السبت 2020/11/28

جولة ثانية من “مؤتمر اللاجئين”: روسيا تعقّد الحل السوري

تؤكد المعطيات أن روسيا أرادت من مؤتمر اللاجئين السوريين الذي عُقد في دمشق في 11 و12 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، فرض مسار سياسي جديد باستخدام ورقة إنسانية (اللاجئين)، للالتفاف على المسارات السياسية الأممية الرامية للحل بسوريا، ولا سيما مسار اللجنة الدستورية، الذي تضغط الأمم المتحدة لإنجاحه بدعم غربي، لإنجاز صياغة دستور جديد للبلاد قبيل استحقاق موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا منتصف العام المقبل.

 

وتعكف موسكو على عقد جولة ثانية من المؤتمر على الأراضي اللبنانية، ما سيضع القضية السورية أمام مسار جديد لتمييع جهود الحل، يُضاف إلى مسارات كانت قد اخترعتها موسكو لهذا الشأن، كأستانة الذي حاولت من خلال تعطيل مسار جنيف، ومن ثم اللقاءات المتتالية في سوتشي الروسية على مستوى المسؤولين بين إيران وروسيا وتركيا لتمرير توسيع رقعة نفوذ النظام والمليشيات الإيرانية بدعم مباشر منها شمالي غرب البلاد، تحديداً في محافظة إدلب وما حولها.

 

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن رئيس مقر التنسيق الروسي - السوري لعودة اللاجئين، ميخائيل ميزينتسيف، تأييد موسكو لما قال إنها مبادرة لبنانية بشأن عقد مؤتمر دولي حول عودة اللاجئين السوريين، على غرار المؤتمر الذي عُقد في دمشق. وأشار ميزينتسيف إلى أن "انعقاد المؤتمر هو العنصر الأول في تنسيق الجهود الدولية لحل واقعي لمشكلة عودة المواطنين السوريين من الخارج"، مضيفاً "في هذا الصدد، نؤيد تماماً مبادرة الجانب اللبناني بعقد مثل هذا المؤتمر على الأراضي اللبنانية ومستعدون للمساعدة في تنظيمه".

 

وكانت وسائل إعلام قد نقلت عن وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة اللبناني رمزي مشرفية، دعوته لعقد نسخة ثانية من مؤتمر اللاجئين خلال لقائه مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، على هامش مؤتمر اللاجئين في دمشق. وقال مشرفية حينها: "إن الظروف الضاغطة تشجع الدول التي استضافت اللاجئين، خصوصاً لبنان، على إقرار خطة مع الدولة السورية لإعادة اللاجئين السوريين بأقرب وقت ممكن". 

 

واعتبر أن "المؤتمر (النسخة الأولى) يشكل خطوة أساسية في درب طويل ينبغي اجتيازه مع الجانب السوري لإعادة المهجرين إلى بلادهم بشكل طوعي كريم ومتدرج"، معرباً كذلك عن أمله بأن "يتم استتباع هذا المؤتمر بخطوات عملية ويتم عقد المؤتمر الثاني على الأراضي اللبنانية"، وفق ما ذكرت وكالة "سانا" التابعة للنظام.

 

غير أن فكرة إقامة نسخة أو نسخة ثانية من مؤتمر اللاجئين، لم تخرج عن الجانب اللبناني أولاً، إذ سعى لافرنتييف للترويج لها في اللقاء ذاته مع مشرفية في دمشق، حين أشار لافرنتييف إلى استعداد بلاده لـ"تقديم ما يمكن من مساعدة لتخفيف الصعوبات التي يواجهها لبنان". ولفت إلى تأييده "الخطة الموضوعة لعودة اللاجئين السوريين من لبنان، والتي تم تنسيقها بشكل دقيق ومفصل مع القيادة السورية (نظام الأسد)، التي تهتم بعودة مواطنيها لديارهم وبتهيئة ظروف العيش الكريم لهم". حسب زعمه.

 

وأوضح أن "مؤتمر اليوم (النسخة الأولى) هو المرحلة الأولى من عمل طويل وشاق في اتجاه عودة اللاجئين، وأن البدء بشكل ناجح بتنفيذ مقرراته وعودة المهجرين من لبنان قد يكون محفزاً لعقد مؤتمرٍ ثانٍ".

 

ولم يخرج عن الجانب اللبناني تصريحات جديدة حول المؤتمر بنسخته الثانية وزمن انعقاده، بيد أن من الواضح أن روسيا ستتصدى لمسألة التمويل والتنظيم، لإكمال هذا الملف كمسار جديد. وتشير التحركات الروسية في الملف السوري أخيراً إلى أن موسكو لم تقتنع بالبدائل عن النظام والأسد على وجه التحديد، وتسعى لتثبيته بأي شكل على الرغم من المعارضة الغربية والأميركية، بالإشارة إلى عدم الاعتراف بالانتخابات المقبلة، إن لم تكن بإشراف مباشر من الأمم المتحدة، وبعد إقرار التسوية السياسية في البلاد بشكل نهائي، بموجب القرار الأممي 2254.

 

وفي حين قاطعت الدول الغربية مؤتمر اللاجئين في دمشق، بدفع من الولايات المتحدة وجهود دبلوماسية من إدارة الرئيس الخاسر في الانتخابات الأميركية دونالد ترامب ومبعوثيه إلى سوريا، السابق جيمس جيفري، والحالي جويل ريبرون، فإن روسيا تحاول تثبيت هذا المسار على الساحة السورية.

 

واستغلت روسيا الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية بين ترامب والرئيس المنتخب جو بايدن، لإحداث تغيرات جذرية على الملف السوري وتفويت تلافيها على واشنطن مستقبلاً. كما حصل في فترة الانتخابات الأميركية عام 2016 بدعم النظام بهجوم واسع في حلب، سيطر الأخير من خلاله على الأجزاء الشرقية من المدينة وهجر آلاف المدنيين.

 

بيد أن مساعي موسكو في الفترة الحالية تتركز على تعطيل مسار اللجنة الدستورية، بزج أي ملف سياسي أو إنساني في طريقه عبر جهود دبلوماسية حثيثة، لا سيما مع تكثيف المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون جهوده أخيراً لإحداث اختراق في الجولتين المقبلتين، الرابعة والخامسة، من أعمال اللجنة في جنيف نهاية الشهر الحالي وفي الشهر الأول من العام المقبل. ويهدف بيدرسون إلى البدء ببحث مضامين دستورية، بعد أن نجح النظام بفرض وجهة نظره في الجولة الماضية وحتى المقبلة، بمناقشة "الثوابت والركائز الوطنية" بالإضافة إلى "الهوية الوطنية"، في سبيل كسب الوقت وتشتيت أعمال اللجنة عن بحث ومناقشة المضامين الدستورية الرئيسية. وهي الخطوات التي قال الرئيس المشارك للجنة عن وفد المعارضة، هادي البحرة، إنه سيبدأ بحثها ومناقشتها انطلاقاً من الجولة الخامسة، وذلك في تصريح سابق لموقع"العربي الجديد".

 

وظهر مسؤولو النظام في دمشق، ومن ضمنهم رئيسه بشار الأسد، غير متحمسين لفكرة مؤتمر اللاجئين الذي يعتبر مساراً روسياً خالصاً، حتى وإن أشارت موسكو إلى شراكتها مع دمشق من خلاله. وبرز ذلك في عدم إيلاء الاهتمام الكافي بالمؤتمر، مع توجيه الأسد كلمته إلى المشاركين عبر دائرة تلفزيونية، على الرغم من أن مكان انعقاد المؤتمر يُبعد عن القصر الجمهوري أقل من 10 كيلومترات، في حين ترك وزير خارجية النظام وليد المعلم الافتتاح لمعاونه أيمن سوسان والترحيب بالحضور على الرغم من تواجده في القاعة. 

 

وحاول النظام استغلال المؤتمر للترويج للبدء بمرحلة إعادة الإعمار، انطلاقاً من أن جزءاً كبيراً من اللاجئين لا يرغبون بالعودة نظراً للدمار الذي لحق بمدنهم وقراهم، وهذا ساعدت عليه روسيا بافتتاح التهيئة للبدء في هذا الملف، حين أعلنت عن تقديم مليار دولار لإعادة إعمار الشبكات الكهربائية والصناعات وأغراض إنسانية أخرى في سوريا، بحسب رئيس مقر التنسيق الروسي-السوري لعودة اللاجئين، ميخائيل ميزينتسيف، خلال المؤتمر.