الجمعة 2021/05/14

حلب: إيران تتغلغل في نسيج المدينة..عبر قنصليتها الجديدة

 

يبدو أن إيران تتجه نحو استبدال أدواتها في التغلغل وتثبيت وجودها وسط البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السورية وإضفاء الطابع الرسمي على مختلف أنشطتها وتحركاتها في مناطق سيطرة النظام ، وذلك على حساب التواجد والظهور العسكري والأمني الذي كان طاغياً وما يزال خلال السنوات العشر الماضية.

 

من دمشق، أعلن وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف أنه سيفتتح قنصلية لبلاده في مدينة حلب شمالي سوريا، وذلك بموافقة رئيس النظام بشار الأسد. ونقلت وكالة أنباء "إرنا" الإيرانية الرسمية عن ظريف قوله: "سنفتتح القنصلية الإيرانية في مدينة حلب، وآمل أن تثمر هذه الخطوة عن تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية بين البلدين". وربط ظريف بين افتتاح القنصلية ومراقبة الانتخابات الرئاسية.

 

وتأتي تصريحات ظريف خلال زيارته المفاجئة إلى دمشق في 12 أيار/مايو، والتي التقى خلالها بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، لبحث الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 26 أيار/مايو، إلى جانب بحث التطورات على الساحة الفلسطينية.

 

ولم يصدر عن النظام أي تعليق رسمي بخصوص القنصلية التي أعلن ظريف عن افتتاحها في حلب، ولم تذكر المواقع الإعلامية الموالية للنظام في حلب أي معلومات حول القنصلية الإيرانية الجديدة، موقعها وهل تمّ افتتاحها بالفعل.

 

وقالت مصادر محلية متطابقة في حلب لموقع "المدن"، إن "مبنى القنصلية الإيرانية يقع على أطراف حي الزبدية القريب من حي الإذاعة وجامع المشهد (النقطة) وسط المدينة، وتقع القنصلية بالقرب من مغسل سيارات مشهور في الحي، وقد بدأت عمليات بنائها منذ بداية العام 2021، وهذه المنطقة كانت تحت سيطرة المعارضة السورية في الفترة بين عامي 2012 و2016".

 

ويعود الحديث عن افتتاح قنصلية إيرانية في حلب للعام 2018، أي بعد عام واحد من سيطرة النظام على كامل الأحياء الشرقية في حلب وخروج المعارضة منها، وكان ذلك خلال زيارة وفد اقتصادي إيراني لحلب برئاسة حسن دنائي مستشار النائب الاول لرئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، ورئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية الايرانية مع سوريا.

 

والتقى المستشار الإيراني حينها برئيس غرفة تجارة حلب محمد مجد الدين الذي طالب بإيجاد آلية تعاون تتيح للبلدين إمكانية تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وتحديد رؤى تكاملية تعزز تواجد الجمهورية الإسلامية في الأسواق والاستفادة من الإمكانات المتوفرة في مجال صناعة الألبسة الداخلية والخارجية وللمشاركة بإعادة الإعمار، وخلال اللقاء علق عضو مجلس إدارة غرفة تجارة حلب سامي حلاق على أهمية افتتاح قنصلية إيرانية في حلب والتي سيكون لها دور في تعزيز التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية.

 

ويرى وزير المالية والاقتصاد في الحكومة المؤقتة عبد الحكيم المصري أن "افتتاح قنصلية إيرانية في حلب يعني بالضرورة بأن المدينة أصبحت تضم جالية إيرانية كبيرة، والجالية المفترضة عملت إيران على خلقها بجهد متواصل منذ تدخلها العسكري المباشر وعبر المليشيات إلى جانب النظام في حربه على الثورة السورية".

 

وأضاف المصري لموقع "المدن"، أنه "بالإمكان القول إن القنصلية الإيرانية ومجتمع الجالية الذي سيستفيد من خدماتها، يضم مجموعة المليشيات المحلية والأجنبية التي تبنت المشروع الإيراني وعملت على توسيع نفوذها وسلطتها في المجتمع المحلي في النواحي الاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية بإشراف مباشر من الحرس الثوري وعلى مدى عشر سنوات تقريباً، ويحمل الكثير من هؤلاء جنسية مزدوجة سورية وإيرانية في آن معاً".

 

وأشار إلى أن "افتتاح قنصلية إيرانية سيسهل على التجار الإيرانيين وغيرهم من حاملي جنسيتها والمقربين منها التغلغل في البنية الاقتصادية الحلبية باعتبارها العاصمة الاقتصادية لسوريا، كما سيختصر الكثير من الجهد والوقت من ناحية استصدار الوثائق والأوراق الرسمية وغيرها من المعاملات الروتينية الضرورية، بالإضافة إلى كون حلب صاحبة الثقل السكاني الكبير الذي يشكل سوقاً لتصريف البضائع الإيرانية، وكونها بعيدة عن الاستهداف الإسرائيلي، لذلك أصبح من المهم بالنسبة لإيران أن تضفي على وجودها في الشمال السوري الطابع الرسمي".

 

من جهته، يقول الباحث في العلوم السياسية محمد بقاعي لموقع "المدن"، إن "الاستراتيجية الإيرانية في سوريا قائمة على عدة عناصر، أهمها اختراق المدن الرئيسية والعمل على اختراق البنى المجتمعية ونسج علاقات مع جزء منها، وهذه الاستراتيجية لمسناها في دمشق وحلب ودير الزور".

 

ويضيف البقاعي أن "الحرس الثوري كان هو الذراع الأساسية لإيران في حلب لأن المقاربة كانت عسكرية وأمنية خلال السنوات الماضية، أما اليوم فالوضع اختلف، وأعتقد أن الإعلان الأخير حول افتتاح قنصلية في حلب يوضح بأن هناك عناصر جديدة في الاستراتيجية الإيرانية التي باتت تدرك بأن هناك توجهاً عاماً لإخراجها من سوريا لذلك بدأت تسعى إلى تثبيت وجودها من خلال استبدال الأدوات أو على الأقل خلق دوائر رسمية تدير من خلالها مجموعة المصالح".

 

وتابع: "أعتقد أن القنصلية الإيرانية في حلب ستتحول إلى شيء شبيه بالمركز الثقافي الإيراني في دير الزور وفي دمشق، ومن خلالها سيجري نسج علاقات أوسع وأكثر ثباتاً مع البنى الاقتصادية المحلية، بالإضافة لإدارة الأنشطة والسياسات الثقافية والدينية التي تعول عليها كثيراً لإنشاء مجتمع من الرعايا والحواضن الاجتماعية المعمرة في المدن السورية الكبيرة".