الأثنين 2021/07/26

زيارة وزير الخارجية الصيني لدمشق .. الرسائل والأهداف

يأتي التوجه الصيني نحو دمشق، شكلا وتوقيتا، ليضيف بعدا آخر لمعادلات الصراع في منطقة الشرق الأوسط عموما، والساحة السورية على وجه الخصوص.

 

فقد وصل وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إلى العاصمة السورية دمشق في زيارة رسمية، عشية أداء رأس النظام بشار الأسد اليمين الدستورية، عقب انتخابات صورية، تمت مقاطعتها دوليا.

 

وسائل إعلام نظام الأسد أشارت إلى أن الأخير، ناقش خلال استقباله وزير الخارجية الصيني، رزمة من الملفات الاقتصادية والدبلوماسية المشتركة، وسبل تعزيز التعاون بين البلدين، والتوافق على الانطلاق نحو مرحلة جديدة في تعزيز العلاقات بين الجانبين، وفتح آفاق أوسع للتعاون الثنائي في كل المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين، بحسب بيان للخارجية .

 

وكانت الصين من بين عدد محدود من الدول التي هنأت بشار الأسد بعد "فوزه" في الانتخابات التي نظمها بمقاطعة أممية وغربية.

 

إذ قال الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في برقية التهنئة، إن بلاده ستقدم كل مساعدة ممكنة لسوريا في سبيل إنعاش اقتصادها، وتحسين الظروف المعيشية للسوريين، وكذلك في مكافحة جائحة كورونا.

 

وأضاف بينغ، "إنني أعلّق أهمية كبيرة على تطوير العلاقات الصينية- السورية، وأقف على أهبة الاستعداد للعمل مع الأسد لاستغلال الذكرى الـ65 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية الثنائية وتحقيق المزيد من النجاح".

 

وتعتبر الصين من أبرز الدول التي حافظت على علاقتها مع النظام ودعمته سياسيًا واقتصاديًا وماليًا منذ انطلاق الثورة السورية، إذ عرقلت منذ 2011 عدة قرارات تدينه في مجلس الأمن الدولي عبر استخدامها حق “النقض” (الفيتو)، إلى جانب روسيا.

 

مقابل ذلك اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين التابعة لنظام الأسد، في 27 يونيو/حزيران الماضي، أن الصين تتعرض "لهجوم سياسي" بعد اتهامات واجهتها بأنها "لم تكن شفافة تمامًا"، في التحقيق العالمي حول أصول فيروس "كورونا".

 

ورغم اختلاف الآراء والتحليلات حول أسباب ودوافع الدعم الصيني لنظام الأسد، وتوقيت زيارة الوفد الصيني برئاسة وزير الخارجية، الذي يعتبر من الشخصيات فوق الاعتيادية في التراتبية الدبلوماسية الصينية، عقب اللغط الحاصل جراء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، جميعها دلالات على أن الخطوة الصينية تحمل رسائل في اتجاهات متعددة.

 

** زيارة روتينية أم تحول في الاستراتيجية الصينية

 

فثمة ارهاصات ودلالات تشير إلى تحول جديد في تعاطي الصين في مواجهتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا بعد قلب الأخيرة طاولة أفغانستان على رؤوس دول المنطقة وفي مقدمتها الصين، لتعود الساحة الأفغانية مرة أخرى إلى ساحة صراع دولية، ومركزا للتجاذبات وتصفية الحسابات، ومصدر قلق واستنزاف للدول المحيطة، الصين بالدرجة الأولى ثم إيران.

 

إذا التوجه الصيني نحو منطقة الشرق الأوسط يتعدى مسألة تهنئة لبشار الأسد، ومصالح اقتصادية لا تشكل رقما حقيقيا في موازين الاقتصاد الصيني العملاق، إلى خطوة استراتيجية تعادل وتكافئ وتقابل قرار واشنطن بالانسحاب من أفغانستان.

 

** أهداف التحرك الصيني باتجاه منطقة الشرق الأوسط

 

ثمة أهداف استراتيجية عديدة تقف وراء التوجه الصيني نحو منطقة الشرق الأوسط، لعل أبرزها،

 

أولا، يجري الحديث عن إنشاء قاعدة عسكرية صينية في منطقة الساحل السوري، وهي خطوة استراتيجية غاية في الأهمية، ضمن حسابات رقعة الشطرنج في معادلة الصراع العالمية، حيث ستثبت بكين موطئ قدم لها في حوض البحر المتوسط، القريب جغرافيا من أوروبا، الحليف الرئيسي لأمريكا.

 

وبحسب تقرير لمعهد "نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة" الأمريكي، فقد سعت الصين إلى دمج نظام الأسد بمبادرة “الحزام والطريق”، وحاولت الاستفادة من احتياجات إعادة الإعمار الملحة في البلاد، لتأسيس موطئ قدم في سوريا، ولتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

 

ثانيا، هناك قلق صيني من "المجموعات الإرهابية" ذات الأصول التركستانية الموجودة في سوريا. وكانت الصين قد أرسلت إلى دمشق خبراء عسكريين لمتابعة نشاط هذه المجموعات.

 

وتشارك الصين روسيا في الخوف من مد الإسلام السني، وصحوة الشعوب الاسلامية في مناطق القوقاز وشرق آسيا، التي تقع تحت نفوذيهما.

 

ثالثا، بالرغم من الضمانات التي قدمتها حركة طالبان للصين بألا تتحول أفغانستان إلى مصدر قلق وعدم استقرار لدول المنطقة، إلا أن الصين تخشى من استخدام الغرب الأراضي الأفغانية، بؤرة لإشاعة الفوضى في الصين وعموم المنطقة، كما حدث في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي.

 

رابعا، قلق صيني من صعود تركيا كقوة إقليمية، لها أجندتها المستقلة، وثقل تركيا الاستراتيجي، وقدرتها على لعب دور نشط في مناطق القوقاز.

 

خامسا، سعت الصين منذ عام 2016، إلى خلق فرص لشركاتها من أجل إعادة الإعمار في سوريا، حسبما أكد مبعوثها الخاص إلى سوريا، شي شياو يان، حينها، موضحًا أن الصين “واثقة من أنها ستشكل جزءًا من عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب في سوريا”.

 

**الناتو يدين الأنشطة الإلكترونية الصينية التي تستهدف الأمن الأوروبي الأطلسي

 

بحسب وكالة الأناضول، فقد أدانت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأنشطة الإلكترونية التي تقوم بها الصين بهدف الإضرار بالأمن الأوروبي الأطلسي، وجاء في بيان للناتو "ندين النشاط السيبراني الخبيث الذي يهدف إلى زعزعة الأمن الأوروبي الأطلسي وإلحاق الضرر به وتعطيل الحياة اليومية لمواطنينا".

 

مع التأكيد على تصميم الناتو على ردع ومكافحة التهديدات السيبرانية.

 

وأضاف البيان: "جميع الدول، بما في ذلك الصين، مدعوة للالتزام بالالتزامات الدولية في مجال الفضاء الإلكتروني".

 

**الدور الصيني في سوريا

 

من المستبعد أن يكون للصين دور نشط في سوريا، سواء على الصعيد العسكري، بتقديم الدعم لنظام الأسد، أو الصعيد السياسي في الذهاب بعيدا في تبني الرؤية الروسية والتماهي معها، أو على الصعيد الاقتصادي من خلال استثمارات قد تحدث في سوريا خلال السنوات المقبلة.

 

وقد أوضح تقرير مجلة “THE DIPLOMAT“، أن العديد من العقبات والمخاطر ستواجه الشركات الصينية والاستثمار في سوريا، ويعد أبرزها أنه على الرغم من “قرب انتهاء الحرب" فلا يعني ذلك نهاية الصراع.

 

كما قد تكون العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على النظام سببًا لتجنب بعض المؤسسات المالية الصينية التورط باستثمارات في سوريا خشية من عقوبات قد تطالها.

 

وأضاف التقرير أن التنافس الإيراني والروسي على اقتصاد سوريا وكسب عقود إضافية مربحة للجانبين، واستغلال الأسد أي فرصة قد تكون متاحة له لدعم لعب شركائه مع بعضهم، قد يتسبب بإشكالية لدى الشركات الصينية إن انغمست بتلك الشراكات، وهو ما قد يفرض عليها التنقل بين المصالح السورية والروسية والإيرانية.

 

ومما سبق يتبين أن التحرك الصيني نحو سوريا ليس روتينيا اعتياديا، بل هو خطوة ونقطة تحول في الاستراتيجية الصينية في المواجهة مع الغرب، ويحمل في طياته رسائل لدول المنطقة.

 

لكن التحرك الصيني محفوف بمخاطر عدة، أبرزها موافقة الصين في مجلس الأمن على قرار 2254 الذي يشير إلى ضرورة الانتقال السياسي في سوريا، وهذا يعني عدم اعتراف المجتمع الدولي بشرعية نظام الأسد، وإلا لماذا اتخذ قرارا بالتغيير السياسي.

 

وبالتالي فإن بكين تكون قد ناقضت نفسها، فهي تتعهد بالانتقال السياسي في سوريا من جهة، وتبارك انتخاب بشار الأسد في الجهة المقابلة، مما يعتبر انتهاكا لقرار مجلس الأمن الذي شاركت الصين في إقراره.