السبت 2021/07/24

“دوما تحت الأرض”.. توثيق الخوف بانتظار الموت

في خضم أحداث الثورة السورية اختار المصور السوري الشاب تيم السيوفي الكاميرا لإيصال رسائله، لاعتقاده أنها الوسيلة الأمثل في نقل معاناة الشعب السوري وآلامه، وسط الحصار والتجويع الذي فرضه النظام السوري على الأهالي في غوطة دمشق، إبان سيطرة المعارضة السورية على تلك المنطقة القريبة من العاصمة.

 

ونجح المصور الشاب -ابن مدينة دوما- في صناعة فيلم يحبس الأنفاس ويلخص محنة السوريين القابعين في ملاجئ تحت الأرض، هربا من حمم الصواريخ والبراميل المتفجرة التي كانت طائرات النظام السوري تلقيها عشوائيا على المدينة التي وصفت بأنها عروس الغوطة.

 

وحصد الفيلم -الذي صور على مدار عدة أشهر- عددا كبيرا من الجوائز كان آخرها جائزة "القمر الذهبي" للأفلام الوثائقية ضمن مهرجان "القمر السابع" الفرنسي نهاية يونيو/حزيران الماضي، وقبلها نال الفيلم جائزة "منظمة العفو الدولية" في مهرجان "أندي ليزبوا" البرتغالي.

 

واستطاع كذلك نيل جائزة الفيلم القصير في مهرجان "البحر المتوسط من خلال الصور" في مرسيليا، وجائزة "أفضل فيلم وثائقي قصير".

 

وعلى مدار 12 دقيقة، استطاع السيوفي في فيلمه "دوما تحت الأرض" رصد الوجوه الصفراء المتعبة للمدنيين في تلك الملاجئ، بعيدا -ربما- عن مشاهد الدم والأشلاء، هذه الدقائق توثق الخوف ولحظات ما قبل الموت، وتحمل أثرا كبيرا في قلوب المشاهدين الذين وضعهم مصور الفيلم في مشاهد استثنائية لمشاركة السوريين المذعورين عذاباتهم بوقت قصير مختصر، لكنه طويل جدا على سكان المدينة المنكوبة، إذ استمر لسنوات من عمر الحراك في سوريا.

 

ولا يمتلك السيوفي أي امتيازات عن أبطال الفيلم، فهو مثلهم في قلب الحصار والملاجئ حيث الحصول على الكهرباء والطعام الطازج يعد امتيازا كبيرا لا يناله المحاصَرون، لكن الاختلاف الوحيد والأبرز أن الشاب يحاول أن يوصل ما يراه بالعدسة بدلا من الكلمات، فهنا في الحصار والملجأ لا يوجد بطل للفيلم بل إن الجميع أبطال حقيقيون لا دراميون أو ممثلون، كما يصفهم السيوفي.

 

ورغم ذلك، فإن القدر والمشيئة الإلهية تختار لشخصيات الفيلم نهاية مؤلمة بالموت بالقذائف والصواريخ، ولا يملكون فرصة التوصية أو الوداع، ولعل أكثر الشخصيات التي تركت أثرا في سياق الفيلم، هو الأب الذي خرج متأثرا ببكاء ابنته الصغيرة باحثا عن علبة من البسكويت، لكن قذيفة من النظام أودت بحياته ومنعته من العودة إلى الملجأ وتلبية رغبة ابنته.

 

نهاية الفيلم لم تكن أقل تأثيرا أو ألما عن بقية مشاهده، فالختام كان بمقتل الطفل عمران الذي كان داخل أحد الأقبية المظلمة -التي يخبر منها مصور الفيلم أن القصف يشتد على المدينة وأصوات الطائرات تبدو أقرب- قبل أن يلفظ أنفاسه إثر أحد الصواريخ التي أطلقتها طائرات النظام السوري على المحاصرين.

 

يعتقد تيم السيوفي أنه حقق نجاحات عدة من حصد الفيلم جوائز عالمية وإطلاع العالم على حقيقة ما كان يجري في سوريا، وفي دوما تحديدا، فذلك هو الهدف من عمله في التصوير، حسبما يقول.

 

لكن السيوفي -رغم ذلك- يخبر عن حالة من اليأس والحزن المشوب بالألم، فرغم الجوائز ووصول الرسالة فإن الموتى لن يعودوا للحياة، ولا هو استطاع أن يمنع عنهم قدرهم، وها هي مدينته التي هجر منها قسرا أصبحت تحت سيطرة النظام الذي اختار أن تكون مركزا انتخابيا لرئيسه، بشار الأسد، في مكان شهد مقتل العشرات من أهالي المدينة.

 

ويعكف السيوفي على العمل والمضي قدما لأجل صناعة فيلم طويل عن مدينته دوما، مستفيدا من أرشيفه الغني الذي حمله معه إبان التهجير القسري الذي فرضه النظام على سكان المدينة عام 2018.

 

يشار إلى أن فيلم "دوما تحت الأرض" من إنتاج مؤسسة بدايات، ومن إخراج وتصوير تيم السيوفي، ومونتاج قتيبة برهمجي.