الخميس 2022/02/03

رفع الدعم.. مشروع قديم أحياه النظام بـ”ذرائع” معلنة وأسباب أخرى

لم يكن يتوقع مروان الشامي، أحد أبناء مدينة دمشق، أن يتبلور قرار رفع الدعم عن شرائح من المجتمع السوري جدياً، في هذه المرحلة المعيشية “الكارثية” التي تمر على معظم السوريين في مناطق سيطرة النظام، حسبما يقول، واصفاً رفع الدعم بأنه “صدمة” تلقاها الآلاف يوم الثلاثاء، دون مبررات “منطقية”.

 

مروان (52 عاماً) هو وأفراد أسرته تم استبعادهم من الدعم، بموجب قرار اتخذته حكومة النظام، رفعت خلاله الدعم الحكومي للمواد الأساسية (الخبز- البنزين- الغاز- المازوت- المواد التموينية… )، تحت ذرائع “الوصول للشرائح الأكثر هشاشة”، ما أحدث ضجة واستياء في الشارع السوري.

 

أسعار مضاعفة

يقول مروان (اسم مستعار) لـ”السورية نت”، إنه استُبعد من الدعم بسبب امتلاكه سيارة من نوع “كيا سيراتو” موديل 2009 ومحركها سعته 1600 CC، مشيراً إلى أن هذا السبب الوحيد الذي ظهر له على موقع “وين” الذي خصصته الحكومة لشؤون المواد والشرائح المدعومة.

 

واعتبر الرجل الخمسيني أن السبب “غير مقنع”، خاصة أنه موظف “براتب قليل، ولديَّ ثلاثة أبناء أنا المعيل الوحيد لهم”، مشيراً إلى أنه حين اشترى السيارة عام 2010 كان وضعه المادي أفضل من الآن بكثير.

 

وأضاف: “رفع الدعم يجب أن يستند إلى مقدار دخل الفرد وليس ما يملكه هذا الفرد، وإن كان القرار سيشمل مالكي السيارات فيجب أن تكون السيارات من النوع الفاره والفخم وليس المتوسط”.

 

ولفت إلى أن سعر سيارته انخفض بعد ساعات من صدور القرار بمقدار 10 ملايين ليرة سورية، فيما ارتفع سعر السيارات ذات الموديل الأقدم والتي يقل محركها عن 1600 CC.

 

وبموجب رفع الدعم، يتعين على مروان وغيره من المستبعدين شراء ربطة الخبز بسعر 1300 ليرة سورية بدل 200 ليرة، وليتر المازوت بـ 1700 ليرة بدل 700، وليتر البنزين بـ 2500 ليرة بدل 750، وجرة الغاز المنزلي بـ 30 ألف و600 ليرة بدل 10 آلاف، حسبما أوضح.

 

مضيفاً: “أصبحت الآن أفكر جدياً بالهجرة من البلد لأن الوضع يتحول من سيء إلى أسوأ ولم نعد قادرين على توفير أدنى مقومات الحياة”.

 

ما وراء رفع الدعم

مروان الشامي هو واحدٌ من بين 600 ألف آخرين، قالت حكومة النظام إنها رفعت الدعم عنهم في “المرحلة الأولى“، بمعنى أن هناك مراحل قادمة سيُرفع الدعم فيها عن مئات آلاف المواطنين الآخرين.

 

لكن ووفق ما رصده فريق “السورية.نت” من خلال مصادره في دمشق وحلب واللاذقية، وأيضاً من خلال استطلاعات رأي نشرتها وسائل إعلام تعمل في هذه المحافظات، فإن أعداد من رُفع الدعم عنهم يتجاوز غالباً الرقم الذي أعلنته حكومة النظام، وهو 596 ألف بطاقة ذكية.

 

يوضح الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، أن قرار رفع الدعم عن شرائح من المجتمع السوري طُرح للمرة الأولى عام 2008، حين كانت حكومة النظام تعاني من أزمة اقتصادية، إلا أن دراسة المشروع توقفت مع اندلاع الثورة السورية عام 2011.

 

وأعيد “طرح المشروع عام 2020 باعتباره أحد شروط صندوق النقد الدولي للمشاركة في إعادة الإعمار، إذ يشترط صندوق النقد تحرير الاقتصاد عبر رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية، وهذا ما حدث مؤخراً في لبنان أيضاً” رغم اختلاف الوضع والمسببات بين البلدين.

 

ويشير الكريم في حديثه لفريق “السورية نت”، أن “أحد أهداف النظام من رفع الدعم هو تخفيف الأعباء عن الموازنة وإطلاق إعادة الإعمار، إذ تقدر الموازنة حالياً بـ 13.3 ترليون ليرة سورية، حسب سعر صرف الدولار لليوم، وجزء كبير منها يخصص لدعم الخبز والمازوت والبنزين والغاز والمواد التموينية”.

 

وأضاف: “بالتالي تسعى الحكومة إلى تخفيف الأعباء وتقليل ضخ الأموال من الموازنة، لمحاولة السيطرة على التضخم عبر تحرير أسعار السلع”.

 

واعتبر الكريم أن الأزمة الروسية- الأوكرانية انعكست سلباً على أسعار القمح، التي شهدت ارتفاعاً عالمياً، ما شكل عبئاً إضاقياً على مؤسسات حكومة النظام، وحدّ من قدرتها على القيام بواجباتها بدعم مادة الخبز، حسب تعبيره.

 

ورأى الباحث الاقتصادي أن القرار سيتم تنفيذه دون تراجع، وهو أمر “بالغ الخطورة”، لأنه “سيسمح لأمراء الحرب بتحقيق المزيد من المكاسب”.

 

مضيفاً: “سيتم تسهيل عمليات الحوالة المالية من الدولار لليرة السورية، وستنشط حملات التبرع الأهلية والدولية لدعم المحتاجين، وبالتالي سيحصل أمراء الحرب على المزيد من الأرباح، والدولار الذي يحتاجونه، وستصبح الدولة حارسة للأثرياء”.

 

من يشمل القرار؟

وأعلنت حكومة النظام قبل يومين عن الشرائح والفئات المستبعدة من الدعم الحكومي للمواد الأساسية (الخبز- البنزين- الغاز- المازوت- المواد التموينية… )، وشملت أكثر من 600 ألف بطاقة ذكية، تحت ذرائع “الوصول للشرائح الأكثر هشاشة”، بحيث يتعين على المستبعدين دفع ثمن تلك المواد بالسعر الحر.

 

وتشمل الفئات المستبعدة: الأسر التي تملك أكثر من سيارة، مالكو السيارات السياحية التي سعة محركها فوق 1500 cc موديل 2008 وما فوق، مالكو أكثر من منزل في نفس المحافظة، مالكو العقارات في المناطق الأغلى سعراً، المغتربون الذين مضى على مغادرتهم البلد أكثر من عام.

 

كما يشمل القرار الحاصلين على بطاقة “الفيميه” وأصحاب الاستثمارات السياحية، وأصحاب ومؤسسي المصارف الخاصة، وأصحاب شركات الصرافة، وأصحاب الجامعات الخاصة وأصحاب المدارس والروضات الخاصة، وأصحاب محطات التزود بالوقود، وأصحاب الأفران الخاصة وأصحاب مدارس تعليم قيادة المركبات.

 

ورصد الكثير من المواطنين استبعاد بطاقتهم الذكية من الدعم، الثلاثاء، بعد التحقق من ذلك عبر تطبيق “وين”، لكن تم اكتشاف أخطاء عدة في قاعدة البيانات، واستبعاد أشخاص من الدعم لأسباب غير صحيحة.

 

ولاقى قرار حكومة النظام باستبعاد فئات من الدعم، استياء وسخرية من قبل مواطنين، إذ اعتبر البعض أن أسباب الاستبعاد “غير منطقية” كون معظم شرائح المجتمع السوري تعاني من ظروف معيشية سيئة بسبب غلاء الأسعار وضعف الدخل الشهري للأفراد.