الأثنين 2021/01/25

تطبيقات إلكترونية بالدولار لحماية أموال المغتربين.. والنظام يلاحقها

تعيش الغالبية العظمى من السوريين في مناطق سيطرة النظام ظروفاً معيشية قاسية للغاية، باتوا فيها عاجزين عن تأمين حاجاتهم الأساسية من غذاء ومحروقات ودواء. 

 

وبسبب الظرف الاقتصادي السيء الذي تشهده البلاد، والهوة الكبيرة بين أجور العمل وتكاليف الحياة اليومية، فإن معظم السوريين باتوا معتمدين بشكل كامل على الحوالات والمساعدات المالية التي تأتيهم من أقربائهم ومعارفهم المغتربين. إلا أن النظام عمل جاهداً لاستثمار هذه الحوالات لتغطية عجزه الاقتصادي على مدى العام 2020، ففرض عليها أتاوات من خلال التلاعب بسعر تصريف الدولار وإصدار قوانين تجرّم وتغرّم أي شخص يتعامل بالعملات الأجنبية في الداخل وحصر تحويل الأموال عبر بنوكه ووكلائه المعتمدين. وقد وصل هامش ربح النظام من حوالات المغتربين المشرعنة إلى ما يزيد عن 65 في المئة من قيمتها الإجمالية.

 

وفي إطار بحثهم عن حلول بديلة لأتاوات النظام، أنشأ سوريون تطبيقات الكترونية وصفحات تجارية على مواقع التواصل الاجتماعي، تستهدف المغتربين الراغبين  بمساعدة أقربائهم في الداخل، فتؤمن احتياجات ذويهم من مواد غذائية ومحروقات وألبسة وتدفع فواتيرهم، وتتقاضى أجور خدماتها بالعملات الأجنبية عبر حسابات بنكية خارج سوريا.

 

ويشرح مصدر يعمل في أحد التطبيقات ل"المدن"، أن "المغتربين يواجهون مشاكل كثيرة في تحويل الأموال إلى عائلاتهم في سوريا؛ فالسوريون في أوروبا قد تتمّ مساءلتهم قانونياً في حال كشف تحويلهم أي أموال إلى سوريا بسبب العقوبات الاقتصادية الموضوعة على النظام، إضافةً إلى خسارتهم جزءاً كبيراً من الحوالة بسبب فرق سعر الصرف، وفي المقابل هناك عدد كبير من التجار ورجال الأعمال الذين لديهم أموال مجمدة في سوريا ولا يستطيعون إخراجها من البلد".

 

وأضاف "أن الفكرة أتت لتقديم وسيلة للمغتربين لمساعدة أهلهم عن طريق تأمين سلال غذائية لهم، يدفعون ما يعادل سعرها بالدولار، بالإضافة إلى مبلغ بسيط، هو 3 دولار، تُضاف للفاتورة كأجور توصيل".

 

لاقت هذه الفكرة رواجاً وانتشاراً واسعاً  لدى السوريين خلال فترة وجيزة، وأصبحت تلك التطبيقات تتنافس بين بعضها لتقديم خدمات مختلفة لا تنحصر فقط بالمواد الأساسية، وإنما تشمل الرفاهيات التي لم تعد متوافرة لأغلب السوريين في الداخل، كالهدايا والعطور والورود ودفع فواتير المطاعم ومراكز التجميل، وارتفع الطلب عليها من قبل المغتربين لأن أسعار تلك الخدمات بالدولار أو اليورو تُعتبر رخيصة للغاية.

 

لكن انتشارها الواسع أثار انتباه الأجهزة الأمنية، وعرّض عمال التوصيل الموجودين على الأرض إلى المساءلة القانونية.وأبلغ المصدر "المدن"، أن "الجيش الإلكتروني السوري" الموالي للنظام قام بتتبع  بعض تلك الحسابات وخداع المسؤولين عن تلك الصفحات، فادعوا بأنهم زبائن عاديون للوصول إلى المنسقين على الأرض واعتقالهم بتهمة التعامل التجاري بالعملات الأجنبية.

 

وروى المصدر أن فخاً نُصب الأسبوع الماضي لأحد العاملين في خدمة التوصيل، حيث جرى استدراجه إلى عنوان في وسط العاصمة دمشق وألقي القبض عليه، وجرى التحقيق معه عن الجهة التي يعمل معها، وفي أي بلد والعملة التي يتقاضاها مقابل تلك الخدمات، وطلبوا معلومات عن أصحاب الشركة. ولم يُفرج عن الشاب إلا بعد أن قامت الشركة بدفع مبلغ 800 ألف ليرة سورية، بالدولار، وبحسب سعر تصريف البنك المركزي، بحجة ضرائب مستحقة عن هذا العمل.

 

وبعد حملة الاعتقالات التي شنها النظام على العاملين في تلك التطبيقات والصفحات، أصدر وزير التجارة الداخلية في حكومة النظام علي الخطيب قراراً يقضي بمنع البيع والتسويق عبر الإنترنت من دون سجل تجاري يُحدَّد من خلاله التاجر موقعه ونوع التجارة التي يعمل بها. وورد فيه: "أي خلل أو خطأ بعمليات التجارة الإلكترونية يطبق على صاحبها القانون رقم 14 من قانون العقوبات، ويتعرض للعقوبة في حال لم يستحوذ على ترخيص".

 

وبرر الخطيب تلك القرارات التي انتقدها الشارع السوري بأنها شكل من أشكال حماية المستهلك، لضمان عدم بيعه أي سلع منتهية الصلاحية أو سامة أو لا تتطابق مع التسعيرة النظامية، وهي تبريرات مثيرة السخرية وسط غياب كامل للرقابة التموينية والصحية عن الأسواق النظامية التي تعج بسلع فاسدة ومخالفة لمعايير الصحة.

 

التفسير الوحيد للقرار الجديد وما سبقه من حملات اعتقال وتضييق، هو رغبة النظام في أخذ أتاوات وضرائب بالعملات الأجنبية من أصحاب تلك الصفحات والتطبيقات. ويبدو أن النظام سيتعامل معهم في هذا السياق، بحزم، حيث هدد الخطيب بشكل علني أصحاب الصفحات باختراق حساباتهم والوصول إلى معلوماتهم الشخصية.