الأثنين 2021/11/01

“تسويات” درعا لا توقف الاغتيالات: من يقف خلفها؟

 

لم تستقر الأوضاع الأمنية في محافظة درعا جنوب سورية رغم انتهاء التسويات، التي سمحت لقوات النظام وأجهزته الأمنية بجمع عدد كبير من قطع السلاح الفردي، وإحكام السيطرة على محافظة درعا، وهو ما يعزّز الشكوك في أن مجموعات تعمل لصالح هذه الأجهزة تقف وراء عمليات تصفية، لإبقاء حالة الفوضى الأمنية حاكمة في المحافظة.

 

وارتفعت وتيرة عمليات الاغتيال في عموم محافظة درعا، إذ ذكر "مكتب توثيق الشهداء في درعا"، أخيراً، أن الفترة الممتدة بين 6 سبتمبر/ أيلول ولغاية 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضيين شهدت 41 عملية ومحاولة اغتيال (28 قتل، 9 إصابات، 4 محاولات فاشلة). وأحصى "تجمع أحرار حوران"، الذي يضم صحافيين وناشطين إعلاميين، 32 عملية ومحاولة اغتيال بين بداية سبتمبر وحتى أول من أمس، أدت إلى وقوع 27 قتيلاً وإصابة سبعة أشخاص ونجاة تسعة.

 

وقتل شاب أمس الأحد بإطلاق نار أمام منزله في مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي، بعد أن شهد السبت الماضي عدة عمليات اغتيال. وذكر ناشطون محليون أن بلدة الشجرة في منطقة حوض اليرموك غربي درعا، شهدت، أول من أمس، عملية اغتيال بحق شخص في عمر الخمسين، موضحين أنه قتل بإطلاق نار مباشر، وأنه كان قد عمل متطوعاً ضمن فرع جهاز "أمن الدولة" التابع للنظام. ووفق الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، فقد قتل أحد عناصر قوات النظام عند حاجز الرادار، التابع إلى فرع "الأمن العسكري"، والواقع بالقرب من بلدة النعيمة في الريف الشرقي من محافظة درعا، إثر استهداف مسلحين له بشكل مباشر. كما استهدف مسلحون مجهولون سيارة نائب رئيس اتحاد كرة القدم ورئيس لجنة الحكام سابقاً زكريا قناة بعبوة على مدخل مدينة الصنمين في ريف درعا، ما أدى إلى إصابة زوجته بجروح خطيرة، بحسب الحوراني.

 

وتعليقاً على عودة عمليات الاغتيال في محافظة درعا، قال اللواء المنشق عن قوات النظام محمد الحاج علي، لـ"العربي الجديد"، إن العودة إلى الاغتيالات تأتي بسبب غياب السلطة وغياب الأمن أو هشاشته، وعدم الثقة بين أطراف مختلفة الرؤى والأجندات، وبسبب الفقر لدى البعض، ما يسهّل استخدامهم في تنفيذ أجندات معينة.

 

وفي السياق، رأى المحلل السياسي محمد العويّد (وهو من أبناء ريف درعا الشرقي) أن ارتفاع وتيرة الاغتيالات في عموم المحافظة "تطرح أسئلة حول طبيعة المجموعات غير المنضبطة التي تقف وراء هذه العمليات"، لافتاً إلى أن "قوات النظام جمعت غالبية السلاح الفردي في بلدات ومدن المحافظة". وأشار إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام "طلبت من بعض البلدات قطع سلاح فردي أكثر مما هو موجود فعلاً"، مضيفاً أن البعض اضطر لدفع أموال مقابل قطع سلاح ليست موجودة أصلاً كي لا يتعرض للمساءلة. وأعرب العويّد عن اعتقاده أن الجهات التي تنفذ عمليات الاغتيال "غالباً مرتبطة بالأجهزة الأمنية"، مضيفاً: يبدو أن هناك مجموعات إيرانية ربما تحاول إفشال الدور الروسي في جنوب سورية من خلال الإبقاء على الانفلات الأمني.

 

وكان النظام قد أنهى منذ عدة أيام عمليات التسوية على أساس رؤية روسية للحل في جنوب سورية، تقوم على سحب السلاح الفردي و"تسوية" أوضاع المسلحين والمطلوبين للأجهزة الأمنية والمنشقين عن قوات النظام، مقابل سحب الحواجز التي كانت تقطّع أوصال المحافظة.

 

وأكدت مصادر مطلعة في مدينة درعا، لـ"العربي الجديد"، أن النظام افتتح مكتباً في المدينة للراغبين في تسوية أوضاعهم من عموم المحافظة، مشيرة إلى أن بلدتي بصرى الشام ومعربا في ريف درعا الشرقي بقيتا خارج التسوية حتى الآن بسبب وجود "اللواء الثامن"، التابع لروسيا فيهما. وأعرب العويّد عن اعتقاده أن موسكو "أبقت على هذا اللواء الذي يتبع الفيلق الخامس الذي تتحكم به وزارة الدفاع الروسية ليكون ذراعها في جنوب سورية"، مضيفاً أن الروس بحاجة إلى قوة حقيقية على الأرض تتبع لهم لفرض معطيات معينة في استحقاقات المرحلة المقبلة. واستبعد العويّد إقدام الروس على حل هذا اللواء في الوقت الراهن، مشيراً إلى تقليص المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها لا أكثر.

 

وكان مصدر مطلع في محافظة درعا قد تحدّث، منتصف الشهر الماضي، عن أنّ النظام "يرفض وجود اللواء الثامن، ويعتبره عثرة كبيرة أمام تنفيذ مشاريعه في المحافظة"، مؤكداً أن "النظام طلب من حليفه الروسي إنهاء ملف اللواء، لأنه يرفض التكتلات العسكرية خارج ملاكه". وتحدث المصدر عن "إمكانية تحويل تبعية اللواء إلى ملاك شعبة المخابرات العسكرية أو دمجه في جيش النظام"، مشيراً إلى أن "جميع ملفات عناصره تحوّلت إلى شعبة المخابرات". وكانت وزارة الدفاع الروسية قد شكّلت "اللواء الثامن"، الذي يقوده القيادي السابق في فصائل المعارضة السورية أحمد العودة، منتصف 2018، من عناصر كانوا في فصائل المعارضة وأجروا تسويات مع النظام في ذلك العام، الذي شهد انتهاء المواجهات العسكرية في عموم الجنوب السوري بضغط روسي وإقليمي، حيث اضطرت فصائل المعارضة لتسليم سلاحها الثقيل.

 

إلى ذلك، ذكر "تجمع أحرار حوران" أن المنشقين عن قوات النظام، من الذين أجروا تسويات، يخشون الالتحاق بالقطع العسكرية "رغم الوعود بعدم الملاحقة الأمنية بموجب أوراق التسوية التي يحملونها، لمدة ثلاثة أشهر". وأكد "أنّ مئات المنشقّين سلّموا أنفسهم لنظام الأسد عقب سيطرته على محافظة درعا في أغسطس/ آب 2018، وذلك بعد صدور مرسومي عفو عن المنشقّين"، مضيفاً أن النظام أخلّ بهذه المراسيم، واعتقل أكثر من 300 منشق ممن سلّموا أنفسهم وزجّ بهم في سجونه. ووفق مكتب توثيق الانتهاكات في التجمع مقتل 37 منشقاً من أبناء درعا، تحت التعذيب في معتقلات النظام، منذ سيطرة قواته النظام على المحافظة في 2018 وحتى أواخر أكتوبر الماضي.