الجمعة 2020/11/13

ترامب وبايدن و”الخط الأحمر” السوري

الدفعة الأخيرة من العقوبات الأميركية على شخصيات وكيانات مع نظام الأسد، كانت جاهزة منذ أسابيع. القيمون على هذا الملف في واشنطن، قرروا تأجيل إعلانها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية بداية الشهر. الهدف بالنسبة إليهم، القول إن السياسة الأميركية إزاء سوريا، لن تتغير بتغير الإدارة، وهناك إجماع سياسي بين الحزبين والمؤسسات حول هذا الملف. هل هذا صحيح؟ وما هي نقاط التقاطع والخلاف بين إدارة دونالد ترامب والإدارة المحتملة لجو بايدن؟

ضمت الحزمة الأخيرة من العقوبات، ثلاث سلال: شخصيات وكيانات اقتصادية لها علاقة بصناعة النفط، وشخصيات أمنية وعسكرية رسمية وقيادية في ميليشيات "الدفاع الوطني"، وشخصيات سياسية وأعضاء في "مجلس الشعب". وهي القائمة الخامسة، منذ بدء تنفيذ "قانون قيصر" في منتصف حزيران الماضي، واستكمالاً لما يقول عنه مسؤولو الملف السوري، "صيف قيصر" الذي طال أكثر من 90 شخصاً ومؤسسة. بالنسبة إليهم، فإن الرسالة السياسية هي، أن "حملة الضغوط ستستمر ولن تتغير مع مجيء إدارة بقيادة بايدن"، ذلك أن كيفية التعاطي مع هذا الملف "ليس موضوعاً خلافياً، بل هو عابر للانقسامات السياسية. قانون قيصر وافق عليه الكونغرس بأعضاء الجمهوريين والديمقراطيين وأقره الرئيس ترامب".

و"قانون قيصر" بالنسبة إلى واشنطن، هو إحدى الأدوات الكثيرة التي تملكها، وتشمل الوجود العسكري شرق الفرات وفي قاعدة التنف ودعم سيطرة "قسد" على منطقة استراتيجية غنية بالموارد الاقتصادية، واستمرار فرض العزلة على نظام الأسد ومنع التطبيع الدبلوماسي العربي والأوروبي معه، إضافة إلى حرمانه من الأموال اللازمة للإعمار والتطبيع. ولم يخف وزيرا الخارجية مايك بومبيو والخزانة ستيفن منوتشين "عزم واشنطن، على مواصلة ممارسة ضغط اقتصادي على نظام الأسد وداعميه".

من هذا المنطلق، حثت واشنطن الدول العربية والأوروبية على عدم المشاركة في "مؤتمر اللاجئين السوريين" في دمشق. كما أنها حثت دولا على عدم استعجال التطبيع وإعادة دمشق إلى الجامعة العربية. إلى الآن هذا حاصل، حيث قوطع المؤتمر ونقل عن مسؤولين في الجامعة العربية قولهم إنه "ليس هناك إجماع عربي على إعادة سوريا" وإنه على دمشق "أن تبدأ بالخطوة الأولى، وفق مبدأ: ساعدونا لنساعدكم".

ما الأهداف الأميركية؟ واشنطن تقول إنها تريد استعمال الأدوات التي تملكها لتحقيق ثلاثة أهداف: الهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة، وإخراج القوات الإيرانية من سوريا، الوصول إلى حل سياسي بموجب القرار 2254.

سياسيا، يذهب مسؤولون أميركيون إلى حد تقديم "نصيحة" للبعثة الأممية إلى سوريا، بضرورة أن تكون "شفافة أكثر في تحمل مسؤولية عرقلة عمل اللجنة الدستورية"، إضافة إلى ضرورة تكثيف العمل على جميع عناصر القرار 2254.

وتشمل: وقف نار شاملا على مستوى سوريا، والتحضير لإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة بمشاركة اللاجئين والنازحين، وحل مشكلة المفقودين والسجناء، وإجراءات بناء الثقة.

لن تختلف إدارة بايدن إزاء هذه الأهداف، لكن التقديرات أن الأولويات ستختلف، كما هو الحال مع العلاقة بين مساري الضغوط والتفاوض.

هناك اعتقاد واسع، أنه مع إدارة بايدن سيكون الوجود العسكري شرق الفرات أكثر استقرارا وأقل تقلبا، وأن يكون التنسيق أعمق مع "قسد" والأوروبيين وتحديدا بريطانيا وفرنسا. أي، لن يحصل ما حصل نهاية تشرين الأول، عندما كان مبعوثون غربيون من حلف واشنطن، يزورون القامشلي للبحث في مشاريع الاستقرار وفوجئوا بقرار ترامب الانسحاب.

تفصيلاً، كل المؤشرات تشير إلى أن بايدن أبعد من ترامب عن تركيا وأقرب منه للأكراد. ولا شك، أن عودة المبعوث الرئاسي الأميركي السابق بريت ماغورك إلى الملف خلفاً للسفير جيمس جيفري سيكون أوضح تعبير عن ذلك. ماغورك وجيفري على طرفي نقيض في موضوعي تركيا والأكراد.

طبعاً، هناك احتمال أن يلعب ألكسندر بيك المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، دورا في الملف السوري. وهو يقع في الوسط بين ماغورك وجيفري. لكن هناك إجماعاً على أن الفريق الجديد سيستثمر أكثر في العملية السياسية بحيث يربط بين الأدوات التي يملكها والمفاوضات، سواء السياسية في جنيف أو مع اللاعبين الإقليميين والدوليين. قد يضغط أكثر لتمثيل حلفاء واشنطن شرق الفرات في العملية السياسية، الأمر الذي منعت أنقرة حصوله سابقاً.

العنوان العريض، هو تأهب أميركي، لاستثمار أدوات الضغط مثل "قانون قيصر" والوجود العسكري وإغراءات التطبيع والإعمار. الضغط أكثر على أنقرة ودمشق والتفاوض مع موسكو وطهران. وسيكون واضحا ارتباط الملف السوري بقضايا إقليمية ودولية. إيران التي تريد إدارة بايدن العودة معها إلى الاتفاق النووي المعدل الذي يشمل بحث تغلغلها الإقليمي، بينه في سوريا. تركيا التي تريد "تقطيع أوصال" الكيان الكردي وتتمدد بتعاون وتنافس مع روسيا في الإقليم برا وبحرا، وسوريا أحد مسارحها. إسرائيل التي وقعت اتفاقات مع دول عربية وتريد كبح جماح النفوذ الإيراني و"منع تموضعها" في سوريا. تضاف إلى ذلك، ملفات أوكرانيا وبيلاروسيا وتجديد اتفاق الحد من الأسلحة مع روسيا ومستقبل "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) الذي يجاور سوريا نظريا بسبب تركيا.

أغلب الظن، هناك مساران لبدء الاختبارات الأولى في سوريا: انطلاق مفاوضات لمعرفة مصير الصحافي الأميركي أوستن تايس الذي اختفى في سوريا في 2012. جس نبض بدء مفاوضات لاتفاق سلام بمحتوى ثنائي وإقليمي بين دمشق وتل أبيب. بايدن الذي يعتقد محللون، أنه سيقود "إدارة أوباما الثالثة"، كان موجودا عندما وضع رئيسه "الخط الأحمر" في 2013 ولم يلتزم تعهداته. وهناك من يعتقد أن "ظل الخط الأحمر" يخيم على واشنطن.