الخميس 2021/11/11

تعميم “تسويات” درعا على باقي المناطق: التجربة سيئة

بينما يجري الحديث عن توجه روسي-دولي إلى تطبيق تجربة التسوية في درعا على بقية المناطق السورية، تشهد المحافظة تدهوراً مستمراً على الصعيدين الأمني والاقتصادي، بعد مضي شهرين على توقيع اتفاقية التسوية الثانية بين المعارضة والنظام.

 

تسوية تحت الضغط:

وكان الطرفان قد توصلا إلى اتفاق برعاية روسية، في أيلول/سبتمبر 2021، قضى بتسليم السلاح الفردي وعودة مؤسسات النظام الأمنية إلى العمل في المناطق التي كانت خاضعة لاتفاقية المصالحة الأولى التي وقعت عام 2018.

 

وسائل إعلام النظام أعلنت مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أن "ملف التسويات انتهى في درعا بعد عمل مستمر دام لأكثر من شهرين". وصرّح رئيس لجنة التسوية التابعة للنظام بأنه "خلال شهرين تمت تسوية أوضاع حوالي 14 ألف شخص، بينهم عشرة آلاف مدني وأربعة آلاف عسكري، مع تسليم آلاف القطع من الأسلحة".

 

كما شملت الاتفاقية الجديدة تسوية أوضاع المطلوبين وكذلك المنشقين عن جيش النظام المتخلفين عن الخدمة الإلزامية، مقابل رفع الحصار الذي فرضته قوات النظام على أحياء وبلدات في حوران، كما جرت اشتباكات محدودة بين مسلحين معارضين وكذلك من عناصر اللواء الثامن المدعوم من قبل روسيا، وبين مجاميع من جيش النظام.

 

وبينما اعتبر الكثيرون أن اتفاقية التسوية مثّلت "انتصاراً لإرادة النظام وحققت أهدافه في استعادة كامل السيطرة على المحافظة" يرى آخرون أنه "لم يكن بالإمكان أفضل مما كان" بالنسبة للمعارضة، التي وجدت نفسها مضطرة في النهاية إلى تجنيب الأهالي عملية عسكرية واسعة كان النظام يهدد باستخدام السلاح الثقيل والطيران فيها.

 

اتفاق دولي

ويؤكد مدير الهيئة السورية للإعلام العميد ابراهيم جباوي أن المفاوضات بين اللجنة المركزية لدرعا، ممثلة عن أهالي المحافظة، وبين اللجنة الأمنية الممثلة للنظام، التي كان يقودها العميد حسام لوقا "جرت وسط أجواء محملة بالضغط الكبير على ممثلي الأهالي"، خاصة بعد إظهار روسيا تملصها من مسؤولياتها كضامن لاتفاقية المصالحة الأولى، والتقارب مفاجئ  بين النظام والأردن.

 

ويوضح جباوي في تصريح ل"المدن"، أن روسيا وعلى الرغم من سعيها لاستعادة النظام سيطرته على كامل حوران، إلا أنها تجنبت في الوقت نفسه تغطيته بالقوة الجوية، ما أدى إلى خسارة قواته بشكلٍ مذلٍ للمواجهات المحدودة التي اندلعت على هامش الحصار والمفاوضات السياسية التي مثلت المعركة الحقيقية.

 

ويعتبر جباوي أن بنود التسوية كانت جيدة "لأنها نصت بوضوح على إبعاد الميليشيات الإيرانية عن المحافظة، وإزالة كافة النقاط العسكرية، وهو ما حصل بالفعل عندما غادرت قوات الفرقة الرابعة والفرقة 15 والميليشيات المرتبطة بإيران محافظة درعا بشكل تدريجي، مقابل تقسيم المحافظة إلى ثلاثة قطاعات أمنية".

 

وحسب التوزيع الجديد للقوى، بات الأمن العسكري مشرفاً على القطاع الغربي من درعا، مقابل إشراف المخابرات الجوية على القطاع الشرقي، بينما عُهدت لفرع أمن الدولة مسؤولية إدارة القطاع الشمالي، والريف الجنوبي كان من نصيب فرع الأمن السياسي، على أن تنحصر نقاط انتشار العناصر عند مداخل المدن فقط.

 

لكن جباوي ينبّه إلى استمرار وجود بعض القوى والمجموعات المرتبطة بإيران في محافظة درعا، ويقول إن "إسرائيل وروسيا سوف تتعامل بما يلزم مع هذه الميليشيات على الغالب".

 

كما يعتقد أن ما حصل في درعا هو "اتفاق روسي-أميركي" الهدف منه "رغبة الجانبين في إنهاء الملف العسكري جنوب سوريا، كخطوة أولى على طريق إيجاد حل شامل للقضية السورية"، ويرى أن الانتقال إلى مناطق أخرى في سوريا "يتوقف على نجاح التجربة في درعا".

 

أوضاع بائسة

لكن على الرغم من إعلان النظام انتهاء عمليات سحب السلاح وفرض التسوية، إلا أن المحافظة لم تشهد أي تحسن سواء على الصعيد الأمني أو على صعيد الخدمات والاقتصاد، ما دفع المئات من سكانها إلى السعي للمغادرة، باتجاه الشمال أو إلى الخارج.

 

وفي تصريح ل"المدن"، أكد المتحدث باسم تجمع أحرار حوران أيمن أبو نقطة أنه من الناحية الأمنية "فإن عمليات الاغتيال لم تتوقف"، مشيراً إلى ان يوم الاثنين شهد تسجيل أربع عمليات اغتيال جديدة في مناطق مختلفة من حوران. وأضاف "أعتقد أن النظام هو من يقف خلف هذه العمليات بهدف تصفية حساباته مع المعارضين له".

 

أما على الصعيد الاقتصادي، فيؤكد أبو نقطة أن الوضع في غاية السوء، حيث تشهد درعا ازدياداً كبيراً في أعداد المتقدمين للحصول على جوازات سفر من أجل الهجرة. ويقول: "في كل صباح لدينا طابور طويل من الباحثين عن جوازات، ومعظم الشباب يبحث عن فرصة للمغادرة هرباً من تردي الوضع الاقتصادي وانعدام فرص العمل، على الرغم من وعود النظام وروسيا بأنه ستكون هناك خطة عمل تنموية في حوران بعد التسوية".

 

وعلى الصعيد الخدمي فإن الأمور "لا تقل سوءاً" حسب أبو نقطة، الذي يؤكد أن أياً من المشاريع التي كانت قد طرحت خلال المفاوضات لم تنفذ، ومنها مشروع حفر آبار لتأمين المياه، ما يضطر الأهالي، وخاصة في مدينة نوى ومحيطها، إلى دفع أكثر من نصف دخلهم من أجل تأمينها، بالإضافة إلى استمرار أزمة الكهرباء التي لا تتوفر سوى أقل من ساعتين في اليوم.

 

وبينما كانت روسيا والعديد من الدول المتدخلة في الصراع السوري تنتظر أن تنجح تجربة التسويات في محافظة درعا من أجل التشجيع على قبول أبناء المناطق الأخرى بتطبيقها لديهم، تؤكد الوقائع على الأرض استمرار معاناة سكان المحافظة من تردي الأوضاع الأمنية وسوء الحالة الاقتصادية وانعدام الخدمات، وهو أمر متوقع في ظل عجز النظام عن السيطرة على ميليشياته، والمعاناة الشديدة التي يواجهها على صعيد الاقتصاد.