الخميس 2022/01/27

روسيا ومناورات “الجو السوري”.. التوقيت “ليس صدفة” ورسالة “عابرة للحدود”

قبل يومين أقلعت ثلاث طائرات روسية من قاعدة حميميم واثنتان سوريتان تتبعان لنظام الأسد من مطارين عسكريين بريف محافظة دمشق ، وفي خطوة هي الأولى من نوعها أجرت "دورية جوية مشتركة" على طول مرتفعات الجولان وأجواء المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا.

 

وسرعان ما أثار ذلك العديد من التساؤلات، فيما انعكس الأمر على وسائل الإعلام الإسرائيلية، والتي أفردت بدورها مساحة إخبارية، استعرضت من خلالها عدة قراءات لأهداف هذه الدورية، والدلالات المرتبطة بها، معتبرة أنها "تحمل رسالة".

 

وبحسب بيان نشرته وزارة الدفاع الروسية فإن الدورية ستكرر في الأيام المقبلة "بشكل منتظم"، وقالت وفق وكالة "تاس" إن "الطيارين الروس والسوريين سيطروا من خلالها على الأجواء وقدموا غطاء مقاتلا، فيما مارست الأطقم الروسية هجمات على أهداف برية".

 

وتعتبر "حميميم" من كبرى وأبرز القواعد الروسية التي أنشأتها موسكو عقب تدخلها عسكريا لدعم النظام ورأسه بشار الأسد، منذ عام 2015.

 

وانطلاقا من هذه القاعدة، وعلى مدى السنوات السبع الماضية، نفذت الطائرات الحربية الروسية مئات، بل ربما الآلاف من الطلعات الجوية، مستهدفة بها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، شمالا وشرقا وجنوبا.

 

لكن ومنذ الدخول بالعام الجديد 2022 يبدو أن الصورة العسكرية العامة لـ"حميميم" قد تغيرت، حيث لم تعد ترتبط بالساحة السورية فقط والعمليات العسكرية التي دارت على رقعتها الجغرافية، لتتحول شيئا فشيئا إلى "نقطة ارتكاز وانطلاق" تتخطى الحدود، بحسب ما يقول مراقبون تحدثوا لموقع "الحرة".

 

وقبل أسبوع فقط من "الدورية الجوية الأولى" أعلن قائد القوات الجوية الروسية بعيدة المدى، سيرجي كوبيلاش أن القاذفات بعيدة المدى المتطورة التي نشرتها موسكو قبل أشهر في "حميميم"، من شأنها "تغطية البحر الأبيض المتوسط بأكمله".

 

وهذه القاذفات من طراز "Tu-22MZ"، وكانت قد هبطت لأول مرة في القاعدة في مايو 2021، ومن شأنها "أن توفر لموسكو القدرة على تنفيذ غارات في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا، خاصة في ليبيا"، بحسب تحليل سابق نشره موقع "ذا درايف".

 

ماذا قالت الصحافة الإسرائيلية؟

تشير معظم القراءات التي استعرضتها الصحافة الإسرائيلية، على مدار اليومين الماضيين، إلى أن "إسرائيل تبدي قلقا وتخوفا من الدورية، التي أعلنت عنها روسيا فجأة ودون مقدمات".

 

صحيفة "يديعوت أحرنوت" ذكرت، الثلاثاء، أن "إسرائيل" تخشى من أن تؤثر هذه الخطوة على هامش حرية النشاط العسكري الإسرائيلي في الساحة السورية.

 

وأضافت الصحيفة أن كبار القادة السياسيين والأمنيين يجدون صعوبة في فهم ما دفع موسكو إلى إجراء هذه المناورات الجوية، التي قد تؤثر على التنسيق الروسي الإسرائيلي بشأن سوريا.

 

واعتبرت "يديعوت أحرنوت" أن المناورات هي "رسالة تريد موسكو إرسالها إلى الأمريكيين عبر فتح جبهة أخرى معهم بالتزامن مع التوترات الأوكرانية، الهدف منها الضغط على إسرائيل للعمل ضد واشنطن".

 

من جانبها ذكرت صحيفة "يسرائيل هايوم" أن المناورات الروسية المشتركة هي "رسالة روسية إلى إسرائيل"، لإبلاغ الأخيرة بعدم رضا موسكو ونظام الأسد عن نشاطها العسكري في سوريا.

 

بينما أشار موقع "ديبكا" إلى أن موسكو لم تخطر "إسرائيل" أو سلاح الجو الإسرائيلي مسبقا بهذا التطور، من خلال الآلية المشتركة للدولتين لتنسيق الرحلات الجوية فوق سوريا.

 

واستعرض الموقع نقلا عن مصادر لم يسمها عدة أهداف قد تقف وراء الإعلان عن "الدورية"، بينها أن "موسكو تريد تقليص حرية عمل القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية في الأجواء السورية".

 

"ليست صدفة"

ويعتبر المحلل السياسي السوري المقيم في موسكو، بسام البني أن "المناورات التي تجريها موسكو في الأجواء السورية ليست من باب الصدفة"، ويقول: "يتم تكثيفها الآن لاستعراض العضلات الروسية أمام الغرب".

 

ولا يعتقد البني في حديثه لموقع "الحرة" أن تكون الرسالة الروسية موجهة لـ "إسرائيل" "بل لحلف الناتو"، مشيرا: "الدورية التي أعلن عنها تتزامن مع مناورات روسية مع الصين (بحرية وجوية)، ومناورات أخرى لموسكو في بحر الحرب الذي يتوسط شبه الجزيرة العربية والهندية، وأيضا مع المناورات المشتركة مع بيلاروسيا".

 

ويتابع المحلل السياسي: "هي رسالة عامة بأن روسيا جاهزة في كل الجبهات. سواء في البحر المتوسط أو غربا على الحدود البيلاروسية، وفي البحر الأسود وبحر العرب"، مؤكدا: "الموضوع الإسرائيلي الذي يدور الحديث عنه جانبي على رقعة الشطرنج العالمية، والتي يتم عليها تقاسم النفوذ الجيو استراتيجي للدول".

 

ومع حشد عشرات الآلاف من القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وانطلاق مناورات روسية الثلاثاء، وصل التوتر بين موسكو والغرب إلى أعلى مستوياته منذ الحرب الباردة، وهناك مخاوف فعلية من اندلاع صراع واسع النطاق في أوروبا الشرقية.

 

وكانت معظم مناطق البحر الأبيض المتوسط والمجال الجوي فوقه قد أغلقت، في الساعات الماضية لإجراء مناورات حلف الناتو واسعة النطاق "نبتون سترايك – 2022".

 

وبدأ حلف الناتو المناورات بمشاركة مجموعة حاملة طائرات أمريكية ضاربة، إلى جانب قوات من الحلفاء الآخرين، بينما صرح به المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي أنه كان من المقرر أن تجرى منذ عام 2020، مؤكدا أنها لا تهدف إلى "اختبار أي سيناريوهات محتملة مرتبطة بأوكرانيا".

 

"إشارة سلبية"

في غضون ذلك يقول المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن إن "دورية موسكو الجوية على مرتفعات الجولان بكل تأكيد إشارة سلبية جدا بالنسبة لإسرائيل، والتي تفضل ألا يكون هناك خط التماس مباشر بينها وبين روسيا".

 

ويرى شتيرن في حديث لموقع "الحرة" أن التغيير في السياسة الروسية قد يؤثر بشكل مباشر على حرية العمل العسكري الإسرائيلي جوا وبرا، ويحد من قدرة "إسرائيل" على استهداف المواقع الإيرانية أو الأخرى على الأراضي السورية، كما عملت في السنوات الأخيرة.

 

وحتى هذه اللحظة ليس هناك أي مسؤول إسرائيلي تطرق إلى هذا "التطور الخطير"، بحسب وصف المحلل السياسي.

 

ويشير: "لكن مثل ما يعرف عن روسيا واعتباراتها لا يمكننا أن نفصل بين هذا التطور تجاه اسرائيل وبين التوتر الشديد في أوروبا".

 

وبمثل هذه الأوقات فإن خطوة روسية كهذه "تمثل رسالة أبعد من قادة الجيش الإسرائيلي والحكومة الاسرائيلية عبورا إلى أوروبا، ووصولا إلى واشنطن".

 

ويتابع شتيرن: "كأن روسيا تهدد بأن تغيير قواعد اللعبة تجاهها من قبل الناتو قد يؤدي إلى تغيير سياستها تجاه حلفاء الناتو في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم إسرائيل".

 

لكن المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر يذهب بعيدا عن ذلك.

 

واعتبر الشاعر في حديث لموقع "الحرة" أن إجراء الدورية يصب في إطار "التقاليد العسكرية المتعارف عليها"، موضحا ذلك بالقول: "عندما تتواجد قوات عسكرية على أراضي دولة أخرى بشكل رسمي تنفذ مهام معينة في مساعدة هذه الدولة، من خلال المناورات التدريبية".

 

وتحدث الشاعر عما وصفه بـ"حملات إعلامية ضد روسيا تشنها أمريكا والغرب"، مضيفا: "الإعلان الخاص بالدفاع الروسية هو فقط من أجل ضمان أمن لهذه التحليقات، وعدم إعطاء أي مجال لإسرائيل للقيام بأعمال عدائية والتعدي على السيادة السورية".

 

وزاد: "أي نشاط عسكري لروسيا يتم تضخيمه ويلقى اهتمام كبير بالنسبة لوسائل الإعلام، كما يحصل الآن بالنسبة للتحليق المشترك بين سوريا وروسيا بالقرب من الحدود الإسرائيلية". 

 

"إسرائيل تنتظر"

وكانت روسيا و"إسرائيل" قد أنشأتا خطا عسكريا ساخنا، لتنسيق عمليات القوات الجوية فوق سوريا وتجنب الاشتباكات، منذ عام 2018.

 

وفي عام 2018 تم اختبار العلاقات الروسية الإسرائيلية من خلال إسقاط طائرة حربية روسية من قبل دفاعات نظام الأسد، وذلك عن طريق الخطأ، في أثناء الرد على طائرات حربية إسرائيلية كانت تُغير قرب الساحل السوري.

 

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، في شهر أكتوبر 2021، بينها "يسرائيل هيوم"، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت، اتفقا في نهاية زيارة الأخير إلى موسكو "على استمرار سياسة حرية العمل الإسرائيلية القائمة في سوريا".

 

وأضافت الصحيفة: "تلخص النقاش بنموذج الاستمرار في العلاقة إلى مستوى جديد".

 

وذلك ما يؤكده المحلل الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، بقوله إن "زيارة بينيت لبوتين في سوتشي مؤخرا كانت ناجحة. الروس غير راضين عن التدخل العسكري الإيراني داخل سوريا، وهناك مصالح مشتركة".

 

لكن ورغم ذلك يرى بن مناحيم في حديث لموقع "الحرة" أن الدورية التي نفذت في أجواء الجولان "هي الأولى من نوعها، ولم يسبق وأن تم الكشف عنها منذ سنوات طويلة".

 

ويوضح المحلل الإسرائيلي أن "المنظومة الأمنية في "إسرائيل" لم تعلم حتى الآن ما هو السبب وراء التغير في السياسة الروسية. هل هذا يتعلق بالتوتر حول أوكرانيا؟ أم هو تغير فقط باتجاه إسرائيل وتأييدا للنظام السوري؟ هناك علامات استفهام كثيرة لدى إسرائيل".

 

ويستبعد بن مناحيم أن يؤثر هذا الإجراء الروسي على حرية الضربات الإسرائيلية في سوريا، مشيرا إلى أن "غالبية الضربات تتم من الأجواء اللبنانية كما حصل مؤخرا بالنسبة لميناء اللاذقية. إسرائيل لديها قدرة لضرب الأهداف الإيرانية من بعيد، دون أن يكون هناك أي احتكاك مع الطائرات الروسية".