموارد وأخذ فرص العمل، وترسل تركيا بعض الدعم، حتى لأماكن مثل ادلب.

هذا قد يمتد الى العالم بأكمله، فهم مطرودون من بلادهم وغير مرغوبين في الخارج، مما قد يدفع بهم الى التشدد، وتكتيكات الأسد العنيفة جعلت قسما كبيرا من السكان يشعرون بالمرارة والنفور، وسجونه ستدفعهم الى أحضان التشدد، الذي يتمثل في تنظيمي القاعدة والدولة الاسلامية، اللتان تقول الحكومة الامريكية أنهما ازدهرتا في سورية. وفي شهر أيار ألقت الولايات المتحدة نحو 54 قنبلة وصاروخ على الجهاديين في العراق وسورية، وارتفع هذا العدد الى 100 في كل من شهري حزيران وتموز.

وبعد فشل الدول الغربية في إزاحة الديكتاتور في الأيام الأولى من الحرب، لا يمكن لهذه الدول عمل الكثير لتغيير الوضع السوري، ويعتقد بعض القادة الغربيون أنه الوقت المناسب لإعادة العلاقات مع الأسد، والمساهمة في إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين الى بلدهم، وهذا مضلل فاللاجئون لن يعودوا طواعية، وإعادة الإعمار لن تفيد سوى النظام وأمراء الحرب والأجانب الذين دعموه، وسيمكّن النظام من الدفع لإيران وروسيا.

بدلا من ذلك يجب على الغرب أن يعمل على تخفيف المعاناة السورية عبر تقديم مساعدات انسانية حقيقية والتهديد بعقاب النظام على أعماله الشنيعة، مثل استخدام السلاح الكيماوي، ويجب على الولايات المتحدة البقاء للجم انتشار القاعدة والدولة الاسلامية. لكن طالما يُسمح للأسد بحكم سورية على هذا النحو السيء، فمن الأفضل أن تُنفق الأموال لمساعدة دول الجوار, فالسوريون يعانون بشدة، ومع انتصار الأسد ستستمر مأساتهم.