الأحد 2019/04/28

حرب الأسد على السوريين زادت من الأمية وتخوف من ضياع جيل كامل

تسببت حرب نظام بشار الأسد والمليشيات الحليفة له على السوريين خلال 8 سنوات، في تزايد ملحوظ في نسب "الأمية" بين الأطفال وفق آخر إحصائيات المنظمات الدولية، وهو ما ينذر بكارثة اجتماعية على جيل كامل.

وتوثق التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتخصصة، وجود قرابة مليونين و800 ألف طفل سوري، من أصل 8 ملايين طفل داخل سوريا، وفي دول اللجوء تركيا والأردن ولبنان والعراق ومصر، هم خارج العملية التعليمية.

تقارير صادمة

وأكدت منظمة الطفولة العالمية "يونيسيف" في آخر تقاريرها الصادر في يونيو الماضي، أن نحو مليونين و100 ألف طفل سوري، يعيشون خارج مقاعد الدراسة في سوريا، في حين وصل عدد المتسربين من الأطفال السوريين اللاجئين في دول الجوار إلى أكثر من 700 ألف طفل.

وبينت "اليونيسيف" أن الصعوبات الكبيرة التي يعاني منها الأطفال السوريون في دول الجوار؛ مثل لبنان وتركيا، تسببت في إبعادهم عن الدراسة؛ لاضطرارهم إلى العمل من أجل مساعدة ذويهم في تأمين لقمة العيش.

وأوضح تقريرها أن واقع الأطفال في سوريا، ورغم توقف المعارك والأعمال العسكرية في العديد من المحافظات، لم يكن بأحسن حالاً من واقع مواطنيهم في دول اللجوء، إذ أصبح البحث عن عمل مسعى الكثير من الأطفال السوريين في الداخل؛ بعد أن فقدوا أولياءهم، وأصبحوا يعيلون أسرهم.

تحسن ولكن

الطفل محمد (10 سنوات) يؤكد أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وترك المدرسة منذ أن كان في الصف الأول الابتدائي؛ بسبب نزوح أهله إلى منطقة لا يوجد فيها مدارس.

ويقول محمد في حديثه لـ"لخليج أونلاين": "أعمل الآن في ورشة لتصويج السيارات، مقابل أجر مادي زهيد؛ لأتعلم مهنة تعوضني عن الدراسة".

من جانبه، يوضح شادي (9 سنوات) أنه لم يدخل مدرسة في حياته، بسبب خوف ذويه من قصف قوات النظام  على المدارس، وغياب المدرسين عن القرية التي يقطن بها.

ظاهرة خطيرة

الباحث التربوي عز الدين المحمد، ذكر من جانبه أن الأمية تعد من الظواهر الخطيرة التي تكتسح المجتمعات؛ نظراً لامتداد تداعياتها لسنوات طويلة، بما يرافق ذلك من منعكسات سلبية، تطال مختلف جوانب المجتمع، وتعيق تطوره في مختلف المجالات لا سّيما الاقتصادية والتربوية والسلوكية.

ويقول المحمد في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن "الأمي في البلدان العربية هو مصطلح يطلق على كل من بلغ الثانية عشرة من عمره، ولا يجيد مبادئ القراءة والكتابة في لغته، ويعجز عن القيام بالعمليات الحسابية الأساسية".

ويشير المحمد إلى أن الأمي في الدول المتحضرة كاليابان مثلاً، هو الشخص الذي لم يصل إلى المستوى التعليمي الذي يجعله يستوعب التعليمات الكتابية المتعلقة بالمعلومات التقنية الخاصة بعمله.

ويوضح أن الأمية في عصر العلوم والتطور التقني الحديث، باتت تتخذ أشكالاً عديدة مثل: الأمية التقنية، والأمية المعرفية، والأمية الوظيفية، والأمية الثقافية وغيرها.

بدوره، يرى المرشد الاجتماعي ضياء محمد، أن الأمية في سوريا قبل الثورة كانت نسبها قليلة، وكانت محصورة بين كبار السن.

ويؤكد محمد في حديث لـ"الخليج أونلاين"، أن قانون إلزامية التعليم، وبرامج تعليم الكبار، التي كان معمولاً بها قبل الثورة، حققت إنجازات كبيرة في مجال محو الأمية، ونجحت في تخفيض نسبها بين السوريين كباراً وصغاراً إلى حدودها الدنيا.

ويضيف: "سوريا خطت خطوات واسعة في مجال محو الأمية منذ أواخر السبعينيات، عندما كانت نسبة الأمية تزيد على 48% بين المواطنين، وتم إعداد الكثير من الخطط والبرامج والمناهج؛ في سبيل مكافحة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة".

ويشير إلى أنه منذ إصدار قانون محو الأمية في العام 1972؛ استطاعت سوريا أن تحقق نجاحات كبيرة في هذا المجال، إذ انخفضت نسبة الأمية من 19% عام 2004، إلى 14% عام 2007.

ويبين أن هذا الانخفاض ترجم فعلياً على أرض الواقع مع الاحتفال بإعلان محافظات القنيطرة، والسويداء، طرطوس، في 2008، ودرعا في 2009، محافظات خالية من الأمية.

ويلفت إلى أن نسب الأمية في سوريا انخفضت إلى نحو 5% قبل انطلاق الثورة في 2011.

ويذكر أنه وفقاً للخطط الموضوعة فإن القضاء على الأمية كان سيتم في جميع المحافظات السورية بحلول العام 2016، لكن الأوضاع التي تعيشها البلاد صعبت من إنجاز هذه المهمة.

تدمير ممنهج

الحرب التي تشهدها سوريا منذ العام 2011 وحتى اليوم أفرزت جيلاً سورياً ضائعاً، وفق الموجه التربوي السابق عبد القادر عيسى.

ويؤكد العيسى، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن العنف والإفراط في استخدام القوة العسكرية، من قبل نظام الأسد والميليشيات الحليفة له؛ تسبب في إغلاق جميع المدارس في المحافظات المشتعلة، كما أفضى إلى تدمير معظم المدارس والمؤسسات التعليمية؛ نتيجة استهدافها بشكل ممنهج.

ويقول العيسى: "الكثير من المدارس تحولت إلى مراكز لإيواء النازحين ومقرات عسكرية لقوات النظام، وللفصائل الأخرى، كما استخدمتها قوات النظام معتقلات لإخفاء المعتقلين، الأمر الذي أعاق العملية التعليمية برمتها، وشجع الطلاب والتلاميذ على التسرب من المدارس".

ويضيف: "أمام هذا الواقع الجديد، لوحظ ارتفاع كبير في نسب التسرب من المدارس، حيث وصلت النسبة باعتراف مؤسسات النظام التربوية إلى أكثر من 40%".

ويشير إلى أن مئات الآلاف من الأطفال السوريين، من الذين ولدوا خلال سنوات الثورة، لم يتمكنوا من الدخول إلى المدارس؛ بسبب ظروف الحرب، موضحاً أن هؤلاء الأطفال باتوا بشكل أو بآخر في عداد الأميين.

ويستطرد بالقول: "كما لا ننسى الضحايا الآخرين لتلك الحرب الملعونة ونقصد بهم أبناء القتلى، والمعتقلين والأرامل، الذين تقطعت بهم السبل، وأصبحوا تحت ضغط الحاجة والظروف الاقتصادية السيئة؛ مجبرين على ترك مدارسهم رغم حداثة سنهم".

ويلفت إلى أن أطفال هذه الشريحة وعددهم لايستهان به باتوا في عداد الأميين فضلاً عن أنهم أصبحوا عرضة لكل الانحرافات السلوكية والأخلاقية في ظل الفوضى التي تعيش فيها سوريا.